من الذي عبث بالسرايا الحكومي في السويداء؟

من الذي عبث بالسرايا الحكومي في السويداء؟

08 ديسمبر 2022
+ الخط -

في عالم الجريمة هناك قاعدة تقول: "عندما تريد معرفة الفاعل ابحث عن المستفيد". ولهذا، لا حاجة هنا للتذكير بما يعانيه الشعب السوري بمختلف أطيافه ومناطقه من فقر وعوز وفاقة على مدار سنوات الأزمة، والتي ناهزت حوالي إحدى عشر عاماً، حتى بلغت نسبة من هم بحاجة للمساعدات الإنسانية اليوم من السوريين أكثر من 90%، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، فضلاً عن حالة اليأس التي وصل إليها المجتمع السوري عموماً، وأهالي السويداء خصوصاً.

تكمن خصوصية مدينة السويداء هنا في أنّها المحافظة شبه الوحيدة، التي لولا اغتراب شبابها في أصقاع المعمورة، لما صمدت كلّ تلك السنوات، كما أنّ خصوصيتها تكمن أيضاً في أنّها الوحيدة التي لم تبن فيها السلطة الحاكمة، عبر أكثر من نصف قرن، معملاً إنتاجياً واحداً أو مصنعاً، باستثناء معمل أحذية تمّ افتتاحه بإشراف فريق فرنسي، ما لبث أن تحوّل بعد رحيل الفريق، وبسبب من تدني مستوى الجودة، لصناعة الحذاء العسكري، ومثله أيضاً معمل السجاد، الذي انخفض عدد العاملين فيه من 163 عاملا عام 2009 إلى 70 عاملا عام 2018، مع ما يعانيه من قِدَم أنواله، وروتين إداري خانق، وفقاً لما أورده موقع حزب الإرادة الشعبية. 

 أما معمل عرق الريان، والذي يعمل فيه حوالي 180 عاملا، فلولا حاجة الرفاق لهذا الأفيون اليومي، لما استمر في الإنتاج، وما تراجع الكميات المسوّقة لحسابه، عاماً بعد آخر، إلا دليلاً على ذلك، ففي حين بلغت الكمية المسوّقة له من العنب 11 ألف طن عام 2011، وفقاً لنفس المصدر السابق، وصلت إلى 1600 طن فقط عام 2016، علماً أنّ هذا المعمل أنشئ عام 1969، أي قبل مجيء السلطة الحاكمة.

كما أن محافظة السويداء هي الوحيدة، من بين جميع المحافظات السورية الحدودية، التي لا تتوفر على منفذ مع دول الجوار كي يصلها بالعالم الخارجي. 

تبقى خصوصية أخيرة للسويداء، هي أنها لم تتعرّض لخراب وقصف براميل متفجرة كما هو حال غالبية المدن السورية، لكنها مع ذلك، دفعت، لاحقاً، ضريبة كبيرة وقاسية، من خلال مسلسل الاضطرابات الأمنية التي شهدتها خلال السنوات الماضية، من قتل وخطف وتشليح وترويج مخدرات على أيدي عصابات محلية، ثبت ارتباطها بالأجهزة الأمنية، وهو في الواقع ما كشفت عنه مجمل الأحداث التي وقعت خلال الأشهر السابقة، والسبب في هذه الخطة الممنهجة، إنما يعود لأحقاد وضغينة مبيّتة لهذه المحافظة، بسبب عدم إرسال أبنائها إلى الجيش للمشاركة في هدر المزيد من الدم السوري.  

 لم يعد للسلطة ما تقدمه للمواطنين السوريين، بعد أن عجزت عن تلبية الحاجات الأساسية اليومية من خبز ومياه وكهرباء

صاحب ذلك توتر وصدام بين بعض الفصائل المطالبة بإنهاء هذه الفوضى، والأجهزة الأمنية ومن يقف معها، ما أدى إلى مقتل قائد رجال الكرامة وحيد البلعوس، عام 2015، كما أودى ذلك الصدام بوحياة عدد من الأشخاص، ثم جاء هجوم تنظيم داعش على ريف السويداء الشرقي، وما نجم عن ذلك من سقوط عدد من القتلى واختطاف بعض الأهالي، ما اعتبره الكثير من أبناء الجبل رسالة من بين الرسائل الكثيرة الموّجهة من النظام إليهم، خصوصاً بعد أن تمّ إحضار هؤلاء الإرهابيين بالباصات الخضراء من مخيم اليرموك إلى شرق السويداء، في حين تمّ ترحيل أسرهم لجهة مغايرة، خلافاً لجميع الاتفاقات السابقة التي أبرمت مع هذا التنظيم، وما زاد من حجم الشكوك بأنّ هذا الهجوم تزامن مع نقل فصائل عسكرية سورية إلى درعا، كانت موجودة بهذه المنطقة، قبل ذلك بأيام.

فضلاً عن تكشف هويات قادة العصابات التي أطاحها الأهالي مؤخراً، وبذلك، فإنّ المواجهات بين هؤلاء والسلطة أخذت تتزايد على مرّ الأيام، ومع طيلة عمر الأزمة وانسداد الأفق، ساهم ذلك إلى حد بعيد بتقويض هيبة الدولة، وبالتالي ازداد معها حجم المعاناة، لذلك أخذت تتكرّر الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين أحوال الناس المعيشية. ورغم ذلك لم يلجأ المحتجون لأيّ مساس بأيّة مؤسسة حكومية على الإطلاق. 

 وحيث إنّ السلطة لم يعد لديها ما تقدمه لهؤلاء الجوعى، بعد أن عجزت عن تلبية الحاجات الأساسية اليومية لعموم السوريين، من خبز ومياه وكهرباء وغيرها، وما تصريحات وزير النفط، خلال لقاء تلفزيوني بتاريخ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، بأنه تمّ طرق جميع الأبواب للتخفيف من معاناة المواطن، لكن دون نتيجة، إلا تأكيد لهذا الشيء، فضلاً عن قيام الحكومة بتعطيل الجهات العامة عن الدوام الرسمي في بعض الأيام، بسبب أزمة فقدان الوقود، ما يدل على عجز كبير لدى السلطة الحاكمة.

تتخوّف السلطة السورية من عودة الاحتجاجات إلى الساحة السورية، تلك التي لم تتمكن من إيقافها إلا بعد أن استنجدت بالميليشيات والجيوش الأجنبية

ومع تخوّف السلطة من تكرار تلك الاحتجاجات، والتي بلغت أوجها في ذلك اليوم الدامي، عدا عن تخوّفها من عودة الاحتجاجات إلى الساحة السورية، تلك التي لم تتمكن من إيقافها إلا بعد أن استنجدت بالمليشيات والجيوش الأجنبية، لذا من الطبيعي (بالنسبة للسلطة) البحث عن حلول من نوع ما، كي تُسكت هذه المطالبات على طريقتها المعتادة، تماماً كما حصل مع خلية الأزمة عام 2012، وغيرها من مواقف ومناسبات كثيرة.

لذا اقتضى القيام ببعض الأعمال الاستفزازية، مثل إطلاق النار في الهواء من قبل السيارة التي قام بعض المتظاهرين بحرقها لاحقاً، لا بل اقتضى وجود بعض المندسين من أجل حرف هذه الاحتجاجات عن الغاية الأساس، التي قامت من أجلها كي يتحوّل المحتجون (بنظر الناس وكما تريد السلطة) لمجرّد "مخربين لم يتردّدوا بحرق العلم الوطني وحرق مؤسسات الدولة".

 مع أنّ العلم الوطني بالواقع لم يتم حرقه، كما جرى تداوله من قبل عدد من السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال وسائل الإعلام الرسمية، إنما كانت هناك مجرّد محاولة فردية تمّ منع صاحبها بالإجماع، وفقاً لما أوضحته مجموعة من مقاطع الفيديو المتداولة.

وبذلك، تكون السلطة قد ضمنت تأليب الرأي السوري العام من جهة، ومن جهة أخرى ضمان عدم تكرار مثل هذه الاحتجاجات، خصوصاً أنّ نجاح أيّ تحرك سلمي في منطقة سورية ما، إنما سيكون بمثابة إشعال النار بالهشيم، وبالتالي ستنتقل عدواه من منطقة إلى أخرى، خصوصاً في ظلّ ما يشهده المجتمع السوري عامةً، من أزمات معيشية متشابهة واحتقان، وهذا بالواقع جلّ ما تخشى السلطة حدوثه.

فوزي مهنا
فوزي مهنا
محام سوري وكاتب في الشأنين القانوني والسياسي، له دراسات ومقالات كثيرة منشورة في عدد من الصحف والمواقع العربية.