رئاسيات إيران تشتعل على وقع خطابي الانفتاح والتشدد

رئاسيات إيران تشتعل على وقع خطابي الانفتاح والتشدد

12 مايو 2017
ينتظر الإيرانيون إجراء المناظرة الأخيرة اليوم (فرانس برس)
+ الخط -
احتدم التنافس بين المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية، مع اقتراب موعد الاقتراع في 19 مايو/ أيار الحالي. واصطف المرشحون في جبهتين. وبات الرئيس الحالي، حسن روحاني، المدعوم من نائبه المرشح الإصلاحي، إسحاق جهانغيري، على ضفة، تقف في وجه الجبهة المتمثلة بشكل أساسي من مرشحين محافظين اثنين، إبراهيم رئيسي ومحمد باقر قاليباف. ويتفق هؤلاء الثلاثة على أهمية الشعارات الاقتصادية، فهم يعلمون أن من يقدم الحلول الأمثل للمشكلات المعيشية سيجر عدداً أكبر من الناخبين نحو صناديقه. لكن حين يتعلق الأمر بملفات السياسة، الداخلية والخارجية، على حد سواء، يبدو خطاب كل من الجبهتين متناقضاً تماماً، وكان هذا كفيلاً بإشعال حرب شعواء بين المتنافسين الثلاثة خلال الأيام الأخيرة.


المعتدل حسن روحاني، الذي يرفع ورقة الاتفاق النووي عالياً، والتي يصفها كثر بالورقة الرابحة كونها خلّصت الإيرانيين من حظر اقتصادي استمر لسنوات طويلة، كان جريئاً في طرح ملفات استطاعت فتح نار المحافظين نحوه، لكنها سلطت الضوء على قضايا تعني الناخب الإيراني في الوقت ذاته. وفي تصريحاته أخيراً، اتهم روحاني المحافظين صراحة باغتصاب حقوق الإيرانيين. ورأى، في المقابل، أن حكومته نجحت في فتح الباب نحو الخارج، فحسنت علاقاتها مع الآخرين، لا بل واستأنفت تصدير النفط، وهو من أهم ثروات البلاد. وجاء هذا بعد سنوات من التشدد في الداخل، معتبراً أنه كان أحد مسببات الحصار. ويركز روحاني، في حملته الدعائية الانتخابية هذه المرة، على شعارات الحرية أيضاً، داعياً الإيرانيين إلى انتخابه لينهوا معاً زمن المتشددين، الذين حكموا البلاد لثمانية أعوام، ولم يتقبلوا أي انتقاد، وأغلقوا مواقع التواصل الاجتماعي. بل وقال إن "الإيرانيين سيثبتون يوم الاقتراع أنهم لا يريدون من هم على قناعة بجدوى فرض عقوبات السجن والإعدام طيلة الـ38 سنة الماضية، هي عمر الثورة الإسلامية". وعزف روحاني على وتر التحرر كثيراً، وحذر المواطنين من انتخاب رئيس سيعود إلى تشييد جدران فصل بين النساء والرجال في الشوارع. وقد تلاقي شعاراته هذه آذاناً صاغية من قبل فئة الشباب وساكني المدن الكبرى، لكنها في الوقت ذاته جعلته محط انتقاد لاذع.

المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي، كان لروحاني بالمرصاد. وقال له صراحة إن المحافظين الذين سيتسلمون الدورة الرئاسية المقبلة سيبنون جداراً بالفعل، لكنه سيكون بين ناهبي الأموال والمواطنين. وهذا المرشح على قناعة بأن محاكمة قضايا الفساد والاختلاس ستجر كثراً لانتخاب مرشح محافظ. وساندت مواقع كثيرة رئيسي في حملته الشعواء ضد روحاني، ونشرت وثائق تعود إلى الثمانينيات، حين طالبت بعض الشخصيات بالفصل بين الذكور والإناث في الجامعات، وهم وزراء في حكومة روحاني الراهنة، ما جعل موقفه غير مبرر. ولم يكتف رئيسي باتهام روحاني بإطلاق وعود فارغة والإصرار على الترويج لخطابات قال إنها انتخابية فحسب، ولن تتحقق على أرض الواقع، لكنه ركز كذلك على الخطاب المرتبط بالسياسة الخارجية، محاولاً الترويج لخطاب المحافظين من جديد. ولم يهدد رئيسي بتمزيق الاتفاق النووي، كما أجمع مع حليفه قاليباف على أهميته لإيران، لكنهما تحفظا على مكتسباته، وعلى اعتبار البعض بأنه كان الإنجاز الذي أبعد شبح الحرب عن البلاد. ولم يتوان هذا المرشح عن التأكيد على أن المفاوضين النوويين قد حققوا إنجازاً بالفعل، لكنه ركز على وجود إشكالات جدية في نص الاتفاق.


وفي الوقت الذي تشغل فيه الحرب على الإرهاب المجتمع الدولي، لا يعد المجتمع الإيراني منفصلاً عن هذه المعادلة. وحين فضّل روحاني التركيز على تطوير العلاقات مع الآخرين، يبدو أن رئيسي، راعي "العتبة الرضوية"، يرى في خطاب "دعم محور المقاومة" قدرة على شد مؤيدين من الشارع لصالحه. وأشار، خلال حوار تلفزيوني تم بثه ليل الأربعاء، إلى "التزامه بدعم المقاومة في لبنان، وسورية، وفلسطين وحتى اليمن"، معتبراً أنها تمثل امتداداً للثورة الإسلامية في إيران. ولم ينسَ الإشارة إلى المدافعين عن "الحرم"، وهي التسمية التي تطلق على العسكريين الإيرانيين في كل من سورية والعراق، قائلاً إن هؤلاء أبعدوا الحرب عن الحدود الإيرانية، بدلاً من أن يشهد الكل على وقوع هجمات في شوارع العاصمة طهران. وعاد رئيسي ليركز على دعم سياسة حماية المستضعفين والمظلومين، سواء في إيران أو المنطقة، وهو خطاب أوصل محمود أحمدي نجاد إلى كرسي الرئاسة سابقاً، ويمكن وصفه بالمحافظ بامتياز، فيما يصر "المعتدلون" والإصلاحيون على الانفتاح والتقارب مع الغرب بالدرجة الأولى.

أما عمدة طهران، محمد باقر قاليباف، فهو الأكثر حدة في شن هجماته ضد منافسه الأول، حسن روحاني. وتنشر المواقع المؤيدة له باستمرار وثائق تدل على إخفاقات الرئيس، بل ويعمل جاهداً على مصادرة كل شعاراته، بالقول إن من يتحدث عن الانفتاح لا يتقبل الانتقاد في المقابل، ويسكت كل من يقف ضده، حسب تعبيره. ووصف قاليباف تصريحات روحاني، التي تخيف الإيرانيين من سياسات المحافظين، بالمضحكة، لكنه كان يركز أكثر على شعارات الاقتصاد، في وقت يروج حليفه رئيسي للشعارات السياسية المحافظة. وبين هذا وذاك، تختلف نتائج استطلاعات الرأي بين يوم وآخر، وتتفاوت بحسب الجهة التي تجريها. ففي حين تحدثت بعض المراكز عن تقدم روحاني ومن بعده رئيسي وقاليباف، ليأتي بعد هؤلاء بقية المنافسين، أكدت مواقع ثانية تصدّر رئيسي للنتائج. وينتظر الإيرانيون إجراء المناظرة الثالثة والأخيرة، اليوم الجمعة، التي ستبحث تفاصيل مشكلات الاقتصاد، والتي تتفاوت حلولها أيضاً اعتماداً على الانفتاح تارة، وعلى التشدد تارة أخرى.

المساهمون