يا ظريف الطول وقف تقلك رايح علغربة وبلادك أحسنلك

يا ظريف الطول وقف تقلك رايح علغربة وبلادك أحسنلك

01 نوفمبر 2015
من أجل حفظ الذاكرة الفلسطينية في المهاجر(العربي الجديد)
+ الخط -
تاريخياً اعتبر الفلسطينيون، كما بقية العرب، أن الفنون حالة إنسانية للتعبير عما يدور في مجتمعاتها، والفلسطينيون في هذا الاتجاه مزجوا فنونهم بقضيتهم الوطنية كمدخل أساس بصبغة دور بارز وناقل للثقافة الوطنية من جيل لآخر.
في المخيم، حتى لو كان العرس على سطح منزل أو في شارع أو في حارة ما، كان لابد أن تحضر فلسطين وقراها غناء ودبكة حتى يردد الأطفال الصغار ويحفظوا ذلك التاريخ وتلك الجغرافيا التي لم يغيبها موت جيل ممن خرج من النكبة قبل عقود في زمن المخيم. لم يقف الفن عند الموسيقى والغناء، وتأسيس فرق وإدخال أدوات عدة إلى وسائل إيصال الرسالة بما فيها القربة التي عدت جزءاً من حالة ذلك الفن مع النحاسيات وغيرها من الأدوات. فالفن التشكيلي اعتبر، أيضاً، كبقية الفنون سبيلاً لخدمة ذاكرة وتاريخ لا يجب أن يندثرا كما تخيل المحتل بأيدولوجية الاحتلال والسرقة لكل ما هو فلسطيني أصيل.
اللافت في الفنون الفلسطينية، ومع انتشار مئات آلاف الفلسطينيين في بلاد الشتات الأوروبي والغربي عموماً، نقلها تراث وطني، على الرغم من كثير من المحظورات الدينية التي لا داعي للخوض فيها الآن، فالإرث نقل التراث الشعبي معه على الرغم من كل المعوقات، وخصوصاً منه الموسيقي وجلب أدواته التي كانت تستخدم في مخيمات الشتات لتكون جسر تواصل لذلك الفولكلور الذي يقف، أيضاً، جيل مولود في المهاجر يردده ويتعلمه مثلما تعلمناه نحن في
منطقتنا السابقة سواء في مخيمات فلسطين نفسها أو داخل الخط الأخضر وخارجه.
ليس مشهداً غير طبيعي أن ترى انتشار الثوب الفلسطيني ترتديه فتيات صغيرات يتعلمن الحركة وبإتقان مع صوت "الدلعونة يا دلعونا وراجع يا ظريف الطول"... راجع إلى أين؟ جواب الصبية أو الشاب هو: إلى فلسطين... وهي الصورة التي قد ترى فيها حلقات الدبكة تتشابك فيها أياد غربية مع فلسطينية وعربية لتصدح وتقلد الحركة وتصفق لذكر "عالرباعية عالرباعية رافعين الراس الفلسطينية"... بدندنة الأطفال بعمر سنوات صغيرة وبتكرر ذلك الفن عرساً وفي سمر الليالي وفي الاحتفالات الرسمية كيوم الأرض والنبكة اللتين تحييهما الجاليات بوجود حشود من جمهور غربي وبأناقة اللباس ورشاقة الحركة، هي الصورة الصادقة التي يتلقاها المتلقي الغربي بنسف كل الرواية الصهيونية التي فشلت في سرقة ثوبنا ويرغولنا والفلافل حتى.
إن قصبة بسيطة وربابة ويرغول منقولة مع غيرها من الأدوات الفنية تبهر جمهوراً لا بد له أن يفكر أن شعبنا ليس كما يصور في البروباغندا الدعائية عن "تحضر المحتل" و"همجية الفلسطيني"، فالمحتل وأصدقاؤه في الغرب يغيظهم أن يحافظ الجيل على ثقافته، وإن كنّا تطرقنا فقط لجانب بسيط منه، وبقيام فرق سويدية بإعادة غناء بعض أغاني الفلسطينيين، وتحديداً النشيد الوطني "فدائي فدائي"، مع ترجمة نصية، مثلما تنتشر في عدد من دول الغرب دعوات لفرق دبكة وفولكلور فلسطينية من صغار ولدوا بين هؤلاء وتعلموا تراثهم من بيوتهم هو، أيضاً، نضال تثبيت قضية فلسطين بين الأجيال... ومثلما يصعب أن تجد بيتاً فلسطينياً لا يحوي الزعتر والميرامية سيصعب أن لا تجد من لا يجيد "يا ظريف الطول وقف تقولك" أو أداء الدبكة... يصعب أن ترى عرساً فلسطينياً في الشتات الغربي دون أن يكون التراث حاضراً وبقوة وتقاطر الشباب والشابات إلى وسط الساحة لأداء الدبكة... باختصار الفن سفارات ومؤدوه سفراء قضيتهم، ووفاء لإرث لا يجب أن يندثر تحت أيّ حجة.
(عضو سابق في فرقة العاشقين ومسؤول الملف الثقافي في الهيئة الإدارية لاتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا)

المساهمون