نقاط حمراء في قصة هدير مكاوي

نقاط حمراء في قصة هدير مكاوي

17 يناير 2017
+ الخط -


أقبلت «هدير مكاوي» شابة مصرية عشرينية على إعلان ولادتها طفلاً عن زواج غير موثق رسميًا من خلال منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في الأسابيع الأولى من عام 2017، لتخلق جدلًا واسعًا عن قبول المجتمع المصري لإنجاب الأطفال دون زواج مُسجّل.

وعلى الرغم من أن رواية مكاوي أوضحت أن الطفل هو نتاج علاقة "شرعية" بين الشريك والشريكة، بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية المنصوص عليها قانونًا، فإن ما تلقته الأخيرة من الهجوم أو التأييد، كان لافتًا للانتباه لعدة نقاط، فتحت القصة بابها أمامنا، دون أن تكون القصة نفسها محورها الأساسي.

الحق في الحياة مقابل الحق في النسب



فيما استخدم آخرون مصطلح "الحق في الحياة" لدعم مكاوي، وهو مصطلح مختلف عن الحق في النسب أو الأهلية القانونية.

فالحق في الحياة هو مصطلح متداول في سياق إشكالية الإجهاض، وهل هو حق جسدي للنساء أم حق في الحياة للبويضات المُخصبة؟ وهي المرحلة التي تجاوزتها مكاوي بعد الولادة.
أما مرحلة إثبات نسب الطفل، فمختلفة، لأن الطفل تمت ولادته بالفعل، أي أصبح إنساناً مكتملاً خارج الرحم وله حقوق، منها حق النسب، وأن يكون مواطنًا مُعترفاً به قانونًا. 

الشريك الرافض للإنجاب

ويُذكر أن من حق الشريك رفض الحمل غير المخطط، ولكنه على ذلك لا يملك حق إثناء الشريكة عن قرار الإنجاب ودفعها للإجهاض.


فالشريك هنا يحق له الامتناع عن الأبوّة، كدور اجتماعي، بينما لا يحق له إنكار البنوّة، بمعنى إثبات نسب الطفل لنفسه، لأنه حق للطفل وحق للشريكة التي تحرمها الدولة حق إثبات النسب إليها بدون شريك.


وهذه النقطة جدلية بعض الشيء. فقد يستغل الشريك وضع شريكته كامرأة حامل خارج الإطار المُعترف به اجتماعيًا للإنجاب، وبأنه الشخص الوحيد القادر على إثبات الطفل رسميًا في سجلات الدولة المصرية باعترافه بالبنوّة، لمساومتها على الإجهاض.


والمساومة هنا هي اضطرار الشريكة للإجهاض، مقابل ولادة طفل غير معترف به رسميًا وتحمل مسؤولية وصمه اجتماعيًا كابن غير شرعي، مع تحفظنا على المُسمى، فيتحول الاضطرار إلى ابتزاز للإجهاض، والذي إن اختبرته الشريكة فهي تختبره في ظل تجريم قانوني وظروف غير آمنة على سلامتها الجسدية، مُضاف إليها عبء اجتماعي تتحمله وحدها.


إلا أن صدور حكم الإدارية العُليا في النصف الأول من عام (2015)، قد حلّ جزءاً من المعضلة بإقرار أحقية الطفل في نسبه رسميًا للأب الرافض؛ ليتمكن من تلقي الرعاية الطبية والتعليمية كمواطن ذي قيد رسمي، استنادًا إلى المادة (4) من قانون الطفل لعام (1996)، والقاعدة الفقهية: "الولد للفراش".

وعلى ذلك تجاهل المُشرعون المصريون حقوق الزوجة في العلاقات الجنسية غير الموثقة بعقود رسمية وانتقلوا للتركيز على حق أبنائها في النسب.

فوفقًا للمادة (1) من قانون الأحوال الشخصية المصري، يجوز إثبات نسب الأطفال للأب من الزواج غير الموثق كما الزواج الموثق. أما إن لم تُنجب الزوجة فلا يكفل القانون حقها في نفقة أو ميراث، وفقًا لدراسة "النساء والتنمية" الصادرة عن منظمة «يونسكو» الدولية، وقد لا تُقبل دعوة طلاقها أو خُلعها، بل يحق لهيئة المحكمة نفي زواجها كليةً واعتباره "زنا"، وتطلب منها الاستتابة والمُضي قدمًا في حياتها.

بين الإجهاض والإنجاب

وفي خضم المعركة بين مؤيدي «هدير مكاوي» ومعارضيها، كان لافتًا للانتباه كيف استخدم بعضهم خطابًا قيميًا لدعم اختيار الإنجاب، على حساب الإجهاض. هذا الخطاب قد يكون داعمًا على المدى القصير، لكنه مُتحيّز ضد الإجهاض في مضمونه.

فالإنجاب قرار والإجهاض أيضًا قرار، وحدها الشريكة هي التي تقرر أيهما أنسب، أما تقديم أحدهما على أنه الأفضل فهي مغالطة لا يجب أن تمر دون تعليق. 

فالسعي إلى قبول مجتمعي لفكرة الإنجاب خارج إطار الزواج الموثق باستخدام هذا الخطاب القيمي، قد يسحق تجارب آلاف من النساء المُجهضات واللاتي إما اخترنّ الإجهاض أو أجبرن عليه، ولا يُعير اهتمامًا لرغبتهن في الامتناع عن الإنجاب، مؤكداً بطريقة غير مباشرة أن كل امرأة هي أم بالضرورة.


كما أنه يمر على اختيارهن الإجهاض غير الآمن وغير القانوني وكأنه اختيار عادي.


لم يكن الإجهاض يومًا تجربة سهلة التجاوز، وبالأخص للمُجهضات في ظروف اجتماعية ضاغطة ولا تتوفر لديهن الأموال الكافية لإجراء الإجهاض، بشكل على الأقل آمن صحيًا، كما أن احتمالية تعرضهن للابتزاز أو النصب تزداد من الأطباء، وكذلك خطر تعرضهن للسجن. فتلك الظروف التي تُجرى أثناءها عملية الإجهاض، لا تجعله اختيارًا عاديًا، ولا تستوجب وصم المُجهضات، اللاتي حتى في حالة اختيارهن الكامل للإجهاض، مضطرات لخوض التجربة في ظروف قاسية، وتزداد في حالة هؤلاء اللاتي لم يتمتعن برفاهية وجود اختيار آخر.


وبين ما هو "أنسب"، وما هو "أفضل"، تكمُن المفاضلة القيمية بين اختيار الإنجاب واختيار الإجهاض. 

كما أن اختيار لفظات مثل "قتل" في توصيف الإجهاض كما تردد على لسان «مكاوي» ومؤيديها، تنفي حق النساء في أجسامهن، وتُقدم الحمل كنتيجة حتمية لممارسة الجنس مهما كان إطاره، وكمسؤولية غير قابلة للتخلي عنها، وبخاصة إن تم تناولها من منظور النوع الاجتماعي. فتربية الأطفال تتحمل النساء منها نصيب الأسد، بينما يظل دور الأب محدوداً. لذلك؛ يعتبر تلقيب النساء بالقاتلات إن لجأن للإجهاض، تدخلاً في علاقة هؤلاء النساء بأجسامهن، وقراراتهن، ويُلزمهن بقرارات أخرى لن يتحمل تكلفتها سواهن.


هذا بالتحديد ما حدث في قصة هدير مكاوي، والتي حاول شريكها، على النقيض وبحسب روايتها، إجبارها على الإجهاض، لذا؛ فما يجب الإشارة إليه هنا، هو الإجبار على الإجهاض كقرار مقابل الإنجاب كقرار، وليس ترجيح كفة أحدهما على الآخر أخلاقيًا ومجتمعيًا.


وما يجب تسليط الضوء عليه هو حق كل امرأة في تقرير ما يخص جسدها بحريّة، دون وصم، دون عنف، حتى وإن اختلف قرارها، عمّا كنا سنقرره نحن في نفس الموقف. وبالطبع باستخدام أكثر حساسية لمفاهيم مقبولة مجتمعيًا، كوسيلة لقبول أوضاع مرفوضة من نفس المجتمع.

في الأخير، هذه القصة وغيرها تخلق مساحات حرة للنقاشات والأطروحات حول أجسام النساء والحقوق الجنسية والإنجابية التي نحن بحاجة إليها مهما اختلفنا مع الطرح، أو خالفناه. 

دلالات

B831FE42-EA06-442C-B1AC-D58CDE96BA74
غدير أحمد

ناشطة نسوية مصرية، وباحثة متخصصة في دراسات المرأة النوع والاجتماعي