هؤلاء الثلاثة

15 ديسمبر 2016
فاتح المدرّس / سورية
+ الخط -

أنتظر

يصعدون السلالم ويفتحون الباب؛ غير آبهين بالجدران البيضاء والكتب المغطاة بالتراب وبالثياب الكئيبة. يصطفون أمامي هؤلاء الثلاثة. على جباههم عقيقٌ أحمر وأصابعهم تشابه العرجون القديم ورؤوسهم تتحوّل من وردة إلى زقوم. ليس لي أن أنبس ببنت شفةٍ؛ ليس لي أن أغمض عينيّ أو أتحرك. هكذا يأتون كلّ ليلة جمعةٍ ويذوبون مثل شمعةٍ باردة.


***


يسقط في الهوة

أحدهم يسقط في الهوّة؛ أراه في مشهدٍ لم يسبق أن رأيته. في هوةٍ ضيقة وعميقة حولها جبالٌ عالية تتهرأ والهوة تسقط بذلك الشخص. ثمّ يأتي شخصٌ يحمل جثة أخيه الميّت ويطرحها أرضًا ويأكلها كما يأكل لحم خنزير. شجرةٌ جرداء ثمرتها ذكرـأنثى يتآكلان؛ تناديني من جانب الهوّة وتقول أنا بابليّة. أحدهم ما زال يسقط في الهوة والشمس طاحونة عاطلة.


***


الضرب بالعصا

يهجم على الرجل الهرم منتصف الليل، أطفالٌ يحملون العصي ويضربونه؛ وهو نائمٌ. أطفالٌ فاقدو الوجوه؛ يضربونه ويصرخ في المنام وينادي مَن ينقذه مِن كلّ هذا الهَوْل. كان الشارعُ ضاجًا بالأطفال وقت الغروب، حين طلع الرجلُ الهرمُ من بيته وأخذ يضربهم بعصاه القوية.


***


تقول

تقول بعد أن جئت بهذه الطفلة إلى الدنيا، رأيتها كأنها ابنة السنتين؛ واقفة على رابية؛ وتنادي يا إلهي أنا لا أريد أبي. تقول إنها رأت زوجها يركض في بادية قاحلة يأكل الضريع ويتقيأ على قميصه الممزق. كانت المرأة ترتجف من هول المشهدين اللذينِ رأتهما في اليقظة.


***


ثلاثة في مجلسي

افتحُ النافذة منتصف الليل؛ امرأة تمشي عارية في الشارع؛ وشعرها الطويلُ يجرّ خسائري. ثمّ يظهر شخصٌ كأنه هاربٌ للتو من قبره وتطارده حيّةٌ لها رأسُ إنسان. معلمٌ يصرخُ أنا نادمٌ على ما قرأته في الكتب؛ ثمّ تغرز الشجرة فرعها في رأسه. أغلق النافذة وأعود إلى مجلسي فأرى المرأة العارية والشخص الهارب من قبره والمعلم واقفين أمامي وخلفهم تلك الحية.


***


فجرًا أفقتُ

فجرًا خرجتُ إلى البلكون مغمض العينين؛ كان السواد يميل إلى البياض وكانت عيون واسعة ترقبُ؛ دون أن أرى أصحابها. كلبٌ سلوقيٌّ يحدقّ بي ويعوي وامرأة تلبس ثوب الحداد مشعثة الشعر تقف أمامي وعلى صفحة صدرها مكتوب: قلبي أبيض. عصافيـر على الشجر المريض تلعنني؛ وساعي البريد غاضبًا عليّ يقضم أصابعه ويثفلها ويقول أنت ثفلٌ فانزلْ من علوك.


***


في الصندوق

كانت تأتي من الصندوق رائحة طيّبة. صندوق أتى به رحالةٌ وأهداه إلى فتاة أحبها. يرتحل الرحالة والفتاة تغيب. كان الصندوق في غرفةٍ لم يجرؤ أحدٌ على فتحها. إلى أن جاء أحدهم على حين غفلة من أهل القرية ودخل الغرفة ثمّ فتح الصندوق ووجد الفتاة ممددة فيه عارية؛ بين نهديها المسكُ وفي فمها اللبان وعلى عينيها آثارُ الكحل القديم.


***


أخذ يخاف

أخذ يخاف مما يفكر به ومما ينطق. فكّر مرة بذلك الرجل الأسود فحضر أمامه؛ فكّر ذات مرة بحبيبته أنها ستتركه فتركته؛ وفكّر بجاره الميّت ووجده يمشي في الشارع. في الغرفة يخاف من أشيائه أن تتحول إلى شخوص؛ وفي الشارع من موت الأطفال ومن النساء وما يخفين في صدورهن؛ من الساعة وأخبار الملوك؛ من المرآة وما غيّبته من مسافرين وقوارير.


***


حملوني ذات فجر

جاء هؤلاء الثلاثة وحملوني ذات فجر إلى النهر؛ كان النهر سامًا؛ على هذه الضفة يتمدد رجلٌ عارٍ يأكل عظام أسماكٍ تجرح حنجرته؛ وعلى تلك الضفة رجلٌ يشاهد أحلامه السابقة وينوح. ثمّ ركبنا قاربًا حتى وصلنا إلى قرية يتلاكم فيها الليل والنهار فدخلنا بيتًا وجدنا فيه رجلاً يضرب ظلَّه الساقط على الجدار بحزامه القويّ. قالوا: هؤلاء أنت؛ هؤلاء الثلاثة.


* شاعر ومترجم من مواليد الأهواز عام 1983

المساهمون