دول الخليج تتحول من الخامات إلى بيع المحروقات

دول الخليج تتحول من الخامات إلى بيع المحروقات

31 يناير 2015
جانب من محطات شل التابعة لمشروع أرامكو بأميركا (Getty)
+ الخط -
فيما تستضيف العاصمة البحرينية المنامة خلال يومي الاثنين والثلاثاء مؤتمر صناعة التكرير البتروكيماويات السنوي، هنالك توجه قوي لتعزيز صناعة التكرير بدول مجلس التعاون. وتتجه دول مجلس التعاون الخليجي وسط ضغوط الإنفاق وانخفاض مداخيل النفط الخام إلى تنشيط خطط التوسع في صناعة التكرير والبتروكيماويات. وذلك في إطار البحث عن زيادة إيراداتها النفطية عبر جني أرباح القيمة المضافة من التصنيع، مثلما تفعل شركات النفط العالمية بدلاً من بيعه في شكل خام . وتحقق الشركات الكبرى هوامش ربح كبيرة من تكرير الخامات النفطية في السنوات التي ترخص فيها أسعار الخام. وبالتالي هنالك فرص أمام دول التعاون في التوسع أكثر في صناعة التكرير ومبيعات المحروقات، خاصة وأنها تجاور أسواقاً صاعدة مثل أسواق القارة الأفريقية وأسواق باكستان والهند، سيرتفع فيها الطلب على المحروقات خلال الأعوام المقبلة. 
وحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن برميل النفط الخام ينتج حوالى 42 غالوناً من أنواع الوقود المختلفة، بعد معالجته من قبل المصافي. وتشير بيانات "الطاقة الأميركية إلى أن برميل النفط الخام ينتج حوالى 19 غالوناً من الغازولين و12 غالوناً من الديزل و4 غالونات من وقود الطائرات الخفيف و7 غالونات أخرى. وإذا افترضنا بالسعر الحالي، أن برميل النفط يكلف 50 دولاراً، وأن سعر الغالون من الوقود في أميركا يكلف 2.2 دولار، فإن شركات المصافي ستبيع برميل النفط الخام الذي أشترته بخمسين دولاراً في شكل منتجات مكررة بأكثر من 90 دولاراً. ولكن يجب الأخذ في الاعتبار الكلف الأخرى المصاحبة لتصنيع هذه المنتجات المكررة. ويلاحظ أن من بين شركات الطاقة الأميركية الـ22 الكبرى المسجلة في مؤشر داوجونز ومؤشر "ستاندرد آند بوورز"، نجت من الخسائر الشركات التي لديها منافذ تكرير في أميركا ومناطق الاستهلاك الرئيسية في العالم. وذلك لسبب بسيط وهو أنه كلما انخفضت أسعار النفط الخام، حققت المصافي ومحطات توزيع الوقود أرباحاً أفضل. ومثل هذه الأرباح تقلل الخسائر التي تتكبدها الشركة في قطاع مبيعات النفط الخام من الحقول التي تملكها.
فأسعار النفط الخام متذبذبة تبعاً لظروف النمو العالمي الذي لا يمكن السيطرة عليه، وبالتالي يصبح من الصعب على دول الخليج أن تواصل اعتماد الخام كمصدر للدخل. ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وها هي دول مجلس التعاون تلدغ من جحر النفط أربع مرات. كانت المرة الأولى في انهيار النفط بين عام 1985 و1986، حينما أنهارت الأسعار إلى أقل من 10 دولارات للبرميل واستمر الانهيار طوال أربع سنوات، ولم يحدث تحسن حقيقي في الأسعار إلا في العام 1990. ثم لدغت في العام 1999، حينما انفجرت فقاعة الدوت.كوم. وكذلك في الأعوام التي تلت أزمة المال في العام 2007، وها هي تلدغ للمرة الرابعة.
ومن هذا المنطلق يمكن النظر إلى توجه السعودية وباقي دول مجلس التعاون نحو مضاعفة طاقة التكرير وبجدية كبيرة هذه المرة. وحسب تقرير منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، فإن طاقة التكرير بالمصافي العربية تبلغ 8.322 ملايين برميل يومياً، أغلبها في دول مجلس التعاون الخليجي.
وهذا التوجه رغم أنه بدأ منذ سنوات، ولكنه لم يكن بالسرعة المطلوبة. ويقول محللون غربيون إن خطوات صناعة التكرير بدأت تتسارع خلال الفترة الأخيرة. ويمكن أن تحقق عوائد كبيرة من النفط لدول الخليج إذا تمكنت من ترشيد الاستهلاك المحلي من الوقود، ورفع جزء من الدعم الكبير على أسعار الوقود.
في هذا الصدد، يشير ديف ويت، نائب الرئيس في شركة "آي اتش اس" للاستشارات، إلى أن الاستثمارات في قطاع المصافي والمرافق المرتبطة بها في دول التعاون الخليجي سوف تفوق 80 مليار دولار حتى عام 2020. وهذا يعني أن السعودية وباقي دول التعاون ستتجه أكثر إلى بيع منتجات نفطية مكررة خلال العقد المقبل، بدلاً من بيع نفطها في شكل خامات غير معالجة.
وتعد عمليات الشراكة الضخمة التي تنفذها شركة أرامكو السعودية مع الشركات العالمية في بناء المصافي مع الأسواق الاستهلاكية الرئيسية، مثل أميركا والصين وأوروبا واليابان، من أكبر نجاحات خطط تعظيم العوائد النفطية، حيث انها من جهة توفر زبائن ثابتين لمبيعات خاماتها النفطية، ومن جهة أخرى تحقق لها هوامش ربح كبيرة في فترات انخفاض أسعار النفط مثلما يحدث حالياً.
ويشير تقرير "نفط الهلال" الصادر اخيراً إلى أن مصافي النفط لدى الدول الخليجية سجلت عمليات توسع في إنتاجيتها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. وعلى سبيل المثال، استطاعت السعودية زيادة قدرتها التكريرية من النفط وتحقيق عوائد مرتفعة في ظل تحسن الهوامش الربحية من مبيعات الوقود المعالج، حيث تسعى «ارامكو» إلى تحقيق هدفها الاستراتيجي برفع قدرها التكريرية إلى 9 ملايين برميل يومياً في عام 2020 من 5 ملايين برميل في العام الماضي 2014.
ومن المتوقع أن تتجاوز الاستثمارات في قطاع التكرير بدول مجلس التعاون 100 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. وفي المقابل، تسعى الكويت لرفع الطاقة الإنتاجية من التكرير إلى أربعة ملايين برميل يومياً بحلول 2020. وستبلغ الطاقة التكريرية الكويتية 800 ألف برميل يومياً مع اكتمال تنفيذ مشروع الوقود البيئي الجاري حالياً. وفي ذات الصعيد تخطط الإمارات لرفع طاقتها الإنتاجية من النفط إلى 3.5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2017، في الوقت الذي تملك فيه طاقة تكريرية تصل إلى 500 ألف برميل يومياً في الوقت الراهن.
وفي ذات الصدد، قال سالار مورادي، الخبير في اسواق النفط في شركة (اف جي اي) البريطانية المتخصصة في بحوث النفط والغاز في تقرير صدر أخيراً، إن دول الشرق الاوسط لديها استراتيجية لتنويع اقتصادياتها والتحول من تصدير النفط فقط الى تصدير المنتجات النفطية للحصول على القيمة المضافة.


مصاف مشتركة

وعلى صعيد الشراكات في المصافي خارج منطقة الخليج، يعد مشروع أرامكو و"رويال شل" للمصافي ومحطات الوقود في أميركا الذي أسس تحت مظلة شركة "موتيفا"، عملاق تكرير النفط، أكبر مشاريع التكرير لدول مجلس التعاون في الخارج. وأتمت شركة "موتيفا" المشتركة بين أرامكو وشل، قبل عامين عملية توسعة للمصفاة التابعة لها بلغت تكلفتها 10 مليارات دولار، لتصبح بذلك أكبر المشاريع العربية لتكرير النفط في العالم. وفي أعقاب التوسعة أصبحت شركة "موتيفا" أكبر معالج للبنزين والديزل وغيرها من منتجات النفط والوقود الأخرى في الولايات المتحدة. وأصبحت مربط النفط العربي في أميركا، رغم المحاولات الأميركية لتحقيق "أمن الطاقة" الأميركي بعيداً عن العرب.
ويعود المشروع المشترك الذي أصبح السر وراء زيادة واردات النفط السعودي إلى أميركا إلى العام 2002، وتحديداً إلى فترة شراء «شيفرون» لـ«تكساكو» عام 2002، حيث اشترت شركة «شل» و«سعودي ريفاينينغ»، التابعة لشركة «أرامكو السعودية»، حصتها فيما أصبح يعرف بـ"موتيفا إنتربرايزيس". وتمتلك شركة "موتيفا" اليوم مصفاتي تكرير في لويزيانا وتسوق إنتاجها عبر شبكة من 7700 محطة بنزين ماركة "شل" في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
ويهدف استثمار شركة «أرامكو السعودية» في توسيع مصفاة التكرير «بورت آرثر» إلى ضمان أن المملكة العربية السعودية سوف تحتفظ بسوق هامة لنفطها الخام في الولايات المتحدة، في وقت يعلن فيه الساسة الأميركيون عن عزمهم تقليل الواردات الأميركية من النفط العربي.
وهنالك مشروعات مشتركة لبناء مصاف جديدة بين مؤسسة البترول الكويتية وأرامكو السعودية والصين وشركة قطر للبترول الدولية وشركة روزنيفت الروسية وشركة "بي دي تي اس ايه" في فنزويلا، وسوف يؤدي ذلك إلى دعم الصادرات وخفض الواردات.
وفي فيتنام وافقت شركة البترول الكويتية العالمية وشركة "بتروفيتنام" وشركة اديمتسو كوسان اليابانية على بناء مجمع يضم مصفاة نفطية ومجمعاً للبتروكيماويات شمالي فيتنام بقيمة تسعة مليارات دولار، وسوف تبدأ عملية الانتاج في 2017 بقدرة تكرير إجمالية تبلغ 200 ألف برميل يومياً مع امكانية مضاعفة القدرة الانتاجية خلال المرحلة الثانية، وسوف يؤدي هذا المشروع إلى خفض واردات الكويت. وتشير مصادر غربية إلى أن هناك مشروعات مشتركة لمصاف عربية جديدة في الهند واندونيسيا والصين.
وسوف تؤدي هذه المشروعات إلى خفض واردات الدول الخليجية من الوقود وزيادة صادراتها من النفط المصنع إلى دول العالم. ويلاحظ أن دول الخليج رغم معدلات إنتاجها المرتفعة من النفط لاتزال تستورد جزءاً من احتياجات الوقود من الخارج. كما يلاحظ أن السعودية استوردت في العام الماضي نحو 315 ألف برميل يومياً من البنزين والديزل وزيت الوقود بقيمة تتراوح بين 40-35 مليون دولار.

المساهمون