هيئة الإعلام العراقي تخنق حرية التعبير

هيئة الإعلام العراقي تخنق حرية التعبير

29 ابريل 2016
رابع قرار بإغلاق مكتب قناة "الجزيرة" في العراق (Getty)
+ الخط -
للمرة الرابعة، يصدر قرار إغلاق مكتب قناة "الجزيرة" في العاصمة العراقية بغداد، بعد ثلاثة قرارات سابقة في أعوام 2003 و2004 و2015. حيث أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية التي تسيطر على مفاصلها قيادات حزب الدعوة بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، قراراً بغلق مكتب القناة، استنادًا إلى ما زعمت الهيئة بأنّه "مخالفة القناة للضوابط المعتمدة من قبل هيئة الإعلام"، والذي تنفيه قناة "الجزيرة".

القناة استنكرت بدورها قرار هيئة الإعلام والاتصالات العراقية سحب ترخيص العمل الممنوح للشبكة، وإغلاق مكتبها في العاصمة العراقية، ومنع الزملاء فيه من مزاولة مهام عملهم الإعلامي. وأكدت الشبكة التزامها بسياستها التحريرية في تغطية الشأن العراقي وتطورات الأحداث الجارية فيه، وتمسكها بالثوابت المهنية الواردة في ميثاق الشرف المهني الخاص بها، والتزامها في كل تغطياتها وبرامجها بأرقى المعايير المهنية العالمية التي تبنتها منذ انطلاقها، مشددة على أن قرار هيئة الإعلام والاتصال العراقية يتناقض مع نهج الحكومة العراقية وتعهدها بضمان حرية التعبير.

إقفال مكتب القناة ومنعها من العمل ليس عملاً منفرداً، إذ إنّ الانتهاكات التي تواجه العمل الإعلامي وحرية التعبير في العراق كثيرة. فقد كانت الحكومة العراقية قد اتهمت عام 2013 شبكة "الجزيرة" و9 قنوات فضائية أخرى بتأجيج المشاعر الطائفية التي تذكي العنف، وفي يناير/ كانون الثاني 2015 أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية قراراً بإغلاق 12 قناة، بينها بغداد والبابلية والفيحاء والعز والتغيير والغربية وسامراء والفلوجة.


وفي هذا الصدد، يعتبر الإعلامي مهدي شعنون، "أن الوسط الإعلامي بات يواجه عوائق وحربًا معلنة". ويضيف: "من الواضح للعيان أن أغلب قرارات هيئة الإعلام كانت تخضع لمعايير بعيدة تمامًا عن المهنية وتعمل على تمرير رغبات وأهداف كتل سياسية معينة لطالما استخدمت هذه القرارات كوسيلة ضغط على وسائل الإعلام المهنية التي لا تتفق مع رؤيتها حيال الأحداث في العراق". ويشير إلى أنّ "قرارات الهيئة جعلت من فضاء الحرية ضيقا جدا وحق التعبير محفوفا بالمخاطر وبما لا يتماشى ولا يتناسب مع حرية الإعلام التي نص عليها الدستور العراقي".

ويؤكد شعنون لـ"العربي الجديد"، "أن إغلاق مكتب قناة الجزيرة وقنوات أخرى هو أمر مرفوض ولا يمكن القبول به، ولا سيما أنه يأتي تنفيذا لرغبات جهات سياسية ولا علاقة له بأي مخالفات ارتكبتها هذه القنوات، بالتزامن مع تغاضي هيئة الإعلام عن قنوات أخرى لا تدخر جهدا في نشر الكراهية والتحريض بين مكونات الشعب العراقي"، مشيرًا إلى أنّ عملية تكميم الأفواه وحجب الحقيقة لم تعد أمرا ناجعا في ظل انتشار صحافة المواطن ومنصات التواصل الاجتماعي التي بدورها تعمل على نقل الوقائع اليومية لحظة حدوثها، حتى أن صدى تلك المنصات والمواقع يغلب عمل أي قناة فضائية عربية وعالمية؛ بل إن تلك القنوات باتت تعتمد بشكل كبير على السوشيال ميديا والصفحات الإخبارية في إعداد تقاريرها"، متسائلاً "هل يمكن إغلاق كل المواقع والصفحات الشخصية التي يتابعها مئات الآلاف من المتابعين؟".

وتعاني حرية الصحافة في العراق من انتهاكات ومعوقات كثيرة ومستمرة، ما جعل البلاد تُصنّف في المرتبة 158 بحسب التصنيف السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" للعام 2016. وانخفض بذلك العراق مرتبتين على مرصد الحريات، جراء كمّ الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون على أرضه، من قبل السلطات العراقية أو المليشيات المسلّحة أو حتى من تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش".

وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إنّ الصحافة في بلدان مثل العراق، تعتبر عملاً بطولياً بحدّ ذاته، جرّاء تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب وتنامي الأزمات السياسيّة الحادّة. وأضافت المنظّمة: "إن الاشتباكات المسلحة والعنف السياسي تجعل العراق واحداً من أخطر البلدان في العالم على الصحافيين، حيث يتم استهدافهم من مسلحين ومليشيات تابعة للحكومة ومن مليشيات معارضة بينها "داعش". وتابعت: "قتل الصحافيين في العراق يبقى من دون أيّ عقاب، وإن فُتحت تحقيقات في الأساس، فإنّها تبقى من دون أي نتيجة".

وورد في تصنيف المنظمة، الذي سبق إغلاق قناة "الجزيرة" في بغداد بأسبوع واحد، أنّه "في ظلّ الوضع الهش للصحافيين، تقوم الحكومة كثيراً بإغلاق مؤسسات إعلاميّة بحجّة أنها طائفيّة أو غير حياديّة".



من جهته، يقول الناشط محمد الراوي لـ"العربي الجديد"، إنّ "وسائل الإعلام التي يفرضها الواقع السياسي في البلاد المتمثل بتقاسم السلطة بين الأحزاب التي تمتلك مجمل وسائل الإعلام، على خلفية طائفية وعرقية وهيمنة جهات معروفة المتمثلة بدولة القانون الذي يتزعمه المالكي، وشخصيات سياسية، تقوّض حرية التعبير خوفا من كشف الحقائق الخطيرة". ويعتبر أنّ "هذا ما يؤكد غياب التشريعات القانونية الضامنة لحرية الصحافة وحرية الإعلام التي معيارها الرئيس الوصول الحر للمعلومات والحرية الكاملة والقدرة على نشرها وإذاعتها من دون أي عراقيل ومن دون تحكم الجهات المالكة لوسائل الإعلام".

ويضيف الراوي: "من يتابع وسائل الإعلام العراقية يجدها لا تفرّق بين الإعلام والإعلان، رغم أن الصحافة العراقية تمتعت بعد عام 2003 بمساحة من الحرية، إذ صدرت العشرات من الصحف والمجلات وانطلقت العشرات من القنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية والإذاعات، لكن هذه المساحة من الحرية كانت جزءًا من الفوضى التي اجتاحت البلاد بعد هذا التاريخ وانشغال الحكومات المتعاقبة بالعنف والاحتراب على تقاسم النفوذ والسلطة". ويقول: "نتيجة لذلك، ولأنّ جميع من يتواجد على أرض العراق يدفع ثمن تواجده، فإن الصحافيين يواجهون جماعات العنف المتمثلة بما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والمليشيات التي تسيطر على المرافق الحيوية في العاصمة بغداد، خاصة الوزارات الحساسة، وبالتالي أصبح من السهل تكميم الأفواه في ظل تواجد مافيات تقوم بتنفيذ ما هو مطلوب منها، ولم تعمد الحكومات المتعاقبة كثيرا إلى تضييق الحريات إلا قليلا، كغلق بعض القنوات مثل الجزيرة والشرقية والعربية لمدة شهر، بذريعة التحريض على العنف والطائفية.

ويبيّن الراوي أنّ "من يدفع الثمن هو الصحافي بالدرجة الأساس كونه المستهدف في حال استمراره في عمله وإن كان بشكل متخفّ، والقناة التي تم إيقافها بالدرجة الثانية، وهذا ما جعل الكثير من مالكي وسائل الإعلام أمام خيارات محدودة، فإما الاتفاق المبطن مع الجهات المتسلطة، والعمل دون المساس بالأحزاب والجهات السياسية، أو الانتقال إلى كردستان العراق حيث يجدون مساحة من الحرية في العمل ونقل الحقيقة بدون خوف من ملاحقة المليشيات والابتزاز التي تتعرض لها القنوات والصحف العاملة في بغداد".





ويعتبر أنّ "العراق أصبح الحاضنة الأكبر للإعلام المسيّس وهو الأقوى، الذي يموّل من قبل الإعلام الحكومي الذي تسيطر عليه السلطة التنفيذية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، برغم مخالفته للدستور العراقي، كما أن وسائل الإعلام التابعة للوزارات الحكومية تستخدم في الترويج لشخص الوزير الذي تتبع القناة وزارته، كما تمتلك جميع الأحزاب العراقية وسائل إعلام خاصة بها، وهذه بطبيعة الحال تكون خاضعة لوجهة نظر تلك الأحزاب التي تفرض على الصحافيين العاملين فيها الترويج للحزب والانحياز لجمهوره، والتي يكون تمويلها من المال العام، إلا أنها تعمل على الترويج للحكومة، وليس لنقل الأخبار والحقائق". 

ويصنّف الراوي الإعلام في العراق إلى عدة فئات، منها الممولة، كالقنوات التابعة لإيران، والتي تعتمد أجندات تحريرية تفرضها على الصحافيين العاملين فيها، كما تحرّض غالبا على العنف والكراهية، كذلك الإعلام الطائفي، وقنواته هي الأخطر من حيث تأجيج الصراع الطائفي والتغيير العقائدي، والإعلام المستقل والذي يقتصر وجوده على بعض الصحف وعدد من الإذاعات في مختلف مدن العراق، وهي تعمل بخوف، ما يحدد عملها ويعرّض العاملين فيها للخطر. ويضيف: "لم يبقَ مجال لإعلام مهني ينقل الحقيقة وهموم الشعب العراقي ويكشف عن مافيات وملفات فساد تحاول أن تبتلع العراق وتحكم سيطرتها عليه، ومن هنا إغلاق الجزيرة وأي قناة أخرى تخالف الحزب الحاكم".

المساهمون