هل تخلت الحكومة المغربية عن قانون الإضراب تحت "ضغط النقابات"؟

هل تخلت الحكومة المغربية عن قانون الإضراب تحت "ضغط النقابات"؟

15 سبتمبر 2020
تأجيل عرض مشروع قانون الإضراب على البرلمان المغربي (Getty)
+ الخط -

قررت الحكومة المغربية، الثلاثاء، تأجيل عرض مشروع قانون حول تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، بعد أن وجهت له انتقادات عدة بسبب اعتباره مشروعاً "تكبيلياً لهذا الحق وتراجعياً عنه"، بحسب توصيف منتقديه.

وكشفت مصادر من لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، أن رئاسة اللجنة قررت، الثلاثاء، بطلب الحكومة، تأجيل عرض المشروع، الذي كان مقرراً يوم غد الأربعاء، إلى وقت لاحق، دون تقديم أي أسباب لذلك، مشيرة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن أعضاء اللجنة توصلوا بتعديل على جدول الأعمال، يشير إلى تخصيص اجتماع اللجنة لدراسة مواضيع تتعلق بعضها بتداعيات البؤر الوبائية، في بعض الضيعات الفلاحية والوحدات الإنتاجية والصناعية ومدى التزام المشغلين بالتدابير الاحترازية.

ويأتي ذلك، في وقت قالت فيه مصادر نقابية للموقع إن وزارة الشغل  قررت، بالموازاة مع تأجيل برمجة مشروع القانون التنظيمي للإضراب بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، توجيه الدعوة إلى الاتحادات العمالية بداية الأسبوع القادم لمناقشة المشروع المثير للجدل.

وأثار إعلان الحكومة عزمها عرض  مشروع قانون تنظيمي، رقم 97.15، بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في المغرب الكثير من الانتقادات، وواجه رفضاً نقابياً واسعاً، فيما كان لافتاً، خلال الأيام الماضية، تهديد الاتحادات العمالية للحكومة بخطوات تصعيدية في حال لم تستجب لمطلبها المتعلق بسحب المشروع، الذي ترى أنه كان يجب أن يمر عبر طاولة الحوار الاجتماعي.

واعتبر الاتحاد المغربي للشغل، إحالة مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب على البرلمان خرقاً سافراً لالتزام رئيس الحكومة بالتشاور والتفاوض مع الحركة النقابية، قبل إحالته على البرلمان، متهماً الحكومة باستغلال جائحة كورونا، لتمرير قانون "تكبيلي" وتراجعي لحق الإضراب.

بدورها، استنكرت نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، في بيان لها، قرار الحكومة بإحالة مشروع القانون التنظيمي، معتبرة أن "الغرض منه التغطية على عجزها في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والصحية الراهنة، والعجز عن ضمان دخول مدرسي آمن يضمن حق التعليم لكافة أبناء وبنات المغاربة، واستغلال لحالة الطوارئ الصحية لتمرير قانون تراجعي تكبيلي للحق الدستوري في ممارسة الإضراب، كما تضمنه المواثيق الدولية ذات الصلة".

وطالبت الاتحاد العمالي، بـ"سحب مشروع القانون التنظيمي للإضراب من البرلمان وإحالته على طاولة الحوار الاجتماعي التفاوضي الثلاثي الأطراف، للتوافق حول صيغة تحترم الحق الدستوري وتتلاءم مع المعايير الدولية الأساسية".

من جهتها، اعتبرت المنظمة الديمقراطية للشغل، في بيان تلقى الموقع نسخة منه، أن "المشروع الحكومي ما هو إلا تكبيل وفرض شروط جديدة لممارسة هذا الحق، وفتح المجال أمام الانتهاكات الصارخة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعمال والعاملات، وفرض القيود على إضرابات الحركات الاجتماعية والمهنية، وهو ما يعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق ومكتسبات الطبقة العاملة".

ما هو مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 ؟

لم يكن مسار مشروع القانون التنظيمي للإضراب سالكاً، إذ ظل قيد الدراسة بمجلس النواب، الغرفة الأولى بالبرلمان، منذ أن أحالته  الحكومة على المؤسسة التشريعية، إثر المصادقة عليه في مجلس وزاري (يرأسه الملك محمد السادس) في سبتمبر/أيلول 2016.

ورغم محاولة الحكومة تحريك المسار التشريعي للمشروع، من خلال إطلاق حلقة من مسلسل حوار مع النقابات وأرباب العمل بشأنه، خلال الفترة ما بين 25 يونيو/حزيران 2019 وحتى 2 يوليو/تموز 2019، إلا أن تلك المحاولة انتهت بإعلان وزير الشغل والإدماج المهني السابق، محمد يتيم، أن "الحكومة طلبت من اللجنة المختصة في البرلمان تأجيل برمجة مدارسة هذا المشروع" من أجل بناء توافق حوله، وهو التوافق الذي لم يحصل إلى حد الساعة.

وفي الوقت الذي فشلت فيه الحكومة، الثلاثاء، في فرض الأمر الواقع على النقابات بسعيها إلى إطلاق المسار التشريعي، من خلال برمجة عرضه خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية  بمجلس النواب، فإن مواد المشروع تثير الكثير من الجدل، إذ تنص المادة 26 منه على أنه يمكن لصاحب العمل، حال ممارسة الإضراب، وخلافاً لأحكام هذا القانون، أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة.

كما ينص مشروع القانون، الذي يتكون من 49 بنداً، في المادة 5 على أن "كل دعوة إلى الإضراب خلافاً لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعاً".

ويوجب مشروع القانون حسب المادة 7 منه، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمّال قبل خوض الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين.

أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها.

كما يعتبر مشروع القانون العمال المشاركين في الإضراب حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم أنه "لا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن مدة إضرابهم".

ويمنع حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل.

تخوف من الكلفة السياسية

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الحكومة المغربية كانت مضطرة، أمام الرفض اللافت للمشروع، إلى تأجيل عرضه بمجلس النواب، يرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، أن "تخوف الوزراء الذين تقلدوا حقيبة الشغل في حكومة العثماني من الكلفة السياسية يجعل هذا القانون التنظيمي يعرف تردداً"، لافتاً إلى أن طبيعة هذا القانون تستوجب مقاربة تشاركية بين الحكومة والمركزيات النقابية، وأن يكون في صلب الحوار الاجتماعي.

وأوضح لزرق، في تصريحات لـ "العربي الجديد "، أنه في ظل غياب القانون التنظيمي الموعود لا يمكن قبول ممارسة هذا الحقّ المطلق، بل لا بد من مراعاة ضوابط النظام العام، كما لا يمكن قبول أن يفضي إلى إطلاق يد الإدارة في تقييد حقّ الإضراب، مشيراً إلى أنه في انتظار صدور القانون التنظيمي، تبدو الحكومة عاجزة عن تحقيق هذه المعادلة، التي تصب في اتجاه تحقيق مناخ السلم الاجتماعي.

المساهمون