قضية الأونروا.. الفلسطينيون بين مطرقتين

قضية الأونروا.. الفلسطينيون بين مطرقتين

02 فبراير 2024
+ الخط -

بعد اتهام إسرائيل لعدد من موظفي الأونروا بالمشاركة في عملية السابع من أكتوبر/ تشرين أوّل، هرعت، وبسرعة فائقة، عدّة دول غربية إلى وقف تمويل المنظمة وإدانتها. وتوعدت إسرائيل من جهتها، بعدم عودة المنظمة إلى قطاع غزّة بعد نهاية الحرب.

كلّ ذلك دون محاولة تحقّق وانتظار أي تحقيق شفّاف لوضع الأمور في سياقها، لأنّ خطأ شخص واحد (إن حصل وحدث) لا يمكن أن يبرّر حرمان أكثر من مليوني فلسطيني (جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ) من الدعم والعناية، وخاصة في حالة حرب وتهجير وتشريد وحصار مطبق من جميع المحاور.

هذه السياسة الإسرائيلية الخبيثة والمعلومة دومًا،  تسعى لقطع أيّة قشة حياة ممكنة في غزّة، ولدفع الفلسطينيين إلى الخروج منها واستحواذ الكيان على إدارة الجانب المدني والإنساني، لمن يبقى منهم، بما يشكّل عنصر ضغط على المواطن الفلسطيني للتسليم بقدر العيش تحت الاحتلال العنصري.

 بهذا الموقف من الأونروا تبدو الدول الغربية مجرّد بوق، أو شريط مكسور يكرّر الادعاءات الإسرائيلية دون تفكير، وفي ذهنه بعبع المحرقة التي وقعت لليهود على يد هذه الحضارة، والتي شرَّعت للإسرائيليين فعل كلّ شيء، ككائن متعالي يتعامل مع أحجار لا روح فيها.

 بهذا الموقف من الأونروا تبدو الدول الغربية مجرّد بوق، أو شريط مكسور يكرّر الادعاءات الإسرائيلية دون تفكير

أحيانا، نحتار في تفسير سلوك الدعم الغربي الأعمى المتكرّر لإسرائيل: هل هو الخوف، الإحساس بالذنب، الأصول الفكرية للحضارة الغربية، المصالح السياسية والاقتصادية أم هذه الأشياء كلّها؟
في مقابل هذا السلوك الغربي وردّ الفعل السريع تجاه الأونروا، ومن وراءها الشعب الفلسطيني، والذي يعرف الغربيون أنّه سيكون سببًا في جوع وموت أطفال ونساء وشيوخ، لم يتأخر الغرب وأميركا بالخصوص في توفير الدعم اللامحدود، عسكريًا وسياسيًا، لإسرائيل دون التفكير في نتائجه على السكان المدنيين، صغارًا وكبارًا،  وعلى الأرض، حيث هدمت المساكن والمؤسسات، ومن بينها المستشفيات والمدارس وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والثقافية، وهو ما نشاهده يوميًا، وفي كلّ الأوقات، ليلًا ونهارًا. 

وقد ساهم هذا الدعم في تدمير كلّ شيء في غزّة وقتل وجرح الآلاف من المدنيين الأبرياء وشرّد قرابة مليونين وكثّف الحصار والمراقبة ومنع إرسال الدعم، وكلّ هذا موّثق بالصوت والصورة، وهي أفعال محلّ بحث في عدد من المحاكم الدولية. إذًا، كيف ننظر إلى هذا الدعم وكيف نفهمه؟ هل يترك هذا الدعم الغربي لإسرائيل، مجالًا لاحترام هذه الدول وسياساتها؟ هل يضمن الأمن والسلامة المنتظرة؟ أم سيعمّق حالة الاستياء والغضب لدى الفلسطينيين والشعوب العربية والإسلامية؟ أيّ رد فلسطيني وعربي لمعالجة إشكالية الدعم حتى لا يكون الفلسطينيون رهينة  السياسات الغربية؟
الموقف من الأونروا وحجب الدعم عنها هو دعم في الاتجاه المعاكس، ما يجعل الفلسطينين بين مطرقتين، مطرقة الدعم الغربي اللامحدود لإسرائيل ومطرقة حجب الدعم عن الأونروا التي تعيش وضعًا صعبًا بطبيعتها.
أعتقد أنّه من أكبر الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الحرب هي ضرورة التعويل على الذات في كلّ الامور. هذا أذا أردنا، كعرب، أن نتحرّر ونمتلك قدرنا الذي نريد. صحيح أنّ الأمر ليس باليسر الذي نعتقد، لكن يجب أن يكون ذلك خيارًا استراتيجيًا وثقافة ممتدّة في المجتمع.