"العنف والمرأة"... نصف إنسان مكتمل العاطفة! (5)

"العنف والمرأة"... نصف إنسان مكتمل العاطفة! (5)

09 مارس 2023
+ الخط -

كامرأة أتساءل في يومي: ماذا لو حكمت العالم امرأة؟ أمٌّ تغمره بحنانها واحتوائها؟ لو أنّ بإمكان كلّ امرأة العيش كإنسان يتمتع بحقوقه الطبيعية؛ دون أن تضطر لخوض حروب اجتماعية وثقافية طائلة لإثبات حقها في الحياة.

هل توجد امرأة عربية نالت حقها كاملاً في الحياة دون أن تناضل، وقبل أن تتألم؟ دون أن تصل إلى شبه إيمان بأنها لا تستحق قليلاً أو كثيراً من حقوقها، دون أن يفترسها يأس يحولها إلى امرأة محبطة تتخلّى (ولو مؤقتاً) عن أحلامها التي ليست سوى حقوق تحقّقها نساء أخريات بشكل تلقائي في بقاع أخرى من الأرض!

المرأة التي ظلّت قروناً عبارة عن نصف إنسان، ونصف عقل، ونصف دين... هذه المرأة احتوت الحياة باكتمال عاطفتها، وروّضت الصعاب بلينها وقدرتها على التجاوب مع مختلف التقلبات الثقافية، والاختلالات المجتمعية، والعاهات الفكرية، لتصل إلى يوم واحد تتحدث فيه عن نفسها. فما الذي نريده كنساء في مثل هذا اليوم؟

كلّما قابلت امرأة عربية وجدتها تتحدث عن هموم النساء ومشاكلهن في مجتمعها، ومهما تشابهت تلك الهموم تجد لكلّ مجتمع خصوصية وبصمة خاصة يتفنّن بها في قهر النساء. تنزلق بي آلامي إلى بلدي ونسائه اليمنيات البطلات على مرّ التاريخ.

تعاني المرأة في بلادي، كسائر بلاد العرب، من التعامل معها ككائن ثانوي، آلة للخدمة بلا مقابل، والعمل بلا شكر، والتضحية بلا حدود، في بلادي تعيش المرأة مقهورة في كنف زوج ظالم أو غير مسؤول، لأنها تعلم أنها حين تغادر بيت الزوجية لن تسقط حقوقها فقط، بل حقوق أبنائها، ولن تصل لأي حق إلا إن كان لها سند (بلطجي)، فقوانين الحضانة والخلع والطلاق والنفقات مبكية إلى حدّ الضحك.

ما زالت المرأة في بلدي مجبرة منذ بداية مراهقتها على الاختناق بنقاب يطمس وجودها وهويتها (في الغالب)، ولا تتمكن من التخلّص منه إلا بخوض حروب ضروس، فقط لتتمكن من استنشاق الهواء بدون حائل!

لم تولد النساء في اليمن للراحة والعيش بشكل طبيعي، بل كوسيلة راحة لمجتمع ذكوري يمتصّ كلّ طاقاتهن، ويواصل التعامل معهن كجالبات للعيب والنقص

في بلادي التي تتحدث عن العيب القبلي كدستور يحرّم المساس به، صارت النساء يقضين سنوات من أعمارهن في سجون بتهم ملفقة ومحاكمات جائرة، وليس ما يحدث لعارضة الأزياء اليمنية، انتصار الحمادي، ورفيقاتها، في سجون صنعاء إلا عينة واضحة لما يحدث. وبكلّ خجل أناديهن: لقد فشلنا، معشر النساء، مع من ساندنا من الرجال في إنقاذكن، فنحن خارج السجن نعيش في زنزانة كبرى اسمها اليمن.

في بلدي، يتم التضييق على النساء في الخروج من المنزل، ويكثر الحديث مع الوظائف بنظام الاختلاط كوصم في شرف النساء، لكن خروجهن للشوارع للتسوّل أمر معتاد تماماً، وذهاب النساء مع أسرهن للمطاعم ودخول جناح العوائل يستلزمان شروطاً ووثائق كثيرة. لكن خروجهن للبحث في براميل القمامة عن بقايا طعام ليطعمن صغارهن والأسر التي يضطررن لإعالتهن منظر يُغضّ الطرف عنه ولا يخدش حياء الدولة ولا المشائخ ولا أصحاب اللوائح والضوابط الشرعية!

في بلادي التي تجرّم الاختلاط، تقفل النوادي والمقاهي الخاصة بالنساء، بلا سبب ولا مبرّر؛ فأيّ شيء تحبّه النساء، ويشكل متنفساً لهن، يتم تحريمه حتماً، فالنساء لم يولدن في بلدي للراحة ولا للحياة كبشر كاملين، بل كوسيلة راحة لمجتمع ذكوري يمتصّ كلّ طاقاتهن، ويواصل التعامل معهن كجالبات للعيب والنقص.

نحن كنساء نتمنى فقط أن نعيش بأمان، نريد لأرواحنا أن تنعم بالسلام الذي خلقنا من أجله، نريد مجتمعاً يشعر بالأبوة الفطرية، نشعر بالانتماء إليه... أن نعيش كبشر لهم حق كامل في الحياة، طفلات، وفتيات، وشابات، ونساء ناضجات.