الهوية اليمنية... ثراء الألوان والبهجة

الهوية اليمنية... ثراء الألوان والبهجة

19 يناير 2023
+ الخط -

تعجّ وسائل التواصل الاجتماعي حالياً بصور اليمنيات وهنّ يرتدين ثيابنا التراثية الجميلة المبهجة، وينعكس هذا على محيا اليمنيات بابتسامة ملامحهن كانعكاس للألوان المبهجة على أرواحهن.

ومن يتأمل تلك الصور سيلفته التنوّع والثراء الكبيرين في تراثنا اليمني، ففي كلّ محافظة ثمّة أنواع لا تعدّ من الأشكال والألوان، فأيّ فن كان يتمتع به هذا الشعب العريق؟ أيّ جمال كانت تتمتع النساء بالإحساس به، وهنّ يرتدين كلّ هذه الألوان والأشكال والتفاصيل المترفة بالأناقة؟ وكلها تحمل الهوية اليمنية التي يمكن تمييزها ببساطة عن تراث الأمم الأخرى.

تعود تلك الأزياء الباذخة في هيبتها وتصاميمها وتفاصيلها وألوانها إلى عهود الدول اليمنية القديمة المستقلة، وحينما دخل الاستعمار إلينا (سياسياً وفكرياً) أوّل ما عمل عليه هو طمسنا وطمس هويتنا، فالاستعمار التركي أسدل على النساء الشراشف وأنساهن الملابس الأصيلة التي كنّ ينتمين إليها، ثم تسلّلت إلينا العباءة السوداء من خلال الغزو المذهبي الخليجي، والمضحك أنّ المرأة الخليجية بدأت تتمتع بألوان كثيرة في عباءتها، فيما بقينا نحن نحتفظ بنفايات الشعوب لنرقّع من خلالها هوية لا ننتمي إليها، لا روحياً ولا فكرياً ولا دينياً ولا عاطفياً.

كانت الستارة الصنعانية التي تحوي جميع الألوان هي القطعة الأساسية في ملابس كلّ امرأة، كانت ترتديها حال خروجها من المنزل، وقد ارتدت أجمل ملابسها، وكان الرجال (حينها) أسوياء لا تستفزهم الألوان، لم ير أجدادنا الألوان فتنة ولا المرأة شيطاناً ليعزلوه، كانوا يعملون في الحقل معاً، ويعيشون في بيوت الأجداد أسراً كبيرة: الإخوة وأبناء الأعمام وأحفادهم وأزواجهم ذكوراً وإناثاً... يسهر الجميع في مفرج البيت ليستضيئوا بفانوس واحد... كلٌ بلبسه الطبيعي الجميل المحتشم، ورائحة الريحان والشذاب والورد البلدي تفوح من جميع النساء، بل إنّ المرأة التي تتأخر عن تخضيب أصابعها بالحناء أو غيره، كانت توبّخ لأن أصابعها صارت بلا لون كأصابع الرجال... يحدث كلّ هذا بلا تسعّر (من السعار) أي رجل من رؤيته لزوجة ابن عمه مثلاً!

اجتمعوا على خنق النساء وطمسهن بالأقمشة السوداء التي تتناسب مع نفوسهم المظلمة، محاولين إلزامهن بزي ولون موحد، تماماً كما لو كنَّ في معسكر!

كان الرجل اليمني الأصيل يرى كلّ امرأة في عشيرته عرضه وعاره وشرفه الذي لا يمكن أن ينظر إليه بنظرة شهوانية! الرجل أنجبه مجتمع محافظ في عصور أقرب إلى الإسلام وانبعاثه منّا، أي أنه كان أقرب خبرة ومعرفة بالإسلام والأعراف والتقاليد منا، والأولى والأحوط بنا الاقتداء به. 

كلّ هذا قبل أن تتسلّل إلينا الجماعات الدينية المتطرّفة المتشدّدة، وبكلّ تقليعات الإسلام السياسي، وقبل أن تنشر فكرها الغرائزي المنحط في المجتمع الذي حصر علاقة الرجل بالمرأة بالنظرات الغرائزية والفتنة والتسلّط، واجتمعت على خنق المرأة والهلع من ظهورها وخروجها إلى الحياة وأدلجتها كدابة تسمع وتتكلم وتلبس وتتحرّك، بل وتشعر حسب تعليماتهم فقط... أي مجرد كائن وجد لغرض غرائزي، رأوها مجرد شيطان لا بد من تغليفه بالسواد، تماماً كالشيطان الأسود الذي حكوا لنا عنه، لا كالملائكة البيضاء المتوهجة... اجتمعوا على خنق النساء وطمسهن  بالأقمشة السوداء التي تتناسب مع نفوسهم المظلمة، محاولين إلزامهن بزي ولون موحد، تماماً كما لو كنَّ في معسكر!

لو أنَّا زرعنا الأشجار والورود في البيوت والشوارع، وارتدينا ثيابنا الملونة لانعكس كل هذا بالبهجة على نفوسنا وعلى حياتنا.