عيد العمال :"وجع" لـ 27 مليون عامل في مصر

عيد العمال :"وجع" لـ 27 مليون عامل في مصر

01 مايو 2014
عمال يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم (أرشيفية/Getty)
+ الخط -

يأتي الأول من مايو/أيار كل عام محملاً بذكرى إضراب دخله العمال عام 1869م من مختلف القطاعات في الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تقليل ساعات العمل إلى ثماني ساعات. كان الإضراب الأميركي الشرارة الأولى في اشتعال الاحتجاجات العمالية، التي انطلقت في باقى دول العالم، كلٌّ ينادي بتحسين ظروف عمله، وهو تاريخ لا تذكره الاحتفالات السنوية لعمال في مصر، منذ تحولت شرارة الانطلاق إلى "عيد" تلقى فيه الخطب الرنانة، التي تنتهي حماستها مع نهاية اليوم.

"هو يوم تتحدث فيه الدولة عن عمالها المسجلين في سجلاتها الرسمية، والذين لا يتعدون نسبة 20 % من أصل عدد العمال في مصر"، يقول محمد عبد القادر، رئيس نقابة العمالة غير المنتظمة، مشيراً الى أن 80 % من قطاع العمال غير رسمي وبالنسبة إلى الدولة فهو "غير موجود"، وبالنسبة إلى صاحب العمل فهو لا يلتزم أمامه بأية حقوق، مضيفا: "نستطيع القول إن إجازة الأول من مايو/أيار لا ينظر إليها عمال القطاع غير الرسمي سوى بأنها تحرمه من أجرة يومه".

من هم؟

تعرّف الدراسات الاكاديمية العمالة غير الرسمية بأنها "الفئة من الصناع أو التجار أو العمال أو المزارعين، التي تعمل خارج الإطار الضريبي والتأميني للدولة، ولا تخضع لرقابة الحكومة، ولا تدخل في حسابات الناتج القومي الإجمالي"، ويغلب على هذا النوع من العمالة،  الفردية ومحدودية رأس المال ومحدودية القدرة على التنوع وعدم الانتظام.

وفقاً للأرقام الرسمية للجهاز القومي للتعبئة والاحصاء المصري، فإن عدد العمالة غير الرسمية يصل الى 20 مليون عامل، بينما تقدره نقابة العمالة غير المنتظمة بأنه 27 مليون عامل، وبين هذه الأرقام تظهر إحصائيات أخرى ولا يستطيع أحد أن يجزم بحقيقة أيٍّ منها، وتنقسم العمالة غير الرسمية ما بين عمال اليومية في قطاع المقاولات والبناء والتشييد، وعمال اليومية في المصانع المختلفة والباعة المتجولين، والعمالة غير المنظمة في الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بداية من الورش الصناعية وحتى المحال والأسواق والعاملين في الخدمة المنزلية، والعمالة الزراعية الموسمية والصيادين، وهؤلاء يمثلون 40 % من الاقتصاد القومي، وفقاً لأحد الأوراق البحثية لدار الخدمات النقابية والعمالية، والتي تشير الى دخول قطاعات أخرى في توظيف عمالة غير رسمية وهي النقل البري والمناجم والمحاجر وعمال السياحة والبترول والخدمات.

يقول محمد عبد القادر، وهو عامل غير رسمي، أي لا يسدد ضرائب، ولا يشمله التأمين الصحي والاجتماعي، إنه في حال مرضه أو إصابته أو حتى وفاته، فلا ديـّة له، وسواء كان في عمل منفرد، مثل البائع الجائل مثلاً، أو يعمل لدى مصنع ما باليومية، هنالك مفهوم شائع بين هذا النوع من العمال هو "ديتك يوميتك" بمعنى أن العامل غير المنتظم هو المسؤول عن علاجه، حتى لو كان هذا المرض يؤدي إلى وفاته، ولا يستطيع احد أن يلزم صاحب العمل بتعويضه أو علاجه. وهناك الكثير من العمال الذين يتساقطون يوميا جراء هذا، والتشريعات حتى الآن لم تتغير لكي تضمن حقوقهم أمام أصحاب رأس المال .

ويضيف: "في 2003 أضاف البرلمان المادة 26 لقانون العمل رقم 12، بأن تتولى الوزارة المختصة، أي وزارة القوى العاملة، رسم سياسة وتشغيل هذه العمالة واصدار القرارات الخاصة لتنظيمها، ودمجها في القطاع الرسمي، إلا أنه، عبر الحكومات المتعاقبة، كان إهمال هذا القطاع سيد الموقف وأدّى إلى توسعه، فعلى سبيل المثال في قطاع المقاولات، ألزم التعديل القانوني صاحب العمل بدفع حصة تأمينية للعامل الرسمي شهرياً، ولكي تتحايل المصانع على ذلك، لم تعد تقوم بتعيين عمالة جديدة، وظهر المقاول الذي تحول إلى صاحب العمل الجديد الذي يورد العمال للمصانع، ويبقى المقاول هو الوحيد الذي يحصل على كافة حقوقه من المصنع، بينما لا يقوم هو بالالتزام بأية حقوق تجاه العامل، وقانوناً تنفصل العلاقة تماماً بين المصنع والعامل، ويصبح الأخير قانونا غير قادر على مطالبة الأول،المصنع، بأيّ شيء".

في 2011 تقدمت نقابة العمالة غير المنتظمة بمذكرة الى وزارتي القوى العاملة والتأمينات، طالبت فيها بإعلان الوزارتين خطة محددة لمشروع دمجهم مع العمالة الرسمية التي أعلنت عنه الحكومة في أوائل الألفية الثانية دون تنفيذ، وقالت المذكرة إن قرار 554 لسنة 2007، والذي ألزم عمال قطاعي المقاولات والنقل البري بدفع التأمينات عن طريق نقاباتهم العمالية، لم يلتزم فيه سوى 1% من أعداد العمال في هذا القطاع نتيجة لعدم التزام أصحاب العمل بدفع الحصة التأمينية للبقية.

حبر على ورق

"رجلي انكسرت بعد سقوطي من على السلم في أحد الشقق، التي كنت أعمل فيها. صاحب العمل وفّر لي أجرة اليوم، وطلب من أحد العمال نقلي إلى المستشفى، وقال: هذا ما أقدر على فعله معك. فاضطررت إلى إخراج ولدي من المدرسة الابتدائية ليعمل في إحدى الورشات ليصرف على الأسرة، لأن الاصابة منعتني من مغادرة المنزل". حكاية قصيرة رواها عبد المجيد قناوي، 56 سنة، لـ "العربي الجديد"، مشيراً إلى أنه جاء من محافظة قنا، جنوب القاهرة، عندما بلغ 20 سنة مع زوجته، ويعيش في منطقة الطالبية في محافظة الجيزة منذ ذلك الوقت على يوميته كأحد الفواعلية الذين يعملون في نقل الرمل وطوب البناء في المباني الجديدة.

"المقاول يتفق معانا باليومية مرة ياخدنا ومرة لأ، بقالي سنتين بشتغل بشكل منتظم لكن بدون عقد، جالي ربو على صدري نتيجة الغازات والأدخنة من حرق الإسمنت، بتعالج على حسابي، ومقدرش اسيب الشغل لأن ورايا أسرة"، قالها هاني عبدالله (32 سنة)، يعمل في أحد مصانع الإسمنت الكبرى في حلوان.

"حياتي في بضاعتي التي أعرضها على الرصيف، والجميع يحاربنا، لو كنت لقيت وظيفة رسمية ما قبلت وقفة الرصيف، لأننا جميعا في نظر الحكومة مجرمون. اشتغلت فترة بائع في أحد المحلات وطبعاً بدون عقد، صاحب العمل كان عايز يشغلني 12 ساعة في اليوم مقابل 50 جنيهاً فقط، حوالي 7 دولارات، فتركته وفضلت العمل الحر"، قصة أخرى يرويها محمد سعد، بائع متجول، (29 عاماً)، خريج معهد الخدمة الاجتماعية.

أحمد حسين، نقيب الباعة الجائلين في القاهرة، يقول "نحن غير مذكورين في القانون المصري غير في مادة العقوبات، ننادي من قبل الثورة بتقنين أوضاعنا عن طريق تخصيص أماكن تجمع الباعة في كل منطقة، وبالتالي يصدر لكل بائع ترخيص وبطاقة ضريبية، ويتم ادراجه في التأمينات الاجتماعية، لكن كلما اجتمعنا مع وزير ويمنحنا الوعود فلا تلبث وتطير بمجرد خروجنا من باب مكتبه".

وفقاً لإحصائيات نقابة الباعة المتجولين المستقلة، يبلغ عددهم في مصر نحو 5 ملايين بائع، يتمركز في محافظتي القاهرة والجيزة فقط مليون بائع. يقول حسين "منذ عام ونحن ندخل في اجتماعات مستمرة مع وزارة القوى العاملة والمحافظين، لكي نعمل على بدء تنفيذ تخصيص الأماكن للباعة، والسعي وراء تغيير التشريعات ودمجنا فيها كباعة متطورين، إلا أننا لا نلمس حتى الآن أية إرادة سياسية للتغيير"، مضيفاً "احنا قرأنا في الدستور انه هينظم العمالة غير المنتظمة، لكن على أرض الواقع لا توجد خطة واضحة لدى المسؤولين لتنفيذ ذلك".

يتناول الدستور المصري 2014 العمالة غير الرسمية، في المادة 13، التي تلزم صاحب العمل بحماية العمال من أية مخاطر، وتوفر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، وتحظر الفصل التعسفي، والمادة 17، التي تنص على ان لكل مواطن الحق في الضمان الاجتماعي، وان الدولة تعمل على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين و العمال الزراعيين والصيادين والعمالة غير المنتظمة، والمادة 28، التي تنص على أن تولي الدولة اهتماما خاصا بالمشروعات المتوسطة ومتناهية الصغر في كافة المجالات وتنظيم القطاع غير الرسمي وتأهيله.



بطالة مقننة

تقول داليا موسى، مسؤول ملف العمال في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن الأخطر في الآونة الأخيرة هو دخول أصحاب العقود المؤقتة تحت مشكلات العمالة غير المنتظمة وإن لم تكن محسوبة ضمنهم، مضيفة "العقد المؤقت أصبح أحد اساليب تحايل أصحاب العمل على العامل، حيث يوهمه بأن له عقداً من جانب، لكن على الناحية القانونية، لا يضمن هذا العقد أية حقوق للعامل سواء كانت صحية أو تأمينية أو حتى يمنع فصله، وتأتي لنا العديد من القضايا من أصحاب العقود المؤقتة بهذه التعديات، لكن المحاكم تأخذ وقتاً طويلاً، يكون العامل فيه قد صرف كل مدخراته، وفي النهاية لا يضمن القانون أن يكون الحكم في صالحه، خصوصا أن جهات الرقابة على سوق العمل في مصر لا تقوم بدورها".

تقول موسى "تلقينا شكوى على سبيل المثال من أسرة عامل بعقد مؤقت مات في أحد مصانع الإسمنت، ورفض المصنع الاعتراف به، وأبرز أوراقاً بأنه كان في إجازة. آخر أصيب في احدى شركات الأدوات الكهربائية، التي تخلت عن علاجه، رفعنا له قضية استغرقت 3 سنوات، كان قد صرف فيها كل ما يملك وفي النهاية لم يحصل على شيء. نظام مبارك عمل بكل قوته على تحصين اصحاب رأس المال".


تضيف موسى أن  منظمات المجتمع المدني تعمل حاليا على مشروع قانون لعرضه على الحكومة، وحال انتهائه سيعالج مشكلات قانون العمل الحالي و يضع نظاماً تشريعياً محدداً، يضمن الحقوق لكل أنواع العمالة، وكيفية دمج غير المنتظمة منها في المنتظمة، كما يوقف استغلال اصحاب العمل للعمال عن طريق وضع حد اقصى لفترة العمل من دون عقد بالنسبة إلى المصانع والهيئات، ودمج العمالة غير الرسمية في التأمينات الاجتماعية والصحية، عن طريق الوزارة أو المحليات، وذلك إثر حملة يدشنها الحقوقيون منذ شهرين تحت عنوان "نحو قانون عادل للعمل".