إما إصلاح منظمة التحرير أو استبدالها

إما إصلاح منظمة التحرير أو استبدالها

27 مايو 2021
+ الخط -

في الاشتباك الأخير في عموم الأرض المحتلة، تتجلى حالة من الوحدة غير المسبوقة أنجزها الميدان بعد أن فشلت جولات عديدة من جولات المصالحة العبثية في إنهاء الانقسام وتوحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية.

ثمة إنجازات كثيرة في أيام قليلة ولدتها "انتفاضة القدس وحي الشيخ جراح، ومقاومة غزة، وهبة الضفة و فلسطينيي الداخل"، لابد للقيادات الفلسطينية من كافة التيارات في الداخل والشتات أن تتوقف عندها:

أولها: سقوط مشروع أوسلو وكافة الرهانات عليه، وثانيها: أن الاشتباك مع مشروع كالمشروع الصهيوني لا يمكن اختزاله في وسيلة واحدة لا المقاومة المسلحة ولا التفاوض، وإنما استنهاض كافة الوسائل المشروعة في مقاومته :مقاومة شعبية ونضال سلمي وانتفاض جماهيري دون استبعاد أي وسيلة أخرى وفقاً لقواعد الاشتباك التي يفرضها الميدان. وثالثها: أن هبة غزة لإسناد القدس وهبة الداخل والضفة لإسناد باقي المنتفضين في عموم الأرض المحتلة أثبتت أن وحدة الجغرافيا في الاشتباك هي الأداة الأنجع في مواجهة  الاحتلال وإرباكه وقطع الطريق على استفراده بجبهة دون الأخرى، وهذا الاشتباك الوطني الواسع هو الذي يعري إسرائيل ويظهرها على حقيقتها  "نظام فصل عنصري".

لابد من العمل في معركة وعي، تستهدف استعادة الرواية الحقيقية للصراع، بأن المشروع الصهيوني هو مشروع وظيفي، استعماري، إحلالي

إن مما كشفته هبة القدس كذلك مركزية المدينة المقدسة في المخيال العربي والإسلامي والمسيحي، ومركزية فلسطين للأمتين العربية والإسلامية، ووهم مشاريع التطبيع وسقوط من تورطوا فيها. كذلك فقد كشفت لكمات المقاومة في غزة المدروسة بعناية زيف الادعاءات التي كانت تساوي بينها وبين السلطة في رام الله، ففي غزة للمقاومة أنياب بدى بوضوح عبر أدائها الأخير أنها تطورت جراء الإجماع في القطاع المحاصر على برنامج المقاومة وحمايته، فيما  سقط "مشروع الفلسطيني الجديد" ،"فلسطيني دايتون" منزوع السلاح، دون أنياب ولا حتى أسنان، وإنما لسان يردد كلاشيهات ومناشدات، فالقانون الدولي لا يحمي الضعفاء، لابد للضحية أن تقاوم، ولا تركن لكليشيهات "المحاكم الدولية"، فالنضال ليس هناك وإنما في الميدان.

إصلاح منظمة التحرير وتغيير وظيفة السلطة هي مفاتيح أساسية بتقديري لإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني. وفي مقابلة بثت مؤخراً في ذكرى النكبة الفلسطينية مع  المفكر الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة، تحدث فيها عن فكرة بالغة الأهمية تتمحور حول مسألة منظمة التحرير وضرورة إعادة بنائها أو استبدالها بكيان فلسطيني جامع، لافتاً إلى أنه لو كانت منظمة التحرير هيئة عامة للفلسطينيين لا مكتباً في خدمة السلطة، لكان الأمر مختلفاً. ودعا بشارة بوضوح للتفكير بجدية في إيجاد بديل عن المنظمة في حال عدم إمكانية إعادة بنائها رغم أنه الأولى بحسب رأيه، وإن تغيير وظيفة السلطة ضرورة لازمة في مسار العودة للعمل كحركة تحرر وطني.

وفي مقابلة سابقة مع "منتدى التفكير العربي" تحدث كذلك خالد مشعل الرئيس الحالي لإقليم الخارج في حركة حماس عن ذات الفكرة، داعياً لإجماع وطني باتجاه تغيير وظيفة السلطة أو حلها، كما أكد مشعل أن  حجر الأساس في تصحيح مسار القضية الفلسطينية واستعادة المشروع الوطني الفلسطيني يكمن في إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.

والحقيقة أن استعادة المنظمة أو استبدالها مؤقتاً هو مطلب ينبغي أن يتم الحديث عنه بصراحة ودون مجاملات، فلا وقت هذه المرة للمجاملات، ينبغي أن تقرر حركة فتح وقيادات المنظمة الحالية فيما إذا كانوا جادين في إعادة بناء المنظمة أم لا، والولوج مباشرة في حال استمرار تعطيلهم لإعادة بناء المنظمة التي هي في الأصل ملك للشعب الفلسطيني إلى التفكير الجدي في إيجاد بديل وطني لها، مظلة أو هيئة مؤقتة جامعة للفلسطينيين، جنباً إلى جنب مع تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية.

أخيراً وفي أهمية ما يجري في فلسطين المحتلة ، ينبغي بتقديري كذلك قراءة جملة من المتغيرات بالغة الأهمية التي تولدت من رحم الاشتباك الأخير والانتفاضة الشعبية في عموم الأرض المحتلة:

أولاً فشلت إسرائيل في محاولة اختزال الانتفاضة الأخيرة في أنها "حرب مع حماس".

ثانياً: اشتعال جبهات الضفة وغزة والداخل مع هبة القدس أربك الاحتلال وشل تحركاته.

ثالثاً: رمزية القدس وحدت الشعب الفلسطيني في عموم الأرض المحتلة.

رابعاً: التوحد على الاشتباك مع الاحتلال بأساليب مختلفة، أعاد القضية لمسارها الصحيح: "شعب تحت الاحتلال، يواجه نظام فصل عنصري".

خامساً: انتفاض الفلسطينيين في عموم الأرض المحتلة هو إعلان رسمي لانتهاء حقبة أوسلو، وتدشين لمرحلة جديدة ومختلفة من النضال، يقودها الشباب، أما الفصائل فهي جزء منها لكنه ليس الجزء الأهم.

سادساً: انتهى الانقسام بقرار ميداني، وإذا لم تلتحق الفصائل بالجماهير ستخرج من المعادلة.

سابعاً: التأييد الواسع للجماهير العربية من المحيط إلى الخليج للانتفاضة والمقاومة، هو إعلان صريح لسقوط وفشل مشاريع التطبيع والتصهين والتماهي مع المحتل، ودليل على أن أنصار هذا التيار معزولون، ولا يعبرون عن الضمير الجمعي للأمة.

ثامناً: لابد من العمل في معركة وعي، تستهدف استعادة الرواية الحقيقية للصراع، بأن المشروع الصهيوني هو مشروع وظيفي، استعماري، إحلالي، لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل المنطقة والأمة كلها، وهو يتحالف حالياً في تحقيق أهدافه مع أنظمة الاستبداد لوأد أي إرهاصات ديمقراطية، وقطع الطريق على نهضة هذه المنطقة، وتوحد قواها، واستعادة قرارها.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.