فشل مجلس النواب في طبرق الليبية مجدداً، أمس الاثنين، بعقد جلسة مكتملة النصاب لتمرير قانون الاستفتاء على الدستور، في وقت هدّد فيه رئيسه، عقيلة صالح، باللجوء إلى قوانين المجلس التي ينص بعضها على إمكانية الذهاب إلى انتخاب رئيس للدولة دون الحاجة إلى الدستور.
وعلّق المجلس، أمس، جلسته المقررة للتصويت على قانون الاستفتاء على دستور البلاد الدائم، إلى الأسبوع المقبل، بسبب غياب غالبية النواب، في ما يبدو استمراراً لعرقلة الطريق أمام اعتماد الدستور، وخروج البلاد من مرحلتها الانتقالية التي دامت ثماني سنوات.
ويتحجج غالبية النواب بأن قانون الاستفتاء ينص على تقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية وهو ما يعارض الإعلان الدستوري للبلاد، الذي أقر أن البلاد دائرة انتخابية واحدة، وهو ما يتطلب جلسات طويلة لتعديل المادة الخاصة بالدوائر الانتخابية بالإعلان، بحسب المعرقلين. لكن مراقبين للشأن الليبي يرون أن الثغرات القانونية بقانون الاستفتاء يمكن التغلب عليها بجلسة واحدة.
ويتخذ معرقلو صدور الدستور من تلك الثغرات حائلاً دون صدور الدستور الذي يمثل أساس المشكلة، والذي يعارضه تحديداً نواب مؤيدون للواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك منذ إقراره من قبل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، بأغلبية الأصوات، في يوليو/تموز من العام الماضي، قبل أن ترفعه إلى مجلس النواب الذي كان المنوط به إصدار قانون للاستفتاء على الدستور منذ تلك الآونة.
ويتعمد غالبية الرافضين لقانون الاستفتاء التغيب عن الجلسات التي يتطلب عقدها بشكل قانوني نصاباً بواقع 120 نائباً من أصل 200.
وحالت تلك المماطلات والعراقيل دون إصدار قانون للاستفتاء على الدستور، فضلاً عن إحالة مشروع الدستور للقضاء الذي حكم بعدم صلاحيته للنظر فيه، ورأى المراقبون، وقتها، أن مواد في مشروع الدستور لا تتيح، في الحقيقة، لحفتر الاستمرار في منصبه والمشهد برمته، فشروط تولي المناصب، بما فيها العسكرية، لا تتوفر في حفتر.
أمّا عن تهديد صالح، فاعتبر، المحلل السياسي الليبي، الجيلاني أزهيمة، أن التهديد باللجوء إلى القانون الخامس للمجلس الصادر في عام 2014، هو التفاف جديد، مضيفاً أن "صالح وطيفه النيابي يسعون للتمديد لأنفسهم، فالقانون ينص على انتخابات رئاسية فقط ولا يتحدث عن انتخابات برلمانية.
وأوضح أزهيمة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "انتخاب الرئيس فقط يعني بقاء المجلس واستمراره في المشهد".
وينص القانون الخامس للمجلس الصادر عام 2014 في مادته الأولى على انتخاب رئيس الدولة المؤقت بطريق الاقتراع العام السري الحر المباشر وبالغالبية المطلقة لأصوات المقترعين.
واعتبر أزهيمة "أن صالح يسير في ركاب المعرقلين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي من الممكن أن تنفذ حتى وإن لم يصدر الدستور من خلال قوانين انتخابية أخرى كما هو الحال في انتخابات 2012 و2014".
ورأى أن "تلويح صالح باللجوء إلى القانون الخامس هو استباق لما قد تذهب إليه أطراف دولية مهتمة بالانتخابات في ليبيا كالبعثة الأممية التي يستعد رئيسها، غسان سلامة، إلى تقديم إحاطة مطلع الشهر المقبل إلى مجلس الأمن حول إقرار قوانين انتخابية بديلاً عن الدستور الذي تأخر صدوره مقابل قرب زمن الانتخابات المقرر بحسب إعلان باريس نهاية العام الجاري".
وتابع أن "صالح يظهر بمظهر الحريص على صدور قانون الاستفتاء لكن تهديده يقول عكس ذلك فهو من الساعين للحفاظ على وجود مجلسه في طبرق".
كما أشار إلى أن "فقدان حفتر للنواب المتحكمين في قرار مجلس النواب سيفقده واجهته السياسية التي تحمي قراراته العسكرية".
بدوره، اتهم رئيس حزب "العدالة والبناء"، محمد صوان، رئيس مجلس النواب، بـ"العبث بمجلس النواب وعرقلة كل جهود الأطراف المحلية والدولية" مشدداً على أنه "لا يمكن الرجوع إلى الوراء".
وقال صوان، في على حسابه على "فيسبوك" اليوم الثلاثاء، "لابد أن يعي صالح أن عبثه في مجلس النواب وعرقلته لكل جهود الأطراف المحلية والدولية قد تجاوز كل الاعتبارات ويعي أيضاً أنه لا يمكن العودة للوراء وأن الشعب الليبي لن ينتظر طويلاً".
ووصف صوان تلويح صالح بإجراء انتخابات رئاسية بأنه "عجيب وغريب"، قائلاً "إن كان رئيس مجلس النواب عاجزا عن توفير النصاب لتشريعات لا تحتاج إلا لأغلبية؛ فكيف بتشريعات تحتاج إلى نصاب موصوف ومقيدة بنصوص الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، أما إذا كان يقصد بكلامه مقررات لجنة فبراير، فلا شك أنه يعيش خارج المشهد". في إشارة إلى حكم المحكمة العليا، في سبتمبر/أيلول عام 2014، بإبطال قانونية مقررات لجنة فبراير التي أنهت شرعية مجلس النواب المنعقد حديثاً في طبرق.
في المقابل، دافع الناشط السياسي من طبرق، محمد المعيوف، عن قرار صالح، قائلاً "لا يعدو كونه تهديدا للنواب وإجبارهم على الحضور الجلسة المقبلة".
وتابع المعيوف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ كثرا من النواب لا يسعون إلى التمديد، وأن معظمهم لا يسيرون في ركاب حفتر وسياساته العسكرية".
وأشار إلى أن "إقرار قانون الاستفتاء ومن بعده الدستور لن يمكن البلاد من الوصول إلى مرحلة الانتخابات في زمنها المقرر نهاية العام الجاري، بل على العكس سيطيل أمد الأزمة أكثر"، متهماً أعضاء من مجلسي النواب والدولة بالسعي إلى تعقيد الأزمة.
واعتبر المعيوف أن "اللجوء إلى قانون الخامس هو أحد الخيارات ويمكن الركون إلى قوانين انتخابية مؤقتة"، لكنه تساءل هل "لأطراف الليبية المختلفة حول الانتخابات حالياً ستقبل بنتائجها لو حدثت؟".
وأضاف أن "الوقت غير ملائم لذهاب مجلس النواب الذي يمثل الجهة التشريعية للبلاد وسط الخصومات المستعرة"، مشدداً على أن "مجلس النواب هو طوق النجاة الأخير للبلاد".
وبموازاة جهود أممية يرعاها المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، لنقل البلاد إلى مرحلة انتخابات رئاسية وبرلمانية، بحسب خطته الأممية التي أعلن عنها في سبتمبر/أيلول الماضي، قررت مبادرة فرنسية رعاها الرئيس، إيمانويل ماكرون، بمشاركة أربعة من أبرز قادة البلاد، وهم رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، نهاية مايو/أيار الماضي، إجراء الانتخابات في العاشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل. ويبقى إذن الاتفاق على إطار دستوري لإجراء الانتخابات قبل حلول يوم 16 من سبتمبر المقبل.