رفعت الأسد يضرب من جديد (5)

رفعت الأسد يضرب من جديد (5)

27 يونيو 2020
+ الخط -
حينما فتحنا سيرة الديكتاتور الرميم الخرف رفعت الأسد بمناسبة الحكم عليه بالسجن لأربع سنوات في فرنسا، لم نكن نتوقع أن تتشعب الحكاية وتمتد.. ولكن، انطبق علينا المثل الشعبي القائل (أيش بعمل فيك يا سفرجل؟ كل عضة بغصة).. 

معظم الموجودين في السهرة، عدانا أنا وكمال، دهشوا مما سمعوه عن خلط عباس بدباس الذي يؤدي إلى قبول رفعت الأسد عضواً في اتحاد الكتاب العرب، وقال أبو ابراهيم ما معناه إن هذا ضابط في الجيش، ومجرم، وحرامي، فعلى أي أساس يدحشونه بينكم أنتم الكتاب؟

تولى كمال عملية الرد على هذه التساؤلات فقال:

- بزمانه كان في إلنا صديق مختص بالكلام عن العجائب، وبعدما يحكي لنا عن ظاهرة عجيبة كان يشرح لنا أيش عمل هوي وعيلته في مواجهتها.. ومرة من المرات قال لنا: البندورة طَعَّمُوها على بيتنجان أنا شفتها بعيني، وشفت كيف صارت الشتلة تعطي خيار في أول الربيع، وبالصيف بتعطي قرع يقطين، وكانت أمي ما بتحب الخيار، وأما اليقطين بتحبه كتير، وكانت تاخد البونات وتروح عالمؤسسة الاستهلاكية وتوقف ع الدور حتى تشتري سكر بسعر رخيص، منشان تساوي اليقطين مربى، ولما كنا ناكل مربى اليقطين كانت أمي تقول:

- ما في أخو أخته بالدنيا بيعرف إنه هالمربى أصله بندورة!

أبو الجود: يا أستاذ كمال، احكوا لنا أيش صار مع أبو المراديس هوي ورفعت الأسد في الاتحاد، أحسن ما إحكي لكم أنا أيش صار مع أبو النوري لما راح يشتري رز وسكر بالبونات وعلى أثرها شحطوه على فرع الأمن العسكري.

كمال: إذا قصة أبو النوري إلها علاقة برفعت الأسد ما في مانع تحكيها.

أبو الجود: نعم سيدي، إلها علاقة. هادا أبو النوري كان رجل مبربس، يعني صاحب مزاج، بتلاقيه دائماً لابس تياب نضيفة ومكوية، وما بيطلع من البيت لحتى يحلق دقنه، ويسوي شواربه، وفي البيت بيسمع النشرة الجوية، إذا قال المذيع أبو العصاية إنه اليوم في احتمال هطول أمطار متفرقة أبو النوري بيشيل الشمسية وبيحطها تحت باطه، وما بيمشي غير مستقيم، وراسه مرفوع وكأنه عامل بطولة.. وأنا سمعت من أم الجود إنه أم النوري لما أخدوه ندمت كتير، لإنه هيي كانت السبب بالحبس تبعه.

أم الجود: هالحكي صحيح، قالت لي أم النوري إنه زوجها أبو النوري كان ما بيحب الروحة ع المؤسسة، لأن بيخلوا المواطن واقف ساعتين أو تلاتة لحتى يوصل دوره، ولما بيوصل دوره بيقولوا له اليوم ما بقي رز وسكر تعال بكرة. بس هيي أم النوري ألحت عليه، وقالت له إنه الرز والسكر اللي بينباع بالسعر الحر كتير غالي، أما بالبونات رخيص كتير، وهاي البونات من حقنا، ليش نعيف حقنا للدولة؟.. هيك لحتى أبو النوري قبل، شال البونات وطلع وصار يقول لحاله (الله يمضي هالنهار على خير)..

أبو الجود: هاي القصة صارت في الصيف، وكان الطقس يومها حار، وأبو النوري ما بيطيق الحر، المهم وقف في الطابور، وبلش الطابور يمشي، والعرق صار يجري من كل جسمه، وبعد شوي وقفت سيارة من المحافظة، ونزلوا تلات عمال، ودخلوا ع المؤسسة بدون التزام بالدور، وصاروا ياخدوا رز وسكر إلهم ولرفقاتهم في المحافظة، وبعدما راحوا رجع الدور صار يمشي، وما في خمس دقايق وقفت سيارة من الجنائية، ونفس الشي، أخدوا رز وسكر لعشرين شخص، بعدين أجا واحد مانه من هدول الجهات، لكن مبين إنه هوي صديقه للبائع، فصاح له (أبو خليل. زكاتك نحن عشر أشخاص مستعجل كتير).. هون انفلت أبو النوري وصار يصيح: مستعجل الأخ، عنده شغل عين أمه، هلق بيكونوا الزبونات والشركا واقفين له على باب المكتب منشان التصدير والاستيراد، نحن الجحاش اللي واقفين بهالطابور مو مستعجلين، ولا في ورانا شغل، ولاك نحنا مو بس فاضين، نحنا مو بشر، الشباب اللي عم يجوا وياخدوا رز وسكر بلا دور رجليهم مصنوعة من لحم ودم وعروق، نحن الواقفين هون رجلينا دَفّْ، متل رجلين الكراسي والطاولات، ما بيوجعونا، بس إنته يا أبو خليل ما إلك ذنب، إنته واحد من هالجحاش اللي موظفينك هون لحتى يركبوا عليك متل ما بيركبوا علينا، ترى نحن فهمانين وضعك منيح، لأنه كل ما أجوا كم بغل ليشتروا رز وسكر بلا دور نحن منتعاطف معك، ومنقول والله أبو خليل ما له ذنب، إذا ما بيعطي رز وسكر للجنائية والسياسية وأمن الدولة والعسكرية وفرع الحزب والبلدية والمحافظة، بيعجقوه تعجيق متل كيس الحصرم، بتعرف هدول عناصر الأمن مين اللي فالتهم ع الناس متل التيران؟ هوي.. لعنة اللي عليه وعلى أخوه الزغير، الله يخلصنا منهم عن قريب قولوا آمين. واحد من الواقفين بالدور التفت وقال لأبو النور: طول بالك أبو النوري، لهون وبس.. الله يخليك لا تكفي.. وفي هاللحظة صار لخبطة في الصف، وفي ناس واقفين بالطابور، صار عندهم إحساس إنه أبو النوري راح ينشحط، وخافوا ما ينشحطوا بسببه، لهيك صاروا ينسحبوا وكل واحد يقول لحاله (يا لطيف إجعل البلا تصريف)، وأبو النوري أخد "لانس"، ورد على الرجل اللي نصحه وقال له: لأ سيدي، ما بدي طول بالي، واللي بده يصير يصير، متل رجلي، خيو من الأخير، نحن غريمنا هداكا الكبير أبو صنديحة، بده يسرق وينهب ويحكم، وفالت علينا أخوه رفعت، ونحن مضبوعين مجبنين ما في حدا بيسترجي يفتح تمه.. إنته بتعرف ليش عمل للسكر سعرين وللرز سعرين؟ أنا بعرف ليش. لأنه بده يوقفنا بالدور ويذل اللي خلفونا.. الخلاصة يا شباب، أبو خليل كمان خاف وجبن، وسكر باب المؤسسة وقال: (خيو نفقنا. أنا بطلت أبيع). وفي هاللحظة وصلت سيارة من الأمن العسكري، وصاح عنصر بأبو خليل: ليش سكرت ولا كر؟ تعال لهون. وأخدوا أبو خليل ومشيوا.. لكن بعد شوي رجعت السيارة للمكان.. ونزل العناصر وصاح واحد منهم: وينه هادا الكر اللي إسمه أبو النوري؟

وهيك علق أبو النوري، وعلى حسب ما روت أم نوري لأم الجود، إنه طلبت منه يروح ع المؤسسة ويشتري رز وسكر، رجع ع البيت بعد تلات اشهر، ومو جايب رز وسكر.. حتى القسائم التموينية ضاعت منه! 

أم الجود: صح. وبعدها صارت تمنعه أم نوري من مغادرة البيت، لأنه طول ما هوي قاعد صار يسب على حافظ وأخو الزغير رفعت!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...