وما شأنكم أنتم بالصين؟

وما شأنكم أنتم بالصين؟

13 يونيو 2020
+ الخط -
منذ بدء جائحة كورونا، لا يملّ عاشقو الاستبداد العرب عن التغزّل بالنموذج الصيني، الأكثر كفاءة، والأقرب إلى "طبيعة شعوبنا". وبغض النظر عن تعمدهم إغفال الدور الصيني في نشأة الوباء أصلاً باضطهاد الأطباء الذين اكتشفوه، وكذلك تعمّدهم إغفال ذكر نماذج أخرى انتصرت على الوباء في بلاد ديمقراطية، مثل كوريا الجنوبية وفيتنام ونيوزيلندا، الأهم هو إغفال طبيعة النظام الصيني أصلا، فهو حقا سلطوي استبدادي، لكنها سلطوية الطبقة السياسية أو المؤسسة، لا الفرد. 
لا تعدّدية حزبية فعلا، لكنّ هناك حزباً حقيقياً. تبلغ عضوية الحزب الشيوعي الصيني 90 مليون فرد، تجري بينهم انتخابات تصعيدية للوصول إلى 2300 مندوب، ينتخبون نحو 400 عضو في اللجنة المركزية التي تنتخب 25 عضوا في اللجنة السياسية التي يُنتخب منها الرئيس. وتم تعديل الدستور الصيني عام 1982 ليحدد ولاية الرئيس بفترتين، على نمط الدساتير الغربية، وتتالى خمسة رؤساء منذ ذلك الوقت، غادر أربعة منهم المنصب بكل سلاسة، بينما تم تعديل المادة في 2018 لصالح الرئيس الحالي شي جين بينغ. لماذا لا يرى "أولتراس" الاستبداد العربي أن ذروة النجاح الصيني تحقق تحديدا في العقود التي شهدت آليةً مرنةً لتداول السلطة، ولو داخل الفئة الحاكمة نفسها؟
وفي السياق نفسه، تشهد الصين نظام حكم محلي قوي، فحكّام المقاطعات يتم انتخابهم من المجلس الشعبي للمقاطعة. لا يخجل عاشقو النموذج الصيني في مصر على سبيل المثال من أنفسهم بينهم، هم يعيشون في دولة شهدت آخر انتخابات محليات مزورة في عام 2008، ولم تشهد في تاريخها أي انتخاب للمحافظين، بل ظل تعيينهم وعزلهم في أي وقت حقا حصريا لرئيس الجمهورية.
لطالما كانت فعالية الاستبداد الصيني في إنفاذ القرارات التنموية عامل إعجاب عربي، وهذا قد يكون صحيحاً على المستوى الجزئي. في كتاب "بلايين من المستثمرين"، يقارن الاقتصادي الأميركي، تارون خانا، بين الهند والصين، بين أكبر ديمقراطية في العالم وأكبر سلطوية في العالم، حيث تشهد كل منهما طفرة على طريقتها. يعقد مقارنة بين آلية تنفيذ مشروع تنموي يرتبط بتطوير منطقة صيد تقليدي، في الصين يكفي اتخاذ القرار لتُزال القرية بمن عليها ويُسحق المعترضون، بينما في الهند يستخدم السكان آليات انتخابية وقضائية للتفاوض حول الحفاظ على نمط معيشتهم، وحول التعويضات العادلة. يستغرق هذا وقتاً أطول، لكنه بكلفةٍ إنسانية أقل.
وبمد الخط، فإن العاشقين العميان لا يدركون الأثمان التي قد يدفعونها هم أنفسهم. لا ضمان أنكم ستحافظون على مكتسباتكم الخاصة في الطبقات الوسطى والعليا.
وُلد النظام الصيني من رحم حرب أهلية دموية بين 1927 و1950، أسفرت عن نحو ثمانية ملايين قتيل عسكري ومدني، وهيمنة مطلقة وعنيفة للحزب الشيوعي، هي ما سمح بإطلاق ماو تسي تونغ خطة "القفزة العظيمة إلى الأمام" من 1958 إلى 1961، وشملت مصادرة الملكية الزراعية الخاصة بالكامل، وتم تسخير الشعب لزراعة محاصيل تتم مصادرتها لصالح الحصول على آلات صناعية من الاتحاد السوفييتي، والنتيجة مجاعة أسفرت عن مقتل ما بين 18 و45 مليون صيني.
تعرّض ماو تسي تونغ للانتقاد داخل الحزب بسبب فشل الخطة، وتم تهميشه، وهو ما أسفر عن محاولته العودة بإطلاق "الثورة الثقافية" عام 1966، بتحريض مليشيات شبابية ضد القيادات القديمة في الحزب، ما أسفر بدوره عن مئات آلاف الضحايا. ثم تمت مراجعة تالية داخل الحزب بمجرّد وفاة ماو، وحوكمت "عصابة الأربعة" التي شملت مساعديه، وتولى جناح التحول الرأسمالي الذي أجرى إصلاحاتٍ سياسيةٍ واقتصادية، حتى وصلنا عام 2018 إلى مشهد قرار خروج الجيش الصيني من كل الأنشطة الاقتصادية المدنية، وذلك بعد إقالة قادة فيه بتهم فساد تم إعلانها رسميا. نلحظ هنا تعدّد الأجنحة وآليات تنافسها داخل الحزب الواحد، وهو ما يغيب في دولة الفرد الواحد.
العاشقون العميان للنموذج الصيني يشبهون الدكتاتور المخبول في مسرحية "تخاريف"، الذي قرأ أول فصل في كتاب الاشتراكية، تملك الدولة كل شيء، ثم أغلق الكتاب.

دلالات