نوبل 2021... أيكم قرأ لعبد الرزاق غورنه؟

نوبل 2021... أيكم قرأ لعبد الرزاق غورنه؟

11 أكتوبر 2021
+ الخط -

تستعصي جائزة نوبل للأدب بدرجة ما على التوقع، ألقت عصاها هذا العام بين يدي عبد الرزاق غورنه (72 عاماً)، تزور من خلاله ربوع أفريقيا وآسيا والعرب، فالرجل زنجباري المولد تنتهي أصوله العربية إلى آل قُرْنَح الحضارمة الذين ساحوا في بلاد الله.

وبالرغم من أن غورنه لم يتوقع يومًا أن يكون في هذه الأجواء، لكنه توِّج بأسمى الجوائز الأدبية تقديرًا لرواياته حول حقبة الاستعمار والفترة التالية لها في الشرق الأفريقي ومعاناة اللاجئين العالقين بين عالمين، وفق بيان الأكاديمية السويدية.

ويعد غورنه خامس كاتب مولود في أفريقيا ينال نوبل الآداب، وقد فرّ من زنجبار عام 1967 وحصل على الجنسية البريطانية، ولم يُترجم له إلى العربية حتى الآن، لكن بالطبع ستفتح نوبل له فضاءات جديدة على لغات عدة، منها العربية. والمتابع للشأن الأدبي يجد سؤالًا طرِح في المنتديات الأدبية وعبر منصات التواصل، سؤال من فئة: أيكم قرأ لعبد الرزاق غورنه؟ هل تُرجمت أعماله إلى العربية؟ ماذا تقترحون من كتاباته للقراءة بالعربية؟ وفي الجملة، سيعلم الذين جهِلوا قدر غورنه -ويدخل كاتب هذه السطور في عدادهم- مكانته ولو بعد حين إما اقتناعًا بإبداعه أو بتأثير الهالة النوبلية.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن الروائي التونسي حسونة المصباحي تتلمذ في بواكير حياته على كتابات نجيب محفوظ، وقد تأثر به إلى جانب يوسف إدريس ومحمد شكري- أيما تأثر، حتى إن حماسته لمحفوظ دفعته إلى التقدم بطلب إلى التلفزيون البافاري لإنتاج فيلم وثائقي عن حياة نجيب محفوظ. قد يتبادر إلى ذهن القارئ العزيز أن تلك الخطوة جاءت تحت وطأة تأثير الهالة، وعقب فوز صاحب الثلاثية -بين القصرين، قصر الشوق، السكرية- لكن الحقيقة على خلاف ذلك.

في سبتمبر/أيلول 1988، وقبل الإعلان عن فوز عمنا نجيب بالجائزة الأدبية المرموقة، تقدّم المصباحي بطلب إنتاج الفيلم إياه، غير أن إدارة التلفزيون رفضت متذرعة بأن محفوظ ليس له وزن أدبي يؤهله لهذه المكرمة! أقنع المصباحي -ومعه أردموته هللر مديرة تحرير مجلة (فكر وفن) الألمانية- التلفزيون البافاري بأن محفوظ أفضل من كتب عن مدينة القاهرة، حينها اقتنع التلفزيون بالمسألة لارتباطها بالمكان (القاهرة) وليس لارتباطها بشخص المبدع (محفوظ).

تأسيسًا على مبدأ "مِن جاور السعيد يسعد"، عاش المصباحي عامًا بطوله من خيرات هذا الفيلم الميمون، سوَّق مواد فيلمية وصورًا فوتوغرافية لتلفزيونات الأرض، وانتعش حاله وأقبلت الدنيا عليه بعد لأي

أقبل الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول 1988، ومع المشاهد الأخيرة من تصوير الفيلم، وإذا بالأكاديمية السويدية تعلن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، وانشقت الأرض عن وكالات الأنباء من كل حدب وصوب، الكل يريد تصريحًا وسبْقًا يظفر به من صاحب الفرح، وإذا به يخص التلفزيون البافاري بأول تصريح قائلًا "سأعطي التصريح الأول للي جابوا لي جائزة نوبل"، ولو علم عمنا محفوظ أن البافاريين كانوا غير متحمسين لإنتاج الفيلم عنه، لربما غضَّ عنهم الطرف وعاملهم معاملة غيرهم في التصريحات والإفادات.

وتأسيسًا على مبدأ "مِن جاور السعيد يسعد"، عاش المصباحي عامًا بطوله من خيرات هذا الفيلم الميمون، سوَّق مواد فيلمية وصورًا فوتوغرافية لتلفزيونات الأرض، وانتعش حاله وأقبلت الدنيا عليه بعد لأي.

لعل في الرفض المبدئي للفيلم الوثائقي عن محفوظ ما يشير ولو من طرف خفي إلى نقطة مهمة، تتبدى في تكتّم لجنة الأكاديمية السويدية على أسماء المرشحين، لكن ذلك لا ينفي محدودية شعبية نجيب محفوظ عالميًا قبل الجائزة، مثلما أن غورنه غير معروف لجمهور غفير من أهل الأدب ومحبيه.

في هاتيك الأيام، أرهق الدكتور محمد عزيز الحبابي نفسه ومحيطه بانتظار مكالمة هاتفية، المكالمة ذاتها التي تلقاها قبل أيام عبد الرزاق، ليس الحبابي وحده، بل اتفق معه -في التشوّف والتشوق لاقتناص نوبل- توفيق الحكيم، والرجلان قد درسا في باريس، وتُرجمت أعمالهما إلى الفرنسية، وجنّدا شخصيات ومؤسسات للترويج والتسويق في المجتمع الأوروبي عامة وعند الأكاديمية السويدية على وجه الخصوص، لكنهما قد انتقلا إلى مثواهما الأخير دون أن يتحقق ما تلمّساه بغير سبيل.

وللجائزة صدمة لا تختلف عن فرحتها، واكتئاب لا يقل عن اكتئاب ما بعد الولادة، تظهر الصدمة -مصحوبة أحيانًا بالإنكار والامتعاض- على وجوه وأقلام من يرون أنفسهم أحق بها وأهلها، وأنهم سُلبوا هذا الحق لصالح هذا المحظوظ، والاكتئاب قاسم مشترك بينهم وبين الفائز، فهم يشعرون بالإحباط وسدة النفس عن مداعبة القلم، كلما جلسوا للكتابة نكّد عليهم اجترار مخاتلة الجائزة لهم وتفلُّتها من بين أيديهم، في حين يحاذر صاحب التكريم العالمي من نشر ما لا يحفظ له هذا الألق العالمي.

بعد ساعات من الفوز التاريخي للعرب ممثلًا في نجيب محفوظ، كان يوسف إدريس -بكلماته الخاصة ولحظاته الحرجة- يغمز في على صفحات الأهرام في قناة محفوظ، لدرجة أن بعض المهتمين بالوسط الأدبي لم يقبلوا هذا الطرح، وطالبوا إدريس بالتنزه عن هذه المساجلة غير المنصفة، في حين لاذ محفوظ بالصمت ولم يدخل تلك المعركة، لا تدري أفعل ذلك ترفعًا عن "جر الشَّكَل"، على طريقة ترفع البحتري عن هجاء صنوه ابن الرومي، أم آثر ألا يعكِّر فرحته العالمية بأي صورة كانت.

ولعلك تسأل: الجائزة لغورنه والحديث عن محفوظ؟! والجواب مع التحية والتقدير للقدير متمم بن نويرة (إن الشجى يبعث الشجى/ فدعني فكله عند نوبل).