هل ينزلق لبنان إلى حرب أهلية؟

29 سبتمبر 2014

اعتصام أهالي الجنود المخطوفين من عرسال (14سبتمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

أمام الشعارات التي صدح بها لاجئون سوريون وأهالي من مدينة عرسال اللبنانية ضد ما تعرضوا له من الجيش اللبناني، أخيراً، يقفز سؤال مرعب إلى الذاكرة: هل يغرق لبنان مجدداً في الحرب الأهلية؟

ما يجعل السؤال مشروعاً بروز احتجاجات وشعارات عنصرية، هنا وهناك، ضد السوريين، تصفهم بـ"العدو"، وإشارة بعضهم إلى أن وضع اللاجئين السوريين يتقارب مع وضع اللاجئين الفلسطينيين سابقاً، بما يحيي ذاكرة الحرب المشؤومة، وبحيث ينقسم لبنان مجدداً، بين دعاة الانعزال على الذات ودعاة الغرق في الشأن السوري، كلّ وفق بوصلة مصالحه، خصوصاً أنّ الأمر مترافق مع توّقف مؤسسات الدولة السياسية عن القيام بواجبها، ما يعطي مشروعية لأسلحة المليشيات التي بدأت تعود إلى الأحياء، مع ترويج صحف ومحطات إذاعية لحق الدفاع عن النفس، حيث أقدمت صحيفة لبنانية، أخيراً، على إعداد ملف عن حق المسيحيين في حمل السلاح، بحجة مواجهة "داعش"، ساعية إلى يجاد بدائل عن الدولة المعطلة، ولإيجاد معطيات على الأرض، تتيح تبرير سلاح حزب الله الذي تحوّل من سلاح مقاوم إلى سلاح ينحر السوريين، ويجر لبنان إلى أتون حرب أهلية. والسؤال الأعمق هنا: لم يبدُ لبنان منذ نصف قرن، وكأنّه يقف على عتبة حربٍ لا تغادره، إلا لتعود وتطرق أبوابه؟

حكمت الجغرافية الوضع اللبناني برمته، إذ حشر بين سورية الملغاة، لصالح نظام مستبد، والكيان الإسرائيلي، اللذين منعا لبنان من التحوّل إلى دولة، ولا يزال هذا المنع قائماً.

ولكن، لا ينجح هذا المنع إلا من موقع الداخل نفسه، لهذا كان لكل منهما، إسرائيل وسورية، امتداد في الداخل اللبناني (أحزاباً وأفراداً وإيديولوجيات وجماعات طائفية وأجهزة إعلامية..)، لحماية المصالح تلك وعرقلة بناء الدولة التي جيّرت في اتفاق الطائف لمصلحة أمراء الحرب الذين وضعوا يدهم في يد النظام السوري، الذي عطّل الاتفاق، حتى بعد خروجه من لبنان (2005) عن طريق أزلامه الذين يتغيّرون وفق تغيّر المصالح والوضع الدولي (تحولات ميشيل عون مثالاً).

يهدف النظام السوري من ذلك إلى جعل لبنان باحة تحت الطلب، قابلة للتفجير حين يتهدّد عرشه، وهو ما نراه، اليوم، من سعيه إلى جرّ لبنان نحو أتون الحرب، بمساعدة أطياف لبنانية كثيرة، ستتهدد مصالحها حال رحل نظام الاستبداد.

ولعل لمحة سريعة على تعاطي النظام السوري والأطياف اللبنانية الدائرة في فلكه، خلال ثلاث سنوات ونيّف، مع ما يجري في سورية، يدل على كيفية توزيع الأدوار لجرّ لبنان إلى اللحظة التي يقف فيها الآن، بدءاً من توظيف ميشال سماحة لنقل التفجيرات إلى لبنان، إلى تدخل حزب الله في سورية، بما استدعى دخول داعش والنصرة إلى الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى التضييق على اللاجئين السوريين في لبنان، بتغطية إعلامية رخيصة، وليس انتهاءً بما يحدث في عرسال، وسط صمت إعلامي وثقافي مريب.

الأهم أنه يجب العمل على قراءة وفهم واستيعاب دور النظام السوري في الحرب الأهلية اللبنانية، وكيف وظف الأمر في خدمة بقائه، على الرغم من أنه كان يواجه تمرداً مسلحاً ضده من الإخوان المسلمين، ليصار إلى فهم ما يفعله، الآن، بدقة، ودور في الأطراف اللبنانية في بيع لبنان على مذبح بقاء النظام السوري.

لا يمكن التكهن بالنهاية التي سيصل إليها لبنان، وعمّا إذا كان سيغرق في الحرب الأهلية مجدداً أم لا (نتمنى أن لا). ولكن، من المؤكد أن النظام السوري الذي شرّد شعبه، وقصفه بالطائرات والسلاح الكماوي واتهمه بالإرهاب، لن يوّفر جهداً في نقل الحرب إلى لبنان، حال كان في ذلك نجاته، فهل يتعظ حلفاؤه اللبنانيون، أم أنهم من الطينة نفسها؟

محمد ديبو
محمد ديبو
باحث وشاعر سوري، من أسرة "العربي الجديد"، من أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، 2014)، خطأ انتخابي (دار الساقي، 2008)، لو يخون الصديق (2008). حاز على جوائز متعددة وترجمت بعض أعماله للإيطالية والانكليزية. له أبحاث ومقالات في الاقتصاد والطائفية.