هل يسمعونها من الأستاذ؟

هل يسمعونها من الأستاذ؟

27 ابريل 2019

داود أوغلو يخاطب شبانا أتراكا في أنقرة (19/5/2019/الأناضول)

+ الخط -
لسنوات أصمّ الرئيس التركي أردوغان أذنيه عن الانتقادات، المتصاعدة ضد أسلوب إدارته في السنوات الأخيرة، وهو ما عنى بالتبعية صمماً أشدّ لدى مؤيديه العرب، وتخويناً منهم لكل منتقد عربي أو تركي، أكثر تطرّفاً من أشد أعضاء الحزب الأتراك ولاءً! من هنا، تأتي أهمية رسالة أحمد داود أوغلو التي أشهرها قبل أيام، فالرجل الذي يلقبه محبوه الأتراك بالخوجا، أي الأستاذ، كان من أهم مُنظري الحزب ومؤسسيه، وهو معروف في الأوساط العربية سواء بفضل كتبه المهمة، أو بفضل مواقفه وزيراً للخارجية ثم رئيساً للوزراء، وبالتالي لا يمكن تصنيفه انقلابياً أو "علمانياً حاقداً"، وإن كان بعضهم أطلق بوقاحة وقت عزله سياسياً عام 2016 أنه "ضعيف" لا يناسب المرحلة. يوجه داود أوغلو في رسالته، بلباقةٍ وهدوء، كل النقاط التي أثارها الناقدون المحبون قبل الكارهين مراراً. انتقد انفراد أردوغان ودائرته الضيقة بالسلطة، محذراً من "ظهور فئةٍ ترى نفسها متفوقةً فوق لجان حزبنا، وتحاول إدارة الحزب مثل كيان مواز"، وأن هذا سبب ضعف الحماسة بمؤسسات الحزب خلال الانتخابات البلدية أخيراً. وانتقد قرارات أردوغان في 2017، بإجبار رؤساء بلديات ينتمون للحزب في ست مدن على الاستقالة، وهو ما اعتبره تجاوزاً لإرادة الناخبين.
انتقد داود أوغلو شبهات تضارب المصالح، محذراً من "فئةٍ وقعت أسيرة أطماعها الشخصية، وباتت تتبع مصالحها الذاتية". وبشكل أكثر صراحة، ألمح إلى أسرة أردوغان بالحكم، "لقد نسي بعضهم أن العمل السياسي وقيادة البلاد منوطةٌ بشخص من يتولى القيادة، من دون تدخل من عائلته أو الدائرة المحيطة به". والمعني هو صهر أردوغان وزير المالية، برات آلبيراق، الذي تتم مقارنته أحياناً بجاريد كوشنير صهر ترامب. انتقد داود أوغلو أيضاً التجاوزات الحقوقية بعد محاولة الانقلاب، وقال إن هناك علامات استفهام تظهر لدى الضمير العام، "عندما يتم فصل موظف من المستويات المنخفضة من العمل بسبب علاقة أحد أقربائه بمستوى متدنٍّ أيضاً مع منظمة غولن". ونالت الحريات الصحافية نصيباً وافياً، فقد وصف داود أوغلو الصحافة التركية بأنها "باتت وسيلة للدعاية التي يديرها مصدر واحد"، منتقداً "التوجه إلى احتكار الصحافة بأساليب قمعية وغير قانونية".
وعلى الرغم من تأييده النظام الرئاسي، الذي أقرّه التعديل الدستوري في يناير/ كانون الثاني 2017، شدد على رفضه ما جاء في التعديل من تغوّل للسلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية. وأشار أيضاً إلى شعور المواطنين بوجود أوجهٍ للإسراف في المال العام، في ظل الأزمة الاقتصادية التي اعتبر أن سياسة إنكارها "لن تؤدي إلا إلى زعزعة الثقة بالحكومة". كما انتقد التحالف مع اليمين القومي، الذي أدى إلى ابتعاد الحزب عن لغته وقواعده الأصلية. ويستخدم داود أوغلو طوال خطابه تعبير "حزبنا"، وإن لم يفته التشديد على أن الحزب يجب ألا يتوقف "وجوده ومستقبله على مصير وتقدير أي شخص فانٍ أو مجموعة اجتماعية محدودة".
لسنوات طويلة، كانت التجربة التركية النموذج لوجود إمكانية ديمقراطية في الشرق الأوسط، يمكن بها تطوير طيف من الإسلاميين، إلى حد أن يُظهر انحيازاتٍ أكثر تقدميةً وليبراليةً من العلمانيين المتطرفين. وكان النموذج ملهماً لقطاعات شابّة، على الرغم من رفض الإسلاميين العرب الحادّ، بعدما تجاوزوا لحظات المفاخرة الأولى، ما تجلى، على سبيل المثال، بمقال نشره الرئيس المصري المعزول محمد مرسي نفسه، ضد تجربة حزب العدالة والتنمية عام 2007، ثم لاحقاً رفض "الإخوان المسلمين" دعوة أردوغان في 2011 إلى العلمانية في مصر.
بعد سنوات، تحدث مفارقة أن تصبح التجربة نفسها ملهمة بالنموذج العكسي، فشهدنا إخواناً مسلمين، ومحسوبين عليهم، يحتفون بأنباء تعرض 160 ألف تركي للاعتقال، أو الفصل من العمل، بتهم الانتماء لجماعة غولن، وأنباء التضييق على الصحافة، ويرون هذا هو سلوك الرئيس القوي، الذي كان يجب أن يتخذه مرسي ليحافظ على حكمه! وهكذا أصبح المكون السلطوي المتصاعد للتجربة التركية يعزّز أسوأ ما في الثقافة السياسية العربية الأصلية، التي تتجاهل في المقابل، جوانب ضخمة لإيجابيات التجربة التركية واختلافها، وهو ما يفسر لاحقاً كيف أصيب مصريون وسوريون بلوثةٍ من التخبط، بعد نتائج الانتخابات البلدية، وصلت إلى سُباب الشعب التركي!
رفضتم كل ناقد من الخارج، فهل تستمعون إلى كلام الأستاذ؟