نفحات من الواقع

نفحات من الواقع

26 يوليو 2022
+ الخط -

شاهدتُ...

"مقديشو" عاصمة الصومال العربي. وكانت أول مرة أتابع فيها فيلماً وثائقياً عن أرض الصومال النائية على الشاطئ الشرقي لأفريقيا. صدقوني أنني انبهرت بكل ما رأيت من مشاهد. الخضرة في كل مكان. الطبيعة الساحرة. الوجوه السمراء وسيمة جميلة ومبتسمة. العمل على قدم وساق. والكل يحلم.. يحلم، لا أحد في الصومال ينظر إلى الوراء.. إلى الماضي بغضب، إنهم جميعاً يتطلعون إلى الأمام.. إلى المستقبل، يبتسمون وهم يعملون، ويعملون وهم يبتسمون، والجميع في سباق مع الأمل. الشباب .. الشيوخ، والأطفال، والسيدات.

ما أروع ألوان الملابس الزاهية التي يرتدونها. حدائق من الألوان المبهجة. والمتناسقة، والجماعية، تملأ شوارع مقديشو، كأنها مهرجان بشري من الألوان في عرس الطبيعة الخضراء. إنّ شعوري بالارتياح وبالفرح، أكبر بكثير من قدرتي على التعبير. لكنني أحس بامتلاء حقيقي يدفعني إلى الكتابة من هذا الارتياح، وهذا الفرح ببلد نام شقيق.

لقد بهرتني المرأة الصومالية بشخصيتها. لقد رأيت المرأة الصومالية تلعب دوراً حقيقياً في بلادها. رأيتها تعمل في كل مكان وفي أي مكان إلى جانب الرجل. رأيتها تعمل في زراعة الحقول، والحدائق. ورأيتها جندية متطوعة في الجيش.

ورأيتها معلمة في المدرسة وطبيبة في العيادات والمستشفيات وعاملة في المصنع، وربة بيت ـ بعد هذا كله ـ من الطراز الأول.

إنّ حصول المرأة على حقوقها في أي مجتمع إنما هو دليل أكيد على أنَّ هذا المجتمع بدأ بالفعل يشق طريقه إلى المستقبل. إنّ مستقبل الدول لا يمكن بحال أن يتحقق بنصف المجتمع فقط. لا بد لتحقيقه من مساندة النصف الآخر.

لقد رأيت في الصومال العربي الشقيق ذراعي المرأة الصومالية الجميلة، وذراع الرجل الصومالي الوسيم. يجدّان معاً في وجه المستقبل الصومالي، وعلى شفاهما ابتسامة الرضا والثقة والإصرار والمحبّة.

***

سمعتُ...

أنّ ألينا ويكر ابنة الـ 13 عاماً تكسر الصورة النمطية السائدة بعد قبولها في كلية الطبّ في جامعة ألاباما هيرزينغ. نعم ابنة الـ13 عاماً نجحت في رسم عالم جديد يمزج بين الطفولة والعلم، بين المرح والجدّ، وبين الممكن والأكيدهي تعرف ماذا تريد، ولا تتوانى للحظة عن تحقيق ما تؤمن به، متسلّحة بالشغف والعلم، وبهما نجحت في أن تطبع اسمها في كتاب التاريخ بكونها أصغر امرأة من أصول أفريقيّة تحقق هذا الإنجاز.

صحيح أنها كانت رحلة طويلة لكنّها حصدت ثمارها بنجاح. اسم ألينا ليس بجديد على وسائل الإعلام، إذ تصدّرت عناوين الصحف في العام الماضي بعد قبولها في برنامج الهندسة بجامعة ولاية أريزونا وهي في الـ12 من عمرها. لكنّ شغفها جعلها تنتقل إلى الضفة الأخرى من العلم إلى فرع "الأحياء"، لأنّها تأمل في أن تصبح عالمة مناعة فيروسيّة علّها تجد علاجات مضادة للفيروسات.

في أيّار، عُرض على ألينا مكان في جامعة ألاباما هيرزينغ لعام 2024، الذي يوفر القبول المبكر للمتقدّمين الذين يستوفون شروطاً محدّدة. إذن لن يكون العمر عائقاً أمام الأحلام، إذ تعتبر ألينا أصغر بـ 10 سنوات من أيّ طالب طب سيدخل إلى تلك الكلية.

هذا التميّز ليس وليد السّاعة، إذ بدأت والدتها تلاحظ منذ كان عمرها 3 سنوات أنّها ليست طفلة نموذجيّة وعادية. باختصار كانت ألينا موهوبة، كانت طريقتها في فعل الأشياء مختلفة ومتقدمة جداً.

كان اكتساب المهارات وتعلّمها شيئاً سهلاً بالنسبة لها، وهذا الأمر جعلها تتلقّى قدراً كبيراً من السخرية من زملائها في الدراسة نتيجة موهبتها الدراسيّة.

في الصفّ الخامس، كانت تتلقّى دورات متقدّمة في المنزل، من خلال اتّباع منهج دراسيّ ابتكرته والدتها.

لقد كانت ألينا تشعر بالملل، فقد كانت الموادّ سهلة بالنسبة إليها، وقد نجحت في دراستها الثانويّة وهي في عامها الـ12 فقط. كان تلقّي الدروس الإضافية بالنسبة لها متعة كبيرة. كان لديها اهتمام خاصّ بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

***

قرأتُ...

أنّه تم اختيار مدينة ستراسبورغ الفرنسية من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عاصمة عالمية للكتاب لسنة 2024، لتصبح أول مدينة تنال هذا اللقب منذ إطلاقه عام 2001.

وأبدت اليونسكو في بيان إعجابها بالأهمية التي توليها ستراسبورغ للكتاب كوسيلة لمواجهة تحديات الانصهار الاجتماعي والتغير المناخي. وقالت إن ستراسبورغ، وهي المدينة الفرنسية الوحيدة التي شاركت في المنافسة، "تسلط الضوء على دور الكتاب في تشارك المخاوف البيئية والمعارف العلمية، مع إعطاء أولوية للشباب كلاعبين في التغيير".

واعتبرت رئيسة بلدية المدينة الفرنسية الفائزة خلال مؤتمر صحفي أعقب الإعلان الرسمي أن "الرهان من هذا الترشيح كان في أن نظهر أن الرابط القوي جداً لستراسبورغ مع القراءة لا يرتبط فقط بتراثها الغني للغاية. الكتاب حيّ في ستراسبورغ وله جمهوره. إنها مدينة نهمة على القراءة وعاشقة للكتب، مع منظومة مذهلة من الكتّاب والرسامين التوضيحيين ودور النشر".

ومن المدن التي اختارتها اليونسكو سابقاً: مدريد (2001)، والإسكندرية (2002)، وبيروت (2009)، والشارقة (2019)، وأخيراً غوادالاخارا "المكسيك" (2022). وستكرّس ستراسبورغ ميزانية لهذا الحدث تبلغ 4.5 ملايين يورو.

وتنافست ستراسبورغ على نيل اللقب مع 9 مدن أخرى؛ هي عمّان الأردنية وهافانا الكوبية وياش الرومانية، وكذلك أوبيدوس البرتغالية، والرياض السعودية، وسالامانكا الإسبانية، وأيضاً طشقند الأوزبكية وبلوفديف وفيليكو تارنوفو البلغاريتان.

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.