إكرام الميت دفنة أم حرقه؟!

إكرام الميت دفنة أم حرقه؟!

21 يوليو 2021
+ الخط -

قبل وصولي للمملكة المتحدة، كالعادة بحثت في المجموعات الخاصة بالدولة لأبناء جاليتي على مواقع التواصل الاجتماعي للتعرف على البلد والتعايش معه وخاصة في التعليم والصحة والسكن.

لفت انتباهي الحديث عن الدفن وبعد انتشار فيروس كورونا وزيادة حالات الوفاة في العالم صادف وفاة مسلمين غير قادرين على تكاليف الدفن، فكان هناك دعوات للتبرع المادي لإنهاء إجراءات الدفن.

فسألت حول الأمر وأدهشني أن حرق الجثث متوفر في المملكة لغير القادرين على التكاليف التي تصل لـثلاثة آلاف جنية إسترليني، بالإضافة لظهور شركات تعمل على تحليل الجثث بدلاً من الحرق للحفاظ على البيئة.

ولكوني مصرية لم تذهب مخيلتي في يوم ما أن أبحث عن خيار حرق جثتي بعد وفاتي.
توارث إلى ذهني فكرة المقبرة بداية من الأهرامات والمقابر الفرعونية، إلى المقابر العادية التي نمر عليها في الطريق.

فقد اعتمد الفراعنة كما هو معلوم، في دفن موتاهم على التحنيط للاحتفاظ بالجسد نفسه اعتقاداً منهم بوجود حياة أخرى أبدية، يجب الاستعداد لها.

رفض المسيحيون حرق الجثث اعتقاداً باتحاد الجسد والروح، ولذلك عدوا إحراق الجثث شكلاً من أشكال التحقير

فبعد موت أي شخص كان يحمله أهله إلى المحنطين، وذلك لسرعة حفظ وتحنيط الجسد بما يضمن له إمكانية عودة الروح لجسده مرة ثانية. وكان التحنيط يتم وفقاً لإمكانية المتوفى ومكانته.

حتى إنك تجد إعلانات عن أسعار المقابر ولا توجد عائلة إلا وقد امتلكت مقبرة لدفن العائلة ونسلها بها. حتى غير القادرين لهم مقابر معلومة.

وعودة لحرق الجثث، ارتبط عندي كعادة هندية، نشاهدها في الأفلام، يتبعها الهندوس بعد إتمام مراسم الجنازة لاعتقادهم بأن ذلك ضرورة لكي ترتفع الروح إلى السماء. ويعتقد الهندوس أن حرارة النار هي المطهر الثاني والنهائي للروح بعد الماء باعتبارها المطهر الأول.

أسلوب إحراق الجثث كان يمارس في جميع العصور؛ لكن لم يستخدمه الصينيون القدماء أو المصريون، بل مارسه الإغريق والرومان القدامى.

ورفض المسيحيون حرق الجثث اعتقاداً منهم باتحاد الجسد والروح، ولذلك عدوا إحراق الجثث شكلاً من أشكال التحقير.

ظل إحراق جثث الموتى غير شائع في البلدان المسيحية حتى القرن التاسع عشر الميلادي. لكن الاهتمام باستخدام الأرض في المناطق الحضرية وتزايد المعارضة لتعاليم الكنيسة، ساعد على إحياء الاهتمام بإحراق جثث الموتى.

وفقاً لتقرير صدر عام 2017 عن جمعية الحرق في أميركا الشمالية، فإنه للمرة الأولى، يختار عدد أكبر من الأميركيين حرق الجثث بدلاً من الدفن. أما عن أسباب اتخاذهم هذا القرار، فتكمن الإجابة في عوامل اقتصادية وديموغرافية واجتماعية ودينية عدة.

كلفة الحرق تبلغ ثلث تكلفة الدفن التقليدية التي تتطلّب النعش أو التابوت الخشبي ومراسم الدفن ونفقات إضافية أخرى. بينما "عندما تعمد أنت أو أحباؤك إلى حرق الجثث، فإنك تبسّط الخيارات التي ربما تكون مطلوبة من العائلة للقيام بها لخدمة الجنازة التقليدية"، بحسب دعاية إحدى شركات "الحرق".

أما السبب الثاني، فهو أن الكثير من الأميركيين يعيشون بعيداً من مسقط رأسهم، ما يمنعهم من المشاركة في المراسم التقليدية، فيكون قرار حرق الجثة وسيلة لهم لتقديم التعازي عن بعد.

وهناك سبب آخر هو تخفيف الأديان المختلفة من رفضها لحرق الجثث كبديل للدفن التقليدي، بخاصة بعد انتشار فيروس كورونا والمحاذير والممنوعات الكثيرة المفروضة على عمليات الدفن التقليدية وعلى أقارب المتوفى بسبب هذا الفيروس.

أما التأثير البيئي، فيتمثّل أولاً في التخفيف من استخدام الأرض لدفن الموتى، وهذا ما بات واضحاً في بعض الدول الأوروبية كألمانيا، حيث انحسرت مساحة المقابر التقليدية بما يقارب الثلث خلال أعوام قليلة بعد سريان الحرق.

ورغم ذلك يرفض المسلمون المقيمون في بريطانيا حرق جثثهم، حتى الأصدقاء يتولون نيابة عن غير المقتدر ويدفعون تكلفة دفنه، لاعتقاد ديني وهو "إكرام الميت دفنه".

كما تتكفل جمعيات إسلامية قائمة على التبرعات لدفن موتى المسلمين، وتوجد مؤسسات تقدم لك خطة مادية لترتيب إجراءات دفنك قبل وفاتك.

أنت عزيزي القارئ، هل تختار حرق جثتك بدلاً من دفنها؟