لم يكن إعلان الدولة الفلسطينية في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1988م وليد لحظته، ولم يكن فقط أحد تداعيات انتفاضة الحجارة المجيدة، بل جاء في سياق سلسلة من المنعطفات والأحداث التي عصفت بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، وفي إطار تحقيق أهداف المشروع الوطني الفلسطيني بإنجاز حق تقرير المصير وإقامة الدولة وعاصمتها مدينة القدس وترجمة تضحيات الشعب الفلسطيني المنتفض في الداخل إلى منجزات سياسية بتحقيق بعض الأهداف الوطنية.
فقد شكّلت الانتفاضة رافعة جديدة للقضية الفلسطينية، بعد أن كاد يطويها النسيان في دهاليز السياسة العربية، واللامبالاة الدولية المنشغلة أكثر بتفاصيل الحرب الباردة وتداعيات انتصار الغرب وبوادر انهيار المعسكر الشرقي، وهذه كانت فرصة للقيادة الفلسطينية، خاصة حركة فتح المهيمنة على مؤسسات منظمة التحرير، لاستثمار الانتفاضة والتعاطف الدولي لجهة التحرك السياسي وتعزيز دائرة الواقعية السياسية واستغلال الفرصة السانحة، وهو ما كان يردّده ياسر عرفات "أبو عمار"، وعضوا اللجنة المركزية في حركة فتح صلاح خلف ومحمود عباس، وتيار مهم في الجبهة الديموقراطية بقيادة ياسر عبد ربه وممدوح نوفل وآخرون.
وجد أنصار الواقعية السياسية أن برنامج النقاط العشر الذي أقرّه المجلس الوطني عام 1974م لم يعد ينسجم مع متطلبات المرحلة ولا مع تسارع الأحداث، وهو عقبة وحجر عثرة أكثر منه مسانداً للحركة السياسية الفلسطينية، كما أن مخرجات قمة فاس في المغرب عام 1984م والتي مهّدت الطريق ضمناً لقطار التسوية، والمؤتمر الصحافي لأبو عمار في القاهرة عام 1985م والذي نبذ فيه "الإرهاب"، لم تكن كافية لدفع عجلة التحرك السياسي والانخراط في مشروع التسوية المأمول.
ثم إن منظمة التحرير مع نهاية عقد ثمانينيات القرن الماضي كانت قد وصلت إلى مرحلة الإنهاك وضياع كثير من الهيبة، مع الانتقال من مصيبة إلى أكبر منها، فقد خرجت الثورة الفلسطينية من القاعدة المتقدمة للكفاح المسلح في الأردن 1970-1971م، بعد صدام دامٍ كلف الثورة آلاف الضحايا، وبعد أن انتقلت الثورة إلى لبنان (1972-1982م) انخرطت في صراعات وحروب أهلية راغبة أو مضطرة حتى العدوان الإسرائيلي عام 1982م الذي أخرج الثورة من لبنان وشتتها بعيداً عن دول الطوق في بقاع الأرض، بينما الدول العربية، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من دائرة الصراع عام 1978م، اختبأت وراء شعار "منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" لترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، ومع النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي كان الحليف السوفييتي يتداعى ويفسح الطريق للولايات المتحدة لملء الفراغ وإملاء مواقفها وتصوراتها للحل التسووي، ولكن من دون الإعلان رسمياً عن ذلك.
في هذا الأجواء كانت قيادة منظمة التحرير تتطلّع إلى تحقيق إنجاز وطني وترجمة التضحيات قبل وبعد انطلاق العمل الثوري بعد عام 1967م، تخاطب فيه تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني، وكان رأي أبو عمار أن الانتفاضة الفلسطينية المجيدة تحتاج إلى غطاء سياسي، وربما تكون آخر ما في جعبة الشعب الفلسطيني في الداخل بعد أن سقطت القلاع في الخارج، وقبل أن تستنفد الانتفاضة طاقتها الثورية الكامنة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالسير في ما هو مطروح سياسياً، وما هو متوفر في ظل ميزان قوى مختلّ لا يعمل لصالح القضية الفلسطينية مع مرور الوقت، وما كان متوفراً فقط هو الرعاية الأميركية لعملية سياسية من خلال مؤتمر دولي برعاية أميركية سوفييتية شكلاً، وأميركياً مضموناً، قد لا تكون بالنسبة للقيادة الفلسطينية ما هو مأمول وأفضل ما تتطلع إليه، ولكن ما هو موجود.
مضمون إعلان الدولة
جاء إعلان وثيقة الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية في سياق دورة المجلس الوطني التاسعة عشرة في الجزائر 12-15/11/1988م تتويجاً لقرارات الدورة، والتي تعتبر محطة أساسية في مسيرة التحرك السياسي الفلسطيني نحو مشروع التسوية، تضمنت مخرجات دورة المجلس الوطني مسألتين:
الأولى تتعلق بوثيقة إعلان قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، والتي أعدها الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وهو إعلان نظري على أمل تجسيده على أرض الواقع بعد عملية سياسية، لم يكن له أي رصيد من الواقع سوى الروح الوطنية التي أشعلها الإعلان لدى غالبية الشعب الفلسطيني المنتفض والذي يتوق إلى أي إنجاز، ولو كان شكلياً، وأوجد أجواء عاطفية جياشة كانت القيادة الفلسطينية في أمس الحاجة إليها في تلك المرحلة، فقد جاء في الوثيقة "استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين.....، وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947،..... فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".
المسألة الثانية، وهي الأهم، تتعلّق بالبيان السياسي وتضمن قرارات الدورة، وهي التي يبني على بعضها سياسات عملية. كانت القيادة الفلسطينية (قيادة منظمة التحرير خاصة حركة فتح) تسعى منذ حرب عام 1973م واتفاق كامب ديفيد إلى اللحاق بركب مشروع التسوية، غير أن الشروط الأميركية كانت بالمرصاد، في وقت لم يكن لأي عملية سياسية أي معنى من دون الرعاية الأميركية، والشروط كانت من الإجحاف والصفاقة بحيث تصعب معها لأي فلسطيني استساغتها، وتمثلت الشروط في الاعتراف بإسرائيل وبحقها العيش بسلام، ونبذ "الإرهاب"، والاعتراف بقراري مجلس الأمن 242 و338، وهي قرارات جاءت بعد الحرب في عامي 1967م و1973م وتتعلّق باحتلال إسرائيل لأراضٍ عربية من مصر وسورية ولبنان، ولا علاقة مباشرة لها بالقضية الفلسطينية، باستثناء قضية اللاجئين التي تم الحديث عنها في سياق إنساني، فقد جاء في البيان السياسي الصادر في ختام الدورة ما يلبّي بعض هذه الشروط، إما مباشرة أو بالتلميح، فقد ورد في الفقرة الأولى من "المجال السياسي": "ضرورة انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الأوسط، وجوهرها القضية الفلسطينية،...... آخذين بالاعتبار أن المؤتمر الدولي يعقد على قاعدة قراري مجلس الأمن رقم 242، 338، وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني".
تداعيات إعلان الدولة
تفاعلت غالبية الشعب الفلسطيني ومعه القيادة الفلسطينية مع الخطوة بحماسة شديدة وبأجواء عاطفية غامرة متدفقة، على أساس أنها ربما تمهد الطريق لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة العتيدة، واستمرّت هذه الأحاسيس لأيام، غير أنه، ومن جهة أخرى، كانت بوادر الانشقاق في صفوف الحركة الوطنية، والتي تجسدت على أرض الواقع بعد اتفاق أوسلو، بادية بحيث لا يمكن التستر عليها، فقد برز تيار الواقعية السياسية بقيادة حركة فتح (بوجود أقلية معارضة) ومعها الحزب الشيوعي الفلسطيني، ومجموعة من قيادة الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بقيادة ياسر عبد ربه (قبل أن يؤسس فدا)، وفي المقابل عارض تيار آخر مخرجات دورة المجلس بالمجمل أو الفقرة المتعلقة بالقرارين 242 و338 وضمت الجبهة الشعبية، والقيادة العامة، والجبهة الديموقراطية، ومنظمة الصاعقة، وجبهة التحرير العربية، عوضاً عن حركة حماس والجهاد الإسلامي من خارج إطار منظمة التحرير.
أما الإدارة الأميركية، وهي المستهدفة الأساس من قرارات المجلس الوطني، خاصة المتعلقة بالاعتراف بشروطها للتسوية، فلم تكن راضية أبداً، واعتبرت أن القيادة الفلسطينية لم تلبّ بعد شروطها، خاصة "نبذ الإرهاب" والاعتراف الصريح بإسرائيل، وهو ما دعا إلى تحرك القيادة الفلسطينية لعقد جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف في 13 ديسمبر/ كانون الأول 1988م للاستماع إلى خطاب أبو عمار حول تطورات القضية الفلسطينية، وقد جاء في ثنايا الخطاب مع يلبي الشروط الأميركية بالكامل، فقد أدان أبو عمار "الإرهاب"، ودعا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط والاستعداد لتسوية سلمية مع إسرائيل على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، غير أن وزير الخارجية الأميركي في حينه جورج شولز طالب باعتراف صريح وواضح من دون مداراة أو مداورة وبعيداً عن الديباجات والإضافات غير اللازمة، وهو ما قام به أبو عمار في جنيف بعد يوم من خطاب الجمعية العامة في مؤتمر صحافي لا يخلو من بعض الإهانة.
طبعاً اعتبرت الإدارة الأميركية أن منظمة التحرير لبّت شروطها، ما يؤهلها لإجراء حوار مع الإدارة الأميركية للتوصل إلى تسوية، وهو ما كان بعد أسبوع من ذلك، عندما التقى فريق يمثل منظمة التحرير بقيادة ياسر عبد ربه مع سفير الولايات المتحدة في تونس روبرت بللترو، واستمرت اللقاءات، وهي معدودة، طوال عام من دون أي نتيجة تذكر، حتى أعلنت الإدارة الأميركية وقف الحوار مع منظمة التحرير في الشهر الأول من عام 1990م بعد قيام مجموعة مسلحة من فصيل تابع لمنظمة التحرير، كما ادعت الإدارة، بمحاولة الإغارة من البحر على شاطئ مدينة تل أبيب، أي أن القيادة الفلسطينية قدمت الكثير من التنازلات للإدارة الأميركية وتخلّت عن جزء أساسي من أوراقها من دون أي نتائج تذكر.
فقد شكّلت الانتفاضة رافعة جديدة للقضية الفلسطينية، بعد أن كاد يطويها النسيان في دهاليز السياسة العربية، واللامبالاة الدولية المنشغلة أكثر بتفاصيل الحرب الباردة وتداعيات انتصار الغرب وبوادر انهيار المعسكر الشرقي، وهذه كانت فرصة للقيادة الفلسطينية، خاصة حركة فتح المهيمنة على مؤسسات منظمة التحرير، لاستثمار الانتفاضة والتعاطف الدولي لجهة التحرك السياسي وتعزيز دائرة الواقعية السياسية واستغلال الفرصة السانحة، وهو ما كان يردّده ياسر عرفات "أبو عمار"، وعضوا اللجنة المركزية في حركة فتح صلاح خلف ومحمود عباس، وتيار مهم في الجبهة الديموقراطية بقيادة ياسر عبد ربه وممدوح نوفل وآخرون.
وجد أنصار الواقعية السياسية أن برنامج النقاط العشر الذي أقرّه المجلس الوطني عام 1974م لم يعد ينسجم مع متطلبات المرحلة ولا مع تسارع الأحداث، وهو عقبة وحجر عثرة أكثر منه مسانداً للحركة السياسية الفلسطينية، كما أن مخرجات قمة فاس في المغرب عام 1984م والتي مهّدت الطريق ضمناً لقطار التسوية، والمؤتمر الصحافي لأبو عمار في القاهرة عام 1985م والذي نبذ فيه "الإرهاب"، لم تكن كافية لدفع عجلة التحرك السياسي والانخراط في مشروع التسوية المأمول.
ثم إن منظمة التحرير مع نهاية عقد ثمانينيات القرن الماضي كانت قد وصلت إلى مرحلة الإنهاك وضياع كثير من الهيبة، مع الانتقال من مصيبة إلى أكبر منها، فقد خرجت الثورة الفلسطينية من القاعدة المتقدمة للكفاح المسلح في الأردن 1970-1971م، بعد صدام دامٍ كلف الثورة آلاف الضحايا، وبعد أن انتقلت الثورة إلى لبنان (1972-1982م) انخرطت في صراعات وحروب أهلية راغبة أو مضطرة حتى العدوان الإسرائيلي عام 1982م الذي أخرج الثورة من لبنان وشتتها بعيداً عن دول الطوق في بقاع الأرض، بينما الدول العربية، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من دائرة الصراع عام 1978م، اختبأت وراء شعار "منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" لترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، ومع النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي كان الحليف السوفييتي يتداعى ويفسح الطريق للولايات المتحدة لملء الفراغ وإملاء مواقفها وتصوراتها للحل التسووي، ولكن من دون الإعلان رسمياً عن ذلك.
في هذا الأجواء كانت قيادة منظمة التحرير تتطلّع إلى تحقيق إنجاز وطني وترجمة التضحيات قبل وبعد انطلاق العمل الثوري بعد عام 1967م، تخاطب فيه تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني، وكان رأي أبو عمار أن الانتفاضة الفلسطينية المجيدة تحتاج إلى غطاء سياسي، وربما تكون آخر ما في جعبة الشعب الفلسطيني في الداخل بعد أن سقطت القلاع في الخارج، وقبل أن تستنفد الانتفاضة طاقتها الثورية الكامنة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالسير في ما هو مطروح سياسياً، وما هو متوفر في ظل ميزان قوى مختلّ لا يعمل لصالح القضية الفلسطينية مع مرور الوقت، وما كان متوفراً فقط هو الرعاية الأميركية لعملية سياسية من خلال مؤتمر دولي برعاية أميركية سوفييتية شكلاً، وأميركياً مضموناً، قد لا تكون بالنسبة للقيادة الفلسطينية ما هو مأمول وأفضل ما تتطلع إليه، ولكن ما هو موجود.
مضمون إعلان الدولة
جاء إعلان وثيقة الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية في سياق دورة المجلس الوطني التاسعة عشرة في الجزائر 12-15/11/1988م تتويجاً لقرارات الدورة، والتي تعتبر محطة أساسية في مسيرة التحرك السياسي الفلسطيني نحو مشروع التسوية، تضمنت مخرجات دورة المجلس الوطني مسألتين:
الأولى تتعلق بوثيقة إعلان قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، والتي أعدها الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وهو إعلان نظري على أمل تجسيده على أرض الواقع بعد عملية سياسية، لم يكن له أي رصيد من الواقع سوى الروح الوطنية التي أشعلها الإعلان لدى غالبية الشعب الفلسطيني المنتفض والذي يتوق إلى أي إنجاز، ولو كان شكلياً، وأوجد أجواء عاطفية جياشة كانت القيادة الفلسطينية في أمس الحاجة إليها في تلك المرحلة، فقد جاء في الوثيقة "استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين.....، وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947،..... فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".
المسألة الثانية، وهي الأهم، تتعلّق بالبيان السياسي وتضمن قرارات الدورة، وهي التي يبني على بعضها سياسات عملية. كانت القيادة الفلسطينية (قيادة منظمة التحرير خاصة حركة فتح) تسعى منذ حرب عام 1973م واتفاق كامب ديفيد إلى اللحاق بركب مشروع التسوية، غير أن الشروط الأميركية كانت بالمرصاد، في وقت لم يكن لأي عملية سياسية أي معنى من دون الرعاية الأميركية، والشروط كانت من الإجحاف والصفاقة بحيث تصعب معها لأي فلسطيني استساغتها، وتمثلت الشروط في الاعتراف بإسرائيل وبحقها العيش بسلام، ونبذ "الإرهاب"، والاعتراف بقراري مجلس الأمن 242 و338، وهي قرارات جاءت بعد الحرب في عامي 1967م و1973م وتتعلّق باحتلال إسرائيل لأراضٍ عربية من مصر وسورية ولبنان، ولا علاقة مباشرة لها بالقضية الفلسطينية، باستثناء قضية اللاجئين التي تم الحديث عنها في سياق إنساني، فقد جاء في البيان السياسي الصادر في ختام الدورة ما يلبّي بعض هذه الشروط، إما مباشرة أو بالتلميح، فقد ورد في الفقرة الأولى من "المجال السياسي": "ضرورة انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الأوسط، وجوهرها القضية الفلسطينية،...... آخذين بالاعتبار أن المؤتمر الدولي يعقد على قاعدة قراري مجلس الأمن رقم 242، 338، وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني".
تداعيات إعلان الدولة
تفاعلت غالبية الشعب الفلسطيني ومعه القيادة الفلسطينية مع الخطوة بحماسة شديدة وبأجواء عاطفية غامرة متدفقة، على أساس أنها ربما تمهد الطريق لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة العتيدة، واستمرّت هذه الأحاسيس لأيام، غير أنه، ومن جهة أخرى، كانت بوادر الانشقاق في صفوف الحركة الوطنية، والتي تجسدت على أرض الواقع بعد اتفاق أوسلو، بادية بحيث لا يمكن التستر عليها، فقد برز تيار الواقعية السياسية بقيادة حركة فتح (بوجود أقلية معارضة) ومعها الحزب الشيوعي الفلسطيني، ومجموعة من قيادة الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بقيادة ياسر عبد ربه (قبل أن يؤسس فدا)، وفي المقابل عارض تيار آخر مخرجات دورة المجلس بالمجمل أو الفقرة المتعلقة بالقرارين 242 و338 وضمت الجبهة الشعبية، والقيادة العامة، والجبهة الديموقراطية، ومنظمة الصاعقة، وجبهة التحرير العربية، عوضاً عن حركة حماس والجهاد الإسلامي من خارج إطار منظمة التحرير.
أما الإدارة الأميركية، وهي المستهدفة الأساس من قرارات المجلس الوطني، خاصة المتعلقة بالاعتراف بشروطها للتسوية، فلم تكن راضية أبداً، واعتبرت أن القيادة الفلسطينية لم تلبّ بعد شروطها، خاصة "نبذ الإرهاب" والاعتراف الصريح بإسرائيل، وهو ما دعا إلى تحرك القيادة الفلسطينية لعقد جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف في 13 ديسمبر/ كانون الأول 1988م للاستماع إلى خطاب أبو عمار حول تطورات القضية الفلسطينية، وقد جاء في ثنايا الخطاب مع يلبي الشروط الأميركية بالكامل، فقد أدان أبو عمار "الإرهاب"، ودعا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط والاستعداد لتسوية سلمية مع إسرائيل على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، غير أن وزير الخارجية الأميركي في حينه جورج شولز طالب باعتراف صريح وواضح من دون مداراة أو مداورة وبعيداً عن الديباجات والإضافات غير اللازمة، وهو ما قام به أبو عمار في جنيف بعد يوم من خطاب الجمعية العامة في مؤتمر صحافي لا يخلو من بعض الإهانة.
طبعاً اعتبرت الإدارة الأميركية أن منظمة التحرير لبّت شروطها، ما يؤهلها لإجراء حوار مع الإدارة الأميركية للتوصل إلى تسوية، وهو ما كان بعد أسبوع من ذلك، عندما التقى فريق يمثل منظمة التحرير بقيادة ياسر عبد ربه مع سفير الولايات المتحدة في تونس روبرت بللترو، واستمرت اللقاءات، وهي معدودة، طوال عام من دون أي نتيجة تذكر، حتى أعلنت الإدارة الأميركية وقف الحوار مع منظمة التحرير في الشهر الأول من عام 1990م بعد قيام مجموعة مسلحة من فصيل تابع لمنظمة التحرير، كما ادعت الإدارة، بمحاولة الإغارة من البحر على شاطئ مدينة تل أبيب، أي أن القيادة الفلسطينية قدمت الكثير من التنازلات للإدارة الأميركية وتخلّت عن جزء أساسي من أوراقها من دون أي نتائج تذكر.