الجيل الرقمي والنخب المنزوية

الجيل الرقمي والنخب المنزوية

28 فبراير 2023
+ الخط -

أضحت أجيالنا رقمية بامتياز، حيث اندمجت في التنميط العولمي، بل وتجاوزته إلى حدّ التماهي مع الآلة الجديدة.

فقبل عقود، كان المهتم بالقراءة والبحث والثقافة والكتابة يتلذّذ ويستمتع بالكتب الورقية، يقلبها حيث يشاء، يشمّ ورقها ويلمس قراطيسها، في حين أضحت الأجيال الجديدة تأخذ المعلومة من العالم الرقمي وتتثاقل في قراءة الكتب الورقية، ما يجعلنا أمام تحدّ يواجه المربين والمفكرين والمثقفين المنشغلين بالهم النهضوي الذي يحتّم عليهم واجب تكثيف الجهود في تعلّم وتعليم الأساليب الجديدة، ومواكبة العصر في اتجاهاته العلمية الحديثة قصد تقديم المعلومة على الطبق الذي لا يأكل منه الجيل الجديد.

فلا عذر اليوم لأحد بعدم معرفته تقنيات العصر الجديد، ولا يتحججن أحد بالقول "أنا لا أعرف أن أصنع الفوتوشوب، أو لا أعرف أن أصنع المحتوى، أو لا أعرف طريقة التصوير"، فحجم التافهين والتافهات الذين يلعبون دورا في تعميم الانحدار الفكري والأخلاقي كبير وهم يعرفون ذلك، بل يتقنونه أيضا، والأغلبية من النخب الشبابية التي لديها رؤية نيرة للعالم والواقع لا تتقن حتى أبسط هذه الحرف والتقنيات الضرورية، مقتصرة على كتابة مقالات، ربما لا يقرأها أحد، ولا ينتبه لها أحد من الأجيال الجديدة.

مقابل ذلك، تنزوي النخب التي تملك الفكر والتوجيه، ولا يجد أفرادها بجانبهم أحدا من الشباب الذين يتقنون هذا المجال، أو من الممكن أن تكون لديهم قابلية لتعلّم هذه التقنيات، فنجدهم لا يفعلون شيئاً من تجديد الوسائل التي هي شرط أساسي من شروط اليقظة التي لن تحصل ما داموا ينشرون المادة الخام بالطريقة التقليدية التي عافها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب.

اليوم، توجب اللحظة التاريخية على الجميع التفكير ملياً في وسائل أكثر نجاعة وحداثة للاستجابة للإشكالات المعرفية والحضارية التي استجدت مع الجيل الرقمي؛ وتحويل الأنشطة والسلوكات المعرفية من صيغتها التقليدية إلى رؤية أكثر بروزا.

يوجد الكثير من التأثير الإيجابي الذي يمكن تفعيله في مواقع السوشل ميديا لتوسيع دائرة الخير و لمزاحمة نظام التفاهة الذي استشرى

وهنا لا بد من الإشارة إلى التحدّي الذي تواجهه الأسر الحديثة من خلال اعتمادها في تربية أبنائها على الوسائل التي تربت هي عليها، ما يعني أنّ تنميط العقول وجعلها على صعيد واحد للأجيال المتعاقبة يفضي إلى الانكسار عن الطبيعة، وظهور مآزق تربوية تصعب معالجتها لاحقا.

ولذا، فإنّ اعتبار التحوّلات التي تعرفها الأجيال الجديدة على كافة الصعد هو مما تقتضيه الصورة الطبيعية لجيل معين، فبانقضاء جيل تنقضي معه وسائل التربية والتعليم المتعلقة بهذا الجيل وتنتهي صلاحيتها ربما، ما يوجب تجديد الوسائل، وهو نفسه ما يتعرض له الجيل الرقمي الذي تطورت معه أفكار ورؤى وتصورات بفضل الثورة الرقمية والانفجار المعلوماتي الذي حصل في بداية الألفية، ما يوجب استيعاب هذه المرحلة ودراستها ومسايرتها والتفاعل معها بكافة الإمكانات، وأول الطريق نحو ذلك يكمن في الاندماج في هذا العالم وإنتاج الإنسان الفاعل والمتفاعل مع قضايا مجتمعه برؤية أكثر نصاعة وجِدّة واحترافا.

يوجد الكثير من التأثير الإيجابي الذي يمكن تفعيله في مواقع السوشل ميديا لتوسيع دائرة الخير ولمزاحمة نظام التفاهة الذي استشرى، ولكن السؤال: من يضحي بوقته وجهده ويبادر؟!

ريهام أزضوض
ريهام أزضوض
طالبة وباحثة في جامعة أسكودار في اسطنبول بتركيا، تحمل إجازة في القانون من جامعة محمد الأول في المغرب. تعرّف نفسها، بالقول: "اصبر ثم اصبر حتى يتغنى الصبر بك".