السوق المخفية في عهد أسرة الأسد: وسيلة إخضاع وابتزاز

السوق المخفية في عهد أسرة الأسد: وسيلة إخضاع وابتزاز

17 نوفمبر 2014
تشكل السوق السوداء قبل الثورة 40%من الاقتصاد(جوزف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
يتوجه نذير (35 عاماً) في صباح كل يوم جمعة للحصول على كميات من المازوت والبنزين، عبر أحد تجار السوق السوداء في ‏وسط دمشق. يقول لـ "العربي الجديد": "بتنا نحصل على كل المواد التي تحدد أسعارها الحكومة من السوق السوداء، وذلك بسبب ‏عدم توفر تلك المواد بكميات مناسبة". ‏
ويبلغ السعر الرسمي لليتر المازوت 80 ليرة "لكننا نحصل عليه من السوق السوداء بسعر يتراوح بين 150-200 ليرة" يقول ‏نذير. كما تحصل نسبة كبيرة من السوريين على الخبز والبنزين والغاز والمياه والأدوية والعملات الأجنبية، فضلاً عن تشكيلة ‏متنوعة من السلع من السوق السوداء.‏

مصالح مرتبطة
يقدر الخبير الاقتصادي الدكتور رفعت عامر حجم السوق السوداء في سورية قبل الثورة بنحو 40% من حجم الاقتصاد ‏الوطني "وهي نسبة عالية جداً عالمياً".
ويعزو ذلك في حديث لـ "العربي الجديد" إلى "سياسات النظام الاقتصادية التي لم تقدم ‏الدعم المطلوب للمنتجين المحليين لزيادة الإنتاج، فنشأت فجوة بين العرض والطلب تم ردمها من خلال التهريب في السوق ‏السوداء". هذا فضلاً عن أن عدداً كبيرا ومتزايدا من المقربين من السلطة يعملون في السوق السوداء، ومصالحهم ‏مرتبطة باستمرارها".‏
وبحسب عامر اتسع حجم السوق السوداء بعد الثورة، وربما باتت "أكبر من حجم السوق النظامية، رغم عدم وجود أرقام دقيقة ‏حول نسبتها". كان ذلك مدفوعاً بـ "تعطل دورة الإنتاج في سورية، ما أدى إلى فقدان المنتجات في ‏السوق المحلية والاعتماد المتزايد على السوق السوداء". وتتسع السوق السوداء في المناطق المحررة، حيث "لا يمكن إخضاعها ‏لأية مراقبة من أي جهة وتتصل تجارتها مباشرة مع دول الجوار".‏
‏أما في المناطق الخاضعة للنظام السوري فيدير السوق السوداء "التجار الموالون والمقربون من النظام، فضلاً عن أعداد جديدة من التجار ‏والمهربين (شبيحة وعناصر من الجيش الوطني ) من الطبقات الدنيا الذين ربطوا مصيرهم بالنظام. "ويدفعهم النظام في هذا ‏السياق بهدف خلق حوافز مادية لإسكاتهم، واستمرار فتيل الحرب والنزاع" يقول عامر.‏
يشير الخبير والباحث الاقتصادي السوري الدكتور محمد السلمان، إلى أن الاقتصاد السوري بعد اندلاع الثورة قد "عاد وبشكل ‏مقصود من قبل النظام إلى فترة الثمانينيات، حيث لا يمكن تأمين أغلب السلع إلا عن طريق السوق السوداء. ففي تلك الفترة تذرع ‏نظام الأسد الأب بالعقوبات الأميركية، ليبرر تحويل الاقتصاد السوري إلى سوق سوداء. وتكرر الأمر مع الأسد الابن الذي ‏استغل العقوبات الاقتصادية ليعمم السوق السوداء".

ويعتبر السلمان أن هدف النظام هو "السيطرة على السوريين ونهب ‏ثروة المجتمع، عن طريق حصر بعض الأنشطة الاقتصادية بفئة من أتباعه قادرة على فك الحصار الذي يفرضه على بعض المناطق عبر تأمين سلع مفقودة" .‏
وفيما تعمل نسبة كبيرة من السوريين الفقراء ومتوسطي الدخل في إطار السوق السوداء، فإن لا دور حقيقياً لهم في نموها، حيث تخلق السوق السودار من قبل "الأغنياء وخصوصاً المتنفذين منهم المرتبطين بالسلطة؛ بهدف جني ريع مستمر بعيداً عن ‏رقابة الأجهزة الاقتصادية، وبعيداً عن المساءلة القانونية الضريبية منها والمالية".
ولا يتفق السلمان مع من يقول إن السوق السوداء يمكن ‏أن تحقق بعض المنافع للفقراء أو لذوي الدخل المحدود، من خلال الحصول على بعض السلع والخدمات بأسعار أقل من أسعار ‏السوق الرسمية. بل يعتقد أن ذلك "تصور خاطئ ومصمم من قبل أجهزة الدعاية التابعة للجهات المستفيدة من الأسواق السوداء. ‏إذ إن وجود مثل تلك الأسواق يجب أن يكون شاذاً. الأمر الطبيعي هو أن يحصل أي سوري على حق الوصول للسلع والخدمات ‏بالأسعار الحقيقية، دون ممارسات مافيوية غايتها رفع الأسعار في الأسواق الرسمية أو منع وصول السلع والخدمات إلا عن ‏طريق شبكات التهريب".‏
ومهما يكن وجود السوق السوداء "شاذاً" لكنه يهيمن بشدة على الجانب الاقتصادي والاجتماعي لحياة السوريين أينما وجدوا ‏وحيثما حلوا. السوق السوداء تتسع في كل من مناطق النظام، ومناطق المعارضة، وفي أماكن اللجوء.‏

المساهمون