الخوف من الطبيب

الخوف من الطبيب

24 سبتمبر 2020
+ الخط -

مسألة الخوف من مراجعة عيادة الطبيب للكشف عن حالة عرضية قد تصيبنا في أي وقتٍ ما، ونحاول التهرّب من مواجهتها، ظلّت وإلى اليوم مشكلة قائمة بذاتها، وإن كانت هذه الحالة المرضية تتطلب عرضها على الطبيب بصورة فورية للكشف عليها ومعرفة الأسباب الكامنة وراء حدوثها، وهذا ما يُرهب الكثير من الناس في حال تطلب وضعهم الصحي العودة للطبيب والكشف عنها.

هذه الحالة بات يُعاني منها الكثيرون، وظلّت تشكل نوعاً من الإرهاب، أو ما بات يعرف بـ(الفوبيا) من استخدام الإبر المسببة للدم، أو الخوف من الألم، والخوف من معرفة المرض نفسه، وهذا كثيراً ما يعاني منه الأطفال بصورةٍ عامّة، كما يعاني منه بعض البالغين الذين يقف الكثيرون منهم موقفاً سلبياً حيال هذه الفوبيا، أي بعدم مراجعة الطبيب، ما يخلق الكثير من الذرائع غير المقنعة للتهرّب من مواجهتها، ومنها ما يواجهه الأب والأم من قبل الأطفال، أو من قبل الأبناء الكبار في العمر، تخوفاً من مواجهة المرض، وتفضيلهم البقاء في البيت عوض الذهاب إلى  الطبيب للكشف عليهم ومعرفة دواعي المرض الذي يعانون منه، فضلاً عن موقف أحد الوالدين، حيال الطرف الآخر بأخذه موقفاً سلبياً في حال مرضه، وحالته المرضية تستدعي منه مراجعة الطبيب، وبصورة عاجلة وفورية لتشخيص حالته، ما يعني أنّ هناك البعض من الأشخاص يصابون بالرهبة والخوف لمجرد رؤية الطبيب، أو لمجرد التفكير في زيارة عيادته!

هذه الحالات تمنع الأشخاص من زيارة الطبيب رغم ضرورة عرضها عليه وإعلامه بها، إلا أن فوبيا الخوف تقف حائلاً بين المريض والطبيب من الاستدلال على الحال الذي أصابه.

لن نذهب بعيداً.. فقد مررت شخصياً بهذه الحالة، وتجاوزتها والحمد لله. أولى هذه الحالات الثلاث تطلبت حالتي المرضية مراجعة مركز طبّ العيون، وبعد جدال مع الأسرة وإلحاح الزوجة امتثلت لذلك، للكشف على عيني، والسبب هو تراجع مؤشر البصر عن الرؤية السليمة كما هو عهدي به، وكنت خائفاً من مراجعة الطبيب في بداية الأمر، تخوفاً من كشف مرض آخر لم يكن في الحسبان، إلا أنني ولمجرد وصولي إلى العيادة العينية وإجراء الفحوصات المخبرية، وما يتطلب ذلك من معرفته من قبل طاقم العيادة الذي يتكون من عدد من الممرضات اللاتي يرتدين اللباس الأبيض بأناقته المعروفة، وإجراء الكشوفات داخل المركز الطبي، والانتقال من جهاز إلى آخر للتأكد ورؤية العين السليمة، وما يتطلب ذلك من معرفته من قبل طاقم المركز، فكانت النتيجة إيجابية إلى حد بعيد، ما استدعى من الطبيب وصف نظارة طبية لرؤية المسافات البعيدة، وأخرى للقراءة لتساعدني وتمكنني من رؤية ما أشتهي قراءته وكتابته بسهولة. وهذه جميعها لم تأخذ وقتاً طويلاً للوقوف عليها ومعرفتها من قبل الأطباء العاملين في المركز العيني المتخصص في معالجة العيون، وبعد أن خرجت من باب المركز أزيل رهاب الخوف من مراجعة الطبيب واستسلمت للواقع، وقلت ما بيني وبين نفسي إنّه مجرد إجراء عادي فلماذا كل هذا الخوف إذن من الطبيب المعالج ما دام أن النتيجة طبيعية، وهذه الحالة لا تستدعي من المريض أخذ هذا الموقف وشغل نفسه به أكثر من اللازم. إنه إجراء عادي وبسيط؟

بعد مراجعة طبيب الأمراض الداخلية، للمرة الثانية والثالثة واستمراري في أخذ الدواء، تخلصت من رهاب الخوف من الطبيب الذي كان يسيطر علي ويصاحبني قبل مراجعة الطبيب

والموقف الثاني، هو أنني قررت الذهاب إلى طبيب الداخلية لإجراء الكشف الطبّي على وضعي الصحي من مرض مزمن أعاني منه منذ سنوات، كما يعاني منه اليوم الكثيرون، وهو مرض السكري، مرض العصر، كما هو معروف عنه.

وكنت راجعت الطبيب لأول مرة، وكما أذكر، في بداية إصابتي بهذا المرض الذي أجد أنه كانت له فوائده بالنسبة لي بخسارتي جزءاً من وزني، وترك فوائده على جسدي وأراحني جداً، فأصبح جسمي رشيقاً وقادراً على ارتداء الملابس التي تليق بي، وكنت طوال السنوات الماضية ألعن الساعة التي أفكر فيها مجرد تفكير في مراجعة الطبيب والكشف على مرضي أياً كان الطبيب.

إلا أن الظروف هذه المرة تغيّرت تماماً، فقد استدعت الضرورة العودة للطبيب تحت ضغط إجراء الكشف الطبّي لجهة استخراج شهادة سوق سيارة في النمسا، ومن خلال مراجعتي للطبيب المعني العامل في إدارة المرور، بعد إجراء الكشف الطبّي لدى طبيب خاص، أكد لي أنه يجب علي مراجعة طبيب السكري للمعالجة وتصديق التقرير الرسمي الخاص بذلك، وبعد مراجعتي الطبيب المختص وإجراء الكشف الطبي الذي أجراه لي من خلال عمل الكثير من الفحوصات السريرية والتحاليل الطبية، واستكمال ما يتطلب مني تقديمه من وثائق إلى إدارة المرور من أجل التقدم إلى مدرسة السواقة لتعلم قيادة السيارة، إلا أن الجهة الأخيرة  رفضت الموافقة على تصديق تقرير الطبيب بسبب ارتفاع ضغط الدم المترافق مع مرض السكري الذي غفل عنه الطبيب في تقريره.

فلجأت إلى طبيب عربي مختص في الأمراض الداخلية، وبعد إجراء الفحوصات المخبرية والتحاليل الخاصة بذلك، ووصفه لي الدواء المناسب لمعالجة المرض الذي كنت أتهيب من مراجعة الطبيب للإفصاح عنه، ولم أكن أشعر يوماً، ولله الحمد، أنّ الحاجة تستدعي ذلك، إلّا أنه، وبسبب ضرورة التقدم لإدارة المرور بالحصول على شهادة السواقة فإنني اضطررت إلى العودة للطبيب الذي كان له دوره في الوقوف على المرض الذي أعاني منه وعلاجه بصورة جيدة، فضلاً عن كتابة التقرير المناسب لإدارة المرور التي سبق أن طلبته  مني للوقوف على حالتي الصحية بصورة نهائية، وهل حالتي الصحية تمكنني من قيادة السيارة بصورة طبيعية رغم ارتفاع ضغط الدم الذي أكد عليه الطبيب وإيجاد العلاج المناسب له، فحملت تقرير الطبيب العربي المختص، وذهبت إلى إدارة المرور للمرة الثانية للاطلاع عليه وانتظار نتيجته من قبلهم، وبعد إجراء ما يلزم وافقت الإدارة أخيراً، ممثلة بطبيبها المسؤول، على منحي الموافقة بالتوجّه إلى مدرسة السواقة التي سبق أن اخترتها بهدف تعلم قيادة السيارة، والانصياع للدروس العملية فيها، بعد تجاوزي اختبار الدروس النظرية وإخضاعي لأسئلة تتجاوز الألف وخمسمائة سؤال، لا سيما أنّ شهادة السياقة السورية التي حصلت عليها منذ سنوات لا تعفيني من الخضوع للفحص العملي في النمسا، وعلى المتقدم أن يلتزم في حال تعديلها بالخضوع لهذا الإجراء الذي أخذ مني الكثير من الوقت والانتظار الممل للانتهاء منه.

وبعد مراجعة طبيب الأمراض الداخلية، للمرة الثانية والثالثة واستمراري في أخذ الدواء، تخلصت من رهاب الخوف من الطبيب الذي كان يسيطر علي ويصاحبني قبل مراجعة الطبيب الذي كنت أنظر إليه على أنّه بعبع كبير لا يمكن الوصول معه إلى حل ما، بل على العكس تماماً فإن مواجهة المرض والكشف المبكر عنه بالذهاب إلى الطبيب، وبكل شجاعة ورغبة، فهذا ما يخفّف من استفحال المرض، وينهي معه أزمة وجع آخذة بالتفاقم يوماً بعد آخر..

الحالة الثالثة جرت معي مؤخراً أثناء مراجعة طبيب الأسنان، والوقوف على معالجة أحد أسناني القواطع التي كانت في وضع غير طبيعي، ما استدعى من الطبيب المعالج إجراء ما يلزم لها بالإبقاء عليه، والحفاظ على السن بدلاً من قلعه والتخلص منه رغم أهميته، في الوقت الذي كنت متخوّفاً من أي إسقاطات ثانوية سيتخذها الطبيب، في الوقت الذي كنت متوقعاً أنه لا يوجد إلا  إجراء وحيد وهو قلع السن والخلاص من الألم، وهذا ما كنت متخوفاً منه وأسقطت عن كاهلي أي حل آخر يمكن معه أن يعيد لي السن إلى الحياة من جديد، بالإبقاء عليه تحت أي ظرف كان، لا سيما أنّه يُعد من الأسنان القاطعة الأمامية المهمة، وأن هذا السن له كل الأثر في شخص الإنسان ودوره الجمالي في واجهته، وأزيل الخطر الذي كان للطبيب المعالج اليد الطولى في حل مشكلته، ما جعلني أقف باحترام شديد أمام الطبيب المعالج، الذي تمكن ببراعته وثقته بنفسه من تخليصي من مشكلة قائمة كنت أعاني منها، بعد أن كنت فقدت الأمل بعودة الحياة للسن من جديد، وأخذ مكانه أسوة بغيره التي تعلو فكي العلوي..

أقف عند كل من هذه الحالات الثلاث، فأقول: على المريض أياً كانت حالته المرضية الإسراع في مراجعة الطبيب للكشف عنه بعيداً عن فوبيا الخوف التي يعاني منها، والطبيب ما هو سوى مجرد مساعد للمريض في تجاوز الألم الذي ألمَّ به، بل وسيكون له معيناً، بدلاً من التهرب من مواجهة المرض الذي يشكو منه، وإن كان بسيطاً، للخلاص منه قبل أن يتفاقم ويستشري!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.