وزير عدل مرسي لـ"العربي الجديد": القضاء شريك في الانقلاب

وزير عدل مرسي لـ"العربي الجديد": القضاء شريك في الانقلاب

18 مايو 2014
سليمان: لم تتعاون معنا أجهزة الدولة (العربي الجديد)
+ الخط -

قرّر المستشار أحمد سليمان، آخر وزراء العدل في عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، الخروج عن صمته، والكشف عن تفاصيل جديدة بشأن كواليس المرحلة التي سبقت انقلاب الثالث من يوليو/ تموز الماضي، في لقائه مع "العربي الجديد".

وأكد أنه قبل الثلاثين من يونيو/ حزيران الماضي، وخلال توليه وزارة العدل، بعث بخطاب رسمي إلى مرسي، يشكو فيه من تواطؤ أجهزة سيادية وامتناعها عن تقديم معلومات وأدلة تدين رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهو ما أدى إلى حصول معظمهم على أحكام بالبراءة.

واضاف أن القضاة كافة، الذين يصدرون أحكاماً مجحفة ضد الرافضين للانقلاب في الوقت الراهن، وفي مقدمتهم قاضي جنايات المنيا المعروف بـ"قاضي الإعدامات"، ارتكبوا جرائم جنائية ودستورية "لا تسقط بالتقادم". 

- ما مصير قضاة "تيار الاستقلال" في ظل ملاحقتهم من السلطة الحالية؟

* لا شك أن القضاء المصري يمر بأسوأ فتراته، وهناك دلائل كثيرة على ذلك، أهمها الإخلال بمبدأ المساواة في التعامل مع القضاة؛ ففي الوقت الذي يُنَكّل فيه بقضاة معارضين للنظام الحالي، فتح رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند، ومعه محمد عبد الرازق، ومحمد عبد الهادي، أبواب "نادي القضاة" لحركة "تمرد"، لتوقيع استمارات انضمام القضاة إلى الحركة في سابقة لم تحدث في تاريخ القضاء المصري نهائياً، ما يعدّ اشتغالاً صريحاً بالسياسة.

كما انضموا للحركة في ميدان التحرير، وهناك مقاطع فيديو لهم بالصوت والصورة، وقدمت ضدهم العديد من البلاغات، ومنها قبل 30 يونيو/ حزيران، ولم يتحرك "مجلس القضاء الأعلى"، بينما "قضاة تيار الاستقلال"، بمجرد صدور بيانهم الذي أذيع من شارع الطيران في القرب من ميدان رابعة العدوية، انهالت الإجراءات في لحظتها، واجتمع النادي في اليوم ذاته، وقرر شطب عضوية القضاة خلافاً للائحة التي لا تجيز هذا الشطب.

- بعد الفترة التي كنت فيها في وزارة العدل، هل بالفعل تيقّنت أن هناك "دولة عميقة" تعمّدت إفشال مرسي؟

* بدأ التخطيط لإفشال مرسي منذ اليوم الأول لدخوله القصر، ورفضت الأجهزة التنفيذية التعاون معه، والوزارات كانت تعطيه بيانات وتحريات وأرقاماً مغلوطة، كما أن وزير الداخلية محمد إبراهيم، قال بعد 30 يونيو/ حزيران، إنهم أعادوا عمل "جهاز أمن الدولة" من دون علم الرئاسة، كذلك "جهاز الكسب غير المشروع" رفض التعامل معه.

هناك بالفعل "دولة عميقة"، وهذا يوضح مدى خطورة الدور الذي لعبه "نادي القضاة" بقيادة المستشار الزند، والذي قال صراحة سأشتغل بالسياسة، وطالب القضاة بالاشتغال بالسياسة، على الرغم من أنه محظور على القضاة، ولكن كان لصالح الدولة العميقة، فلم يكن فقط ضد "الإخوان المسلمين" وإنما لصالح نظام مبارك، ومنذ شهرين أرسل الزند لمبارك برقية تحية وثناء وهو في السجن وقيد المحاكمة. 

-  هل واجه مرسي مثل هذا الدور السياسي للقضاة بخلاف قانون خفض سن تقاعدهم؟

* المشاكل كانت معقدة، وأخطرها كان السعي لإفشاله، فمنذ البداية، وحتى قبل أن يبدأ وأثناء جولة الإعادة بينه وبين أحمد شفيق، طالبوه بأن يتنازل لصالح حمدين صباحي، وهناك حقيقة ظهرت بعد ذلك، تفيد بأن الرغبة كانت في إقصاء تيار الإسلام السياسي عن الحكم، وهذا الكلام قاله الكثيرون وفي مقدمتهم وزير الخارجية الحالي نبيل فهمي. 

- كيف تقيّم الوضع الآن؟

* عام حكم مرسي، كان عام كل المصريين في اعتقادي، ولن يروا مثله مرة أخرى خصوصاً في مجال الحريات. فالدكتور مرسي كان يتعرّض للسب والشتم في وسائل الإعلام على مدى 24 ساعة يومياً. في المقابل أول خطوة للانقلاب كانت إغلاق القنوات ومصادرة حرية الإعلام حتى الآن، والتضييق على الصحف، وكل يوم يتم منع كاتب صحافي من الكتابة.

الآن أجهزة الدولة لا تتحمل فتاة تحمل شعار رابعة، كما أن التقرير الخاص بـ"المجلس القومي لحقوق الإنسان" بشأن الانتهاكات التي وقعت عقب الثالث من يوليو الماضي، وعلى الرغم من أنه مجلس حكومي وديكوري، إلا أنه وضع تقريراً استاء فيه ممّا جرى، لأن ما حدث يفوق الخيال، فهناك توسّع رهيب في السجن الاحتياطي من دون ضوابط، وتجديد الحبس للمتهمين من دون عرضهم على النيابة، وعدم معرفة أماكن بعض المعتقلين، ووجود كثير من الأطفال والنساء بين المعتقلين.

كذلك المحاكمات؛ فعلى سبيل المثال، أحال قاضي جنايات المنيا 683 متهماً وبعدها 529 للمفتي، من الجلسة الأولى في القضية من دون أي اعتبار للإجراءات القضائية، فالمحاكمة تعني عرض أدلة الاتهام على المتهمين ليبدي كل منهم دفاعه ورأيه بشأن الدليل، ويتم سماع شهادة شهود الإثبات والنفي، ثم يتم فض الأحراز، ويُعطى كل متهم فرصة كاملة للدفاع.

الإخلال بحق الدفاع جريمة بحسب الدستور الحالي والسابق، ولا تسقط بالتقادم، أي أن القضاة الذين أصدروا هذه الأحكام، ارتكبوا جريمة وفقاً للمادة 99 من الدستور الحالي، وهي جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، ومع هذا، نجد وزارة العدل تحتضن هؤلاء القضاة وتدافع عنهم، وتقول إنه لا يجوز التعليق على الأحكام.

للأسف، أمثال هؤلاء القضاة يكونون محل حماية، ومنهم القضاة المتهمون بتزوير الانتخابات وبالاستيلاء على أراضي الدولة، كالزند ورفاقه.

- ماذا تتوقع حيال مصير المستشار الغرياني، والمستشار محمود مكي وقضاة "تيار الاستقلال"؟

* علمنا أن هذه القضية قد أرسلت بالفعل إلى وزارة العدل، وتمت مخاطبة الجهات القضائية الأخرى لإحالة أعضائها المتهمين بالاشتراك في حركة "قضاة من أجل مصر" للتأديب، وهذه الهيئات قد رفضت الإذن بسؤال أعضائها أمام قاضي التحقيق، وأتوقع أنه لن يحال أحد منهم للتأديب. أما بالنسبة للقضاء العادي فأتوقع أن يحال عدد من هؤلاء القضاة، وعلى رأسهم المستشار ناجي دربالة، للجنايات. في حين أن سلطة وزير العدل في الإحالة هنا محل انتقاد، لأنها تمثل تغوّلاً من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية. ففي بداية عهد وزير العدل الأسبق أحمد مكي، كان الزند يطالب بنقل التفتيش القضائي وصلاحيات وزير العدل لـ"مجلس القضاء الأعلى"، أما الآن فلا نسمع له صوتاً ولا مطالبة بذلك.

- نحن بصدد انتخابات رئاسية نهاية الشهر الجاري، وبدأ جزء منها في الخارج، فما توقعك لها في الظروف التي تمر بها البلاد؟

* الجو العام في مصر في غاية السوء، فهناك قهر وكبت، وتقييد للحريات، وموازين مختلة، فتجد إعلامية تُحبَس لأنه عثر معها على شارة رابعة مثلاً.

-  في تقديرك متى أدرك مرسي أنه أمام انقلاب على الشرعية؟

* لا شك عندما يصدر بيان من القوات المسلحة، وبعدها تقول الرئاسة إنها لم تكن على علم به، فهذا معناه أن المسألة اتضحت في هذا التوقيت.

- لقد عاصرتَ اجتماعات مشتركة مع عبد الفتاح السيسي بصفته وزيراً للدفاع في حينها. كيف كان يتعامل مع الرئيس والمحيطين به؟

* كان تعامله عادياً جداً كأي وزير من دون أي تجاوز، وكان يلتزم حدوده.

- هل طرح السيسي أي تصور على مجلس الوزراء خلال الخلاف مع "جبهة الإنقاذ" لحل الأزمة السياسية؟

* هذه المسالة كانت سابقة على تولي الوزارة بالنسبة لي. ولكن الوزير يحيى حامد، كان قد أوضح هذه المسألة، وكشف أنهم كانوا قد عرضوا على السيسي موافقات على أمور كانت قد عرضتها "جبهة الإنقاذ"، والسيسي نفسه أبدى ترحيباً بها وطلب إمهاله فترة قصيرة للرد، وبعدها رد على الرئاسة، وقال إن قادة الجبهة غير موافقين.

- خلال وجودك في الوزارة كيف كنت ترى تعامل أجهزة الدولة مع الرئيس؟

* لم يكن هناك أدنى تعاون معنا من جانبهم، وأنا شخصياً أبلغت الرئيس عدم تعاون بعض الأجهزة مع "جهاز الكسب غير المشروع" في ما يتعلق بقضايا رموز مبارك؛ ورفضت أجهزة سيادية إمدادنا بمعلومات أو أي بيانات ضد رموز مبارك. وكانت هناك واقعة مثبتة في أمر مماثل، فالشخص الذي تم انتدابه من إحدى الأجهزة لعرض الأدلة الخاصة بـ"موقعة الجمل"، قام بإتلاف شريط الفيديو الخاص بتفريغ الكاميرات متعمّداً.

- وهل كانت هناك أجهزة بعينها رفضت التعامل؟

* تقريباً الأجهزة كافة، ما عدا الجهاز المركزي للمحاسبات، وهذا هو سبب الحرب على المستشار هشام جنينة لأنه كشف الفساد في بعض الجهات، وبدلاً من أن يتم محاسبة تلك الجهات، تتم مهاجمة جنينة، لأنه قام بكشف هذا الفساد. 

-  بحسب خبرتك القضائية، هل ستفضي الدعوى القضائية التي تقدم بها التحالف الوطني لدعم الشرعية أمام المحكمة الجنائية الدولية إلى شيء؟

* أغلب الظن أن الأهواء السياسية تتحكم في مثل هذه الدعاوى، والقانون الدولي، للأسف الشديد، تحكمه قاعدة، وهي أن القوة تنشئ الحق وتحميه. على سبيل المثال، الولايات المتحدة ضربت العراق على الرغم من أنف مجلس الأمن، وقامت بتدميره. للأسف المواثيق الدولية لا يعوّل عليها كثيراً لأنه سهل جداً اختراقها وإهدارها.

- إذن، كيف ترى المحاكمات التي تجري داخل مصر في الوقت الراهن ضد الرافضين للانقلاب؟

*محكمة النقض قالت بشكل واضح إنها لا تأخذ بمحضر التحريات الذي يعده ضباط الشرطة كدليل، لأنها من وجهة نظر المحكمة، هي معبّرة عن رأي الضابط الذي قام بإجرائها، فإذا لم يكن في القضية سوى محضر التحريات فقط، لا يمكن التعويل عليه، وهذه هي سمة الأحكام منذ أنشئت محكمة النقض حتى الآن.

وفي الوقت الراهن، كافة القضايا التي ينظر فيها القضاء لا تتضمن أي دليل سوى تحريات أمن الدولة، وهذه التحريات غير ملزمة للقاضي. وعلى سبيل المثال، قضية جنينة، تحديداً، ليس فيها أي أدلة سوى التحريات، وهذا أيضاً حال باقي القضايا التي تعرض على القضاء في هذا التوقيت.

ففي قضية تأسيس "قضاة من أجل مصر" لا يوجد دليل واحد، وعلى الرغم من ذلك، قالوا إنه ستتم إحالة القضاة الذين أُحيلوا إلى المعاش التقاعدي مثلي (المستشار حسام الغرياني، المستشارين أحمد مكي ومحمود مكي، وهشام جنينة) للجنايات، من دون إسناد واقعة واحدة ضدنا لا شهود ولا مستندات ولا حتى تسجيل تلفزيوني أو صوتي.