ثلاث سنوات على طوارئ سيناء: الأمن يتردى والمدنيون يدفعون الثمن

27 أكتوبر 2017
يواصل الجيش إنشاء المنطقة العازلة مع غزة(عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

دخلت، شبه جزيرة سيناء، أمس الخميس، 26 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، العام الثالث من العيش في حالة الطوارئ وحظر التجوال، التي فرضها مجلس الدفاع الوطني، بقيادة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إثر اعتداءين أديا إلى مقتل 30 جندياً. إلا أن ثلاثة أعوام تحت وطأة حالة الطوارئ زادت الأوضاع الأمنية اشتعالاً. ففي الفترة الواقعة بين بدء حالة الطوارئ بعد هجوم كرم القواديس الشهير، الذي اقتحم فيه تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، موقعاً عسكرياً للجيش المصري غرب مدينة الشيخ زويد في محافظة شمال سيناء وبين الذكرى الثالثة للطوارئ، تعرض الأمن المصري لعشرات الاعتداءات، بينما ازداد التنظيم قوةً، في العدة والعتاد.

وحسب مصادر متعددة من أبناء سيناء فإنه بات من الواضح من المعطيات على الأرض، أن حالة الطوارئ وحظر التجوال أتت بنتائج سلبية، وليس كما كان متوقعاً، إذ ازداد التنظيم قوةً، وتوسع نشاطه، بينما ازداد عدد القتلى والمهجرين والمفقودين من المدنيين المصريين، الذين راحوا ضحية للتنظيم والأمن المصري. فمنذ أن نفذ التنظيم ذلك الاعتداء الذي كان موثقاً لحظة بلحظة، وحاز انتشارا واسعا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، انضم عشرات الشبان من جنسيات مختلفة، عدا عن المصريين، إلى صفوف "ولاية سيناء"، بعد أن رأوا فيه فرصة للانضمام إلى التنظيم الأم "داعش"، وهذا ما ظهر جلياً في ازدياد اعتداءات التنظيم وتطورها، كهجوم البرث وبئر العبد وزغدان والمطافئ والكتيبة 101، والتي أدت إلى مقتل وإصابة عشرات المجندين من قوات الجيش والشرطة على مدار ثلاث سنوات.

وخلال السنوات الثلاث، في ظل حظر التجوال وحالة الطوارئ، تمدد انتشار التنظيم ليصل إلى مناطق وسط سيناء، ومدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء ومدينة بئر العبد، بعد أن كان انتشار التنظيم يقتصر على بعض قرى مدينتي رفح والشيخ زويد. وشكلت مناطق غرب وجنوب العريش معضلة حقيقية أمام الجيش المصري، إذ لم تنجح محاولات السيطرة عليها طيلة الأشهر الماضية، بينما نفذ التنظيم هجمات إرهابية عنيفة وسط مدينة العريش، انطلاقاً من المناطق سابقة الذكر، إذ تعرض الأمن المصري في المدينة لهجمات متكررة، ذهب ضحيتها عشرات القتلى، بينهم ضباط وقادة في الأمن، بعد أن كانت المدينة بعيدة عن هجمات التنظيم. كما شهدت السنوات الثلاث الماضية، تطورات على صعيد التحالفات في سيناء، خصوصاً بين الأمن المصري ومجموعات عسكرية من قبيلة الترابين، إلا أنها فشلت في إحداث تغيير في المشهد الأمني في سيناء، بل انعكس سلباً، بعد رفض غالبية المواطنين في سيناء هذا التحالف، ولاحقاً تشكل حلف آخر بين مجموعات الترابين وتنظيم "القاعدة"، بعد أن لاقى الأخير تضييقات متلاحقة من تنظيم "ولاية سيناء"، اضطرته للبحث عن دعم يمكنه من إحداث حالة من التوازن في العلاقة مع التنظيم، بما يخفف الضغط القائم على عناصره والملاحقات من قبل "داعش".



وتزامناً مع الذكرى الثالثة أيضاً، يواصل الجيش المصري إنشاء المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة، والتي بدأ العمل فيها بالتزامن مع إعلان حالة الطوارئ في أكتوبر 2014، بتهجير آلاف المصريين من منازلهم. ومنذ شهرين يواصل الجيش تنفيذ المرحلة الثالثة منها، لتصل مسافة المنطقة العازلة إلى 1500 متر من الحدود مع غزة، وما يترتب عليها تدمير مئات المنازل، وتجريف مئات الأفدنة الزراعية.

ويتحدث أحد مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، عما تعرض له المدنيون خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن أكثر من نصف سكان محافظة شمال سيناء، خصوصاً مدينتي رفح والشيخ زويد، تركوا منازلهم قسراً واتجهوا إلى مناطق بئر العبد ومحيط العريش والإسماعيلية ووسط سيناء، بسبب هجمات الجيش المصري وحملاته العسكرية المستمرة، منذ فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال في أكتوبر 2014. ويضيف الشيخ القبلي إنه مع مرور الأيام يزداد الوضع الأمني تعقيداً، إذ يتصاعد نفوذ التنظيم من خلال السيطرة الميدانية والأمنية أيضاً على مناطق واسعة من رفح والشيخ زويد وكذلك العريش، إذ إنه يمتلك أريحية في التنقل بين كل المناطق، على عكس الجيش المصري، الذي بات يصعب عليه إيصال الإمدادات للكمائن والارتكازات الأمنية المنتشرة في مناطق رفح والشيخ زويد منذ سنوات. ويشير إلى أن فشل حالة الطوارئ وحظر التجوال في سيناء يؤكد أن الحل الأمني بات فاشلاً، كما كانت تنص المبادرات السيناوية للحل طيلة السنوات الماضية، إذ يتطلب الحل جذب المواطن المصري في سيناء، خصوصاً البدو، إلى ناحية الدولة، من خلال إعطائهم حقوقهم كمصريين، والتعامل معهم كبقية الشعب. وبناءً على ما سبق، يظهر فشل حالة الطوارئ في سيناء، إذ لم تكن مفروضةً إلا على المدنيين، فيما يتنقل عناصر التنظيم وقتما أرادوا في كل المناطق التي يشنون هجماتهم فيها، إلا أن النظام المصري وجيشه لم يتجها إلى تغيير نمط التعامل مع المشهد الأمني في سيناء. وعليه، ستبقى مناطق وسط وشمال سيناء ملتهبة من الناحية الأمنية، مع استمرار الصراع القائم بين النظام و"ولاية سيناء" في فرض السيطرة على تلك المناطق، بينما يعتمد التنظيم، أسلوب الهجمات المباغتة، من دون التمركز في مواقع ثابتة، يستطيع الجيش ضربها، جواً أو براً.