ملف| عن مقترح "غزّة الاصطناعية" (31)

ملف| عن مقترح "غزّة الاصطناعية" (31)

31 يناير 2024
+ الخط -

"إسكان الفلسطينيين في جزيرة اصطناعية هو آخر مقترح إسرائيلي". ويضيف المقترح أن تكون الجزيرة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، لا دخول إليها ولا خروج منها إلا بموافقة إسرائيلية. هل يتعلق الأمر هنا بمقترح حقيقي أم هو من وحي العالم الافتراضي؟ هل ثمّة عقل إنساني وراء هذا المقترح أم هو من إنتاج الذكاء الاصطناعي في لحظة نادرة من لحظات فشله؟

هكذا يتساءل أيّ إنسان طبيعي وهو يسمع الخبر. لكن، الخبر حقيقي وواقعي، ومن إنتاج عقل متقدّم علميًا لكنه في الحضيض أخلاقيًا، إذ بمثل هذه المقترحات، وما نشهده في غزّة من أفعال مجرمة، تعزّز إسرائيل موقعها العنصري واللا إنساني في العالم.
مقترح كهذا يطرح عدّة ملاحظات، منها:

(1): عن طبيعة الكيان وإيديولوجيته العنصرية واللا إنسانية، وهو ما لا حاجة للتفصيل فيه بالنظر إلى الشواهد المتعدّدة في أدبيات الصهيونية والقائلة بشعب الله المختار وجواز فعل أيّ شيء في كلّ من هو خارج دائرة هذا الشعب، وهو ما يدفع الصهاينة إلى الإبداع في أشكال تدمير الآخر، من إنزال قنبلة ذرية، إلى التهجير في سيناء، وفي البلدان الغربية، إلى جعل المكان غير صالح للعيش بتدمير كلّ ما فيه. بذلك يكون مقترح جزيرة غزّة الاصطناعية مقترحًا وفيًّا لكلّ الأيديولوجيا الصهيونية وتأويلاتها المختلفة على أرض الواقع.

ومن جهة أخرى، يمكن القول إنّ هذا المقترح هو نتيجة حالة الجنون والارتباك والعجز التي تحياها إسرائيل منذ 7 أكتوبر بفعل صمود الآخر الفلسطيني، وأدائه القوي والمهشّم لصورة التفوّق التي رسمتها، ما خلق لها أزمة وجودية حقيقية، ولذلك هي ترى أنّ الحل هو النفي المطلق للفلسطينيين. 

المقترح هو نتيجة حالة الجنون والارتباك والعجز التي تحياها إسرائيل منذ 7 أكتوبر  بفعل الصمود الفلسطيني

(2): يتعلّق الأمر أيضًا بردود الفعل التي سمعناها، والتي لم تتجاوز حدّ انزعاج بعض وزراء خارجية الدول الأوروبية، ولا تعليق جديًا على هذا المقترح، رغم خطورته، لا من الأميركان، ولا من النظام الرسمي العربي، ولا من المنظمات الدولية.
أعتقد أنّ بعض المواقف الفكرية والسياسية أقوى من الحرب، لأنّها خروج عن الحدّ الأدنى من المشترك الإنساني التي تسعى البشرية إلى وضعه والاتفاق عليه وتجسيده واقعيًا. مثل هذا الموقف بتقديري يمسّ الذات البشرية وفيه تهديد صريح لما نعتقده من  قيم إنسانية.

أتساءل هنا عن ردّ فعل النخب الفكرية المتخمة بالفكر والفلسفة والأدب والفنون، والتي لا نجد لها أثرًا إلا في ما ندر. إنّ مثل هذه النخب من المفروض أن تكون حارسة لهذه القيم، على الأقل نظريًا، من خلال الاحتجاج في مثل هذه الحالات. نتذكر احتجاجات العالم على ممارسات طالبان تجاه بعض الآثار التاريخية في أفغانستان، ولكن ماذا عن الاعتداءات التي نراها اليوم على الإنسان والقيم، وخاصة بمثل هذا المقترح الإسرائيلي القروسطي والنازي؟
(3): ثمّة أمر يتعلّق أيضًا بالموقف الرسمي العربي من إسرائيل، خاصة بعد كلّ ما سمعناه عن مواقف وشاهدناه من أفعال تتجاوز حدود الخيال. فهل ما زال هناك مجال للقول بإمكانية التعايش والتطبيع مع إسرائيل وتفهُّمها في كلّ ما تفعل؟ ألم يحن الوقت لموقف سياسي قوي يعبّر عن كرامة الشعوب، وإرادة وجود فاعل في الحياة والعالم؟

مثل هذا الموقف لا يعني شن حرب بل موقف قوي وحازم وواضح وعلى أرضية  المبادئ الإنسانية المشتركة، ومنها رفض العنصرية والاحتلال والتهجير. حقًا، ما الذي يمنع أن يكون لبقية الدول العربية على الأقل نفس الموقف التي تتخذه قطر بشكل عقلاني ومتوازن، يعكس إيمانًا حقيقيًا بالقيم الإنسانية دون تمييز؟

أعتقد أنّ هذه الحرب رغم كلّ الخسائر والبشرية، يمكن أن تكون فرصة لوضع العرب على طريق جديد من أجل وجود فاعل في العالم. أقول هذا، ونحن نعرف حجم الاختراق الغربي في النظام الرسمي العربي الذي يجعله عاجزًا عن المبادرة واقتناص اللحظة. 

النصّ مشاركة في ملف| غزّة لحظة عالمية كاشفة، شارك معنا: www.alaraby.co.uk/blogsterms