ميناء للإغاثة أم موقع قدم في غزّة؟

ميناء للإغاثة أم موقع قدم في غزّة؟

12 مارس 2024
+ الخط -

أعتقد أنّ أميركا، وعبر تاريخها، قد فعلت الكثير من أجل تكريس عدم الثقة بها فيما تفعل، وهو ما يجعل من الضروري أن يكون التفاعل مع مقترحاتها تفاعلًا حذرًا، وبلا أدنى اطمئنان لها، ولما تفعل.
ولا حاجة للتذكير بالتاريخ الداعم لهذا الرأي أمام واقع الحال في غزّة والدور الأميركي في الانحياز والدعم الكامل لإسرائيل وممارساتها اللاإنسانية في غزّة بكلّ أشكالها. آخر هذه المقترحات هو إقامة ميناء لإغاثة غزّة، في محاولة للظهور بصورة البلد الحريص على توفير الغذاء لأهل غزّة، وعلى حياة الأطفال والنساء والشيوخ، ورفض سلاح التجويع.

في تقديري، الأرجح أنّ هذه الفكرة هي محاولة من أميركا لتبييض صورتها السوداء في عيون الداخل والخارج الأميركي، خاصة في ظلّ معارضة شعبية شديدة للحرب في غزّة وما آلت إليه أوضاع المدنيين، رغم أنّ صورة أميركا، باعتبارها داعمًا للحرب بلا حدود، لا ينفع معها شيء للتطهّر من الدماء والدموع والآلام التي عاشها كلّ فلسطيني منذ بداية حرب غزّة، ومن الدمار الذي مسّ كلّ شيء حتى أصبحنا نسأل: ما الشيء الذي لم يُدمّر؟ كلّ تلك الانتهاكات تبدو ملتصقة بصورة السياسة الأميركية لتكون طبقة أخرى فوق وجهها، وتزيده تشوّهًا. 

ما يجعلنا نستبعد البعد الإنساني في هذا المشروع، ونرى أنّه يُخفي هدفًا أكثر عمقًا، هو درس التاريخ الذي علّمنا أنّ ممارسات وسياسات أميركا لها وجوه وطبقات متعدّدة. فما الذي يمنع من القول، إنّ هذا المشروع هدفه الأساسي خلق مبرّر لإيجاد موقع قدم في غزّة؟ حتى، وإن قالت بأنّه لن يكون لها جنود على الأرض. وهل نصدّق أنّ وجود الجنود على الأرض أو في الميناء أمر مختلف، مع دولة تمتلك من التكنولوجيات أحدثها؟ وهل سيكون صعبًا على جنود الميناء أن يكونوا على الأرض في وقتٍ سريعٍ، وفي مهماتٍ خاصة؟ 

ممارسات وسياسات أميركا لها وجوه وطبقات متعدّدة

ما يرّجح هذا الاحتمال هو المأزق الذي تُوجد فيه إسرائيل وأميركا، وذلك لعجزهما عن تحقيق أيّ شيء، رغم كلّ الدعم العسكري والسياسي، باستثناء قتل الأطفال والشيوخ والنساء والصحافيين والمبدعين وتدمير المشافي والمساجد والكنائس والمؤسسات الثقافية، فهما لا استرجعا الرهائن، ولا دمّرا المقاومة، ولا عرفا الكثير مما هو تحت الأرض.
والأكثر من ذلك هو حجم الخسائر في صفوف الجنود الإسرائيليين، والعمليات النوعية للمقاومة، التي كشفت حجم هشاشة إسرائيل، وهو ما له تداعيات استراتيجية على وجودها بصيغتها الحالية، وعلى نفسيةِ وثقةِ المجتمع الإسرائيلي بدولته. وما التصريحات المتكرّرة لسياسيين وعسكريين أميركيين عن خيبتهم أمام الحجم المحدود للنجاحات الإسرائيلية على الأرض إلّا دليلًا على الفشل.
هذا المأزق الإسرائيلي الأميركي يدفعهما أكثر للبحث عن انتصار يغطّي فشلهما في هزيمة المقاومة وفرض أجندتهما. وقد يكون البعد الإنساني ومشروع ميناء غّزة مدخلًا لعمليات عسكرية، مباشرة أو غير مباشرة، لدعم إسرائيل وضرب المقاومة، وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار.