رسالة مفتوحة من كاتب سوري إلى إخوته الأتراك

رسالة مفتوحة من كاتب سوري إلى إخوته الأتراك

24 يونيو 2023
+ الخط -

السوريون في العموم أقرب العرب إلى الترك، موطناً وشراكة. وقد أكد ذلك الكاتب العظيم عزيز نِسين في مقدمة أول كُتبه التي تُرجمت إلى العربية تحت عنوان "مختارات قصصية" وطبعتها وزارة الثقافة في سورية. وكتب (عزيز نِسين) مُقدمة لهذا الكتاب بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر عام1981 مخاطباً القارئ العربي:   

"تركيا وسورية جارتان، فإلى أي مدى نعرف نحن الأتراك جيراننا السوريين؟ وإلى أي مدى يعرف السوريون جيرانهم الأتراك؟ هل نستطيع أن نجيب بنعم على هذا السؤال؟

 طبعاً لا.

  ألسنا جيراناً؟

 ألم نتقاسم التاريخ نفسه في وقت من الأوقات؟

 ألم نكن نملك ثقافتنا المشتركة؟

 ماذا فعلنا بُغية تمكين شعبينا من معرفة أحدهما الآخر؟

 في كل تاريخ الشعوب صفحات سوداء، ومن الواجب معرفة هذه الصفحات وعدم نسيانها. غير أننا إذا كنا نريد السلام، نريد صداقة الشعوب، فإن علينا أن نُخرج صفحات التاريخ البيضاء إلى النور".

لن أخالف وصية عزيز نِسين الذي له أكثر من خمسين كتاباً مُترجماً إلى العربية -وهو أكثر الكُّتاب الأتراك شهرة في الدول العربية- ولكن عندي ملاحظة مهمة تخص أهل السياسة، وأخص الحُكّام بالذكر، فقد جهدوا في عملهم لتشويه العلاقة ما بين الشعبين التركي والعربي. وأعتقد أن كلمات عزيز نِسين الحكيمة هذه تصلح شعاراً لعلاقة جيدة بين السوريين والأتراك. 

الجميع يسأل، ويلح في السؤال:

لماذا لا يعود السوريون إلى بلدهم، وما هي أسباب عدم رغبتهم في العودة إلى سورية؟ مع العلم أن اللاجئ السوري يُعاني معاناة شديدة حتى يدخل إلى تركيا بطرق غير شرعية، ويدفع كثيراً من المال ويُعرض حياته لمخاطر شبكات التهريب التي تصل إلى حد الموت في بعض الأحيان، لماذا يفعل كل ذلك؟

هل سورية "آمنة" ليعود اللاجئون السوريون ويعيشون في بلدهم بأمان؟ هل هُناك مناطق آمنة في سورية ليعود السوريون إليها؟ وما هي المناطق غير الآمنة؟ ولماذا هي غير آمنة؟ وهل يمكن أن تكون آمنة في السنوات القادمة؟ ماذا ستفعل الحكومة التركية بالعائلات السورية التي ترفض العودة إلى سورية، وهذه العائلات تعيش في تركيا منذ سنوات، وعائلتي من هذه العائلات؟

طلب بعض الأصدقاء الأتراك أن أتحدث عن مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، وأنا بكل تأكيد فخور بذلك، وأشكرهم على هذه المُبادرة، وآمل أن يتسع وقتكم لأقدم نفسي في بضع دقائق:

كل عائلة سورية تعيش في تركيا لديها قصة حياة مروعة وقصة هجرة مؤلمة

أنا كاتب من سورية، أحمل إجازة في العلوم الطبية، قسم تخدير وإنعاش، من المعهد المتوسط الطبي التابع لوزارة التعليم العالي في جامعة حلب، تزوجت في صيف عام 1994، وزوجتي تعمل منذ خمس سنوات في أحد المطاعم في مدينة إزمير، عندي ثلاثة أبناء هنا في مدينة إزمير، أكبرهم بنت عمرها ستة وعشرون عاماً وهي صيدلانية، تعمل في إحدى الشركات التي تُنظم المعارض في تركيا، قدمت من مدينة إدلب إلى تركيا قبل سنة ونصف فقط، وعندي بنت أخرى في الصف العاشر ستلتحق العام المقبل بالصف الحادي عشر، وهي تُجيد التركية أكثر من العربية، وأصغر أولادي في التاسعة من عمره نجح إلى الصف الرابع ويُجيد التركية بطلاقة مذهلة، وهو يدرس في إحدى المدارس التركية في المرتفعات الجبلية في مدينة إزمير على شاطئ بحر إيجة.  

من يسأل: متى وكيف أتيتُ إلى تركيا؟ ما هي قصة الهجرة؟ قصتي لا تختلف كثيراً عن قصص ملايين المُهاجرين السوريين الذين دمرت الحرب بيوتهم وهجرتهم من البادية والأرياف والمُدن، هذه الحرب كما يقال بالعربية "أكلت الأخضر واليابس". لذلك أعتقد أن الكاتب يجب أن يكون جسوراً في موقفه، وأن الكاتب الجيد لا يحمل فكراً فقط، بل عليه أن يحمل قلباً كبيراً أيضاً، لأن الكاتب الجيد هو "مناضل اجتماعي"، وبذلك يكون مع الناس في السراء والضراء. 

ولدتُ في مدينة إدلب عام 1963، والتي أصبحت مدينة مشهورة في وسائل الإعلام العالمية، أنتمي إلى أسرة كبيرة، أسرة كادحة، نعم، عشتُ في عائلة مؤلفة من 12 فرداً، نعم، أمي أنجبت 12 ولداً، سبعة ذكور وخمس إناث ومع أبي وأمي يكون عددنا 14 فرداً، حياتنا كانت جيدة، وكان أبي يعمل نحات حجر ومعلّم بناء، واستطاع بفضل عمله أن يُدخل جميع أولاده إلى المدارس والجامعات السورية.

نحن الكتاب دائما في خندق النضال والتضامن من أجل حياة أفضل للبشرية

في الأيام القليلة الماضية، نزلتُ إلى الشارع في إزمير، واستطلعتُ آراء وأفكار المهاجرين السوريين، خصوصاً بين الشباب من الطبقة العاملة والأطفال الذين يعملون في مهن مختلف لمساعدة عائلاتهم في العيش، الذي أصبح مكلفاً بعد موجة الغلاء الأخيرة. ولاحظتُ ما يلي:

كل يوم يدخل المزيد من السوريين إلى تركيا، وخاصة الشباب. ما السبب؟ السبب بسيط: سورية أكثر دول العالم عنفاً وفقراً، لذلك يهرب أهلها إلى أماكن أكثر أمناً. نعم، ما العمل؟ ما الحل؟ هل من اقتراح؟ أقول: لا بد أن تعمل الحكومة والمعارضة التركية على تقريب وجهات النظر فيما بينهما والاتفاق على رأي موحد يكون في مصلحة كل الأطراف، وبذلك تخف حدة التوتر بين الأتراك والمهاجرين السوريين وغير السوريين.

أؤكد لكم أنه في مختلف الولايات التركية أكثر من 700 ألف طالب سوري في المدارس والجامعات التركية -وهذه الأرقام صحيحة- يُريد هؤلاء العيش بسلام في تركيا، بعد أن شاهدوا الأهوال في سورية، وكل عائلة سورية تعيش في تركيا، وأكرر، نعم، كل عائلة سورية تعيش في تركيا لديها قصة حياة مروعة، وقصة هجرة مؤلمة.

ماتت شروط العيش في سورية، ومن أصعب الأمور التي يمكن أن يتخيلها الإنسان كيف يعيش المواطن في سورية من النواحي: الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. يكفي القول: أكثر من ثمانين بالمائة من السوريين داخل سورية يعيشون تحت خط الفقر، وهذه كارثة إنسانية كبرى. مثال بسيط أنقله لكم عن جريدة "قاسيون" السورية:

أسرة مكونة من خمسة أفراد تحتاج إلى أكثر من ثلاثة ملايين ليرة سورية لتناول الطعام والشراب في الشهر الواحد فقط، بينما الراتب الشهري لمهندس موظف في الدولة هو 150 ألف ليرة سورية، لا بد أن نسأل أنفسنا كيف يعيش المواطن في سورية المنكوبة بأهلها ونظامها؟

 أبحث دائما هنا في المرتفعات الجبلية في مدينة إزمير عن رفاق يشاركونني أفكاري. وأنا جد فخور بأن أكون معكم في تركيا، حيث أتواصل مع أصدقائي وجيراني الأتراك والتقيت بالعديد من الأصدقاء الأتراك المحترمين. نحن الكتاب دائما في خندق النضال والتضامن من أجل حياة أفضل للبشرية.

عبد الرزاق دحنون
عبد الرزاق دحنون
كاتب سوري.. بدأ الكتابة عام 1980 في مجلة الهدف التي أسسها غسان كنفاني.