هادي الهيتي.. مضى خلف المزمار

هادي الهيتي.. مضى خلف المزمار

31 مارس 2015
(رسم: أنس عوض)
+ الخط -

بعيداً عن النظريات التقليدية والقوالب المستوردة، كان الباحث العراقي هادي نعمان الهيتي (1942 - 2015) يؤسّس من خلال دراساته وبحوثه وأعماله لبناء طفل يعتزّ بانتمائه العربي، ويكون في الوقت نفسه ابناً لعصره. مسألةٌ بدأ الخوض فيها في الستينيات، لكنه انقطع عنها منذ عقد، بسبب ابتعاده عن الوسط الثقافي والأكاديمي في بلاده، وذهابه إلى أميركا التي رحل فيها أخيراً عن 73 عاماً.

لعل أبرز ما ميز دراسات وبحوث الهيتي، الذي ولد في مدينة هيت التابعة لمحافظة الأنبار العراقية، هو محاولاته المقاربة بين فنون التربية الحديثة وبين التراث الشعبي؛ لصياغة شخصية متوازنة للطفل العربي تجمع بين أصالة الجذور والواقع المعاصر، وكان يشدد دوماً على دور القصص القديمة وضرورة توظيفها تربوياً، وأهمية أن تجمع وتنقّح ويعاد نشرها من جديد.

كما أنه كثيراً ما دعا في كتاباته إلى الإفادة من علم النفس والموسيقى والشعر والمسرح والمقالة والأغنية في زرع روح الإبداع لدى الناشئة، وسعى إلى أن تكون مجلات الأطفال التي ترأس تحريرها منبراً لكثير من الأدباء والتربويين والفنانين من العراق والعالم العربي.

تلقى صاحب "ثقافة الأطفال" تعليمه الأولي في مدينته هيت، قبل أن ينتقل، ليكمل دراسته الجامعية، إلى بغداد ثم القاهرة. عمل عميداً لكلية الإعلام في جامعة بغداد، وللمعهد العربي للثقافة العمالية وبحوث العمل في منظمة العمل العربي، وأسّس وأدار عدداً من مجلات الأطفال في العراق كمجلتي "مجلتي" و"المزمار".

ويمكن القول إن أسوأ ما يمر فيه المثقف وحامل الفكر هو أن يرى أحلامه تسقط وتتداعى أمامه؛ فالهيتي الذي حاول أن يُمأسس ويضع مناهج لبناء الطفولة، قُدّر له أن يكون شاهداً على ما عانته الطفولة في بلده من انتهاك وضياع.

فالعراق يعدّ حالياً من أكثر بلدان العالم انتهاكاً لحقوق الطفل، حيث تزدحم سوق العمل المحلية بالمتسرّبين من المدارس، وتسجل فيه الأمية ارتفاعاً كبيراً في ظل غياب رقابة حكومية جادة.

رحل الهيتي ورحلت قبله "المزمار" و"مجلتي"، وغيّب الكثير من آثاره التربوية والثقافية. وكالعادة، سارعت بعض الهيئات الثقافية الرسمية إلى نعيه والإشادة بمناقبه، وهي التي صنفته في الماضي على أنه "صدّامي" حاول أدلجة ثقافة الطفولة، وبث جرعات من الفكر البعثي عبر قصصه ومجلاته، فكانت خلاصة تجربته تجسيداً لمحنة المثقف العربي الذي لم يستطع التغيير إلا من خلال نافذة العمل الرسمي، فأصبح في نظر معارضي السلطة جزءاً منها.

دلالات

المساهمون