نظرية "الأذرع" في مصر

نظرية "الأذرع" في مصر

10 مايو 2015
+ الخط -
فوجئ كثيرون، واحتاروا في تفسير أسباب هيستيريا الإعلام المصري، وخبله المستمر منذ نحو عامين، إلى أن جاءت تسريبات عبدالفتاح السيسي أولاً، ومدير مكتبه، اللواء عباس كامل، ثانياً، لتشرح وتوضح كل ما خفي عن المتابعين، وصارت كلمة "الأذرع الإعلامية" بمثابة نظرية جديدة من نظريات الإعلام.

عن طريق هذه النظرية، يمكن تفسير سلوكيات عديدة لوسائل الإعلام وتغطياتها، فهي تتحرك بالتليفون، وبأوامر محددة مسبقا، وبالتفاصيل الدقيقة، مع الحرص على عدم الخطأ في التنفيذ، وضمان وصول التوجيهات بدقة. بذلك، يمكننا النظر إلى التغيرات الأخيرة في الإعلام المصري، والخاصة بالهجوم الشديد على وزارة الداخلية، وفتح ملفات التعذيب وإساءة معاملة المواطنين، وتحول الضباط إلى مجال الجريمة والسرقة والابتزاز.

فرح بعضهم بملف جريدة "المصري اليوم" عن تجاوزات الشرطة، بعنوان "ثقوب في البدلة الميري"، لكنهم لم ينتبهوا إلي أن رئيس تحرير الجريدة، محمود مسلم، قيادي سابق في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، وأن المشرف على نشر الملف صحافي معروف بصلاته القوية بالأجهزة الأمنية، وطالما نشر قصصا مفبركة لخدمة الثورة المضادة في سنة رئاسة محمد مرسي، أحدها نشره تفريغاً وهمياً لمكالمات مزعومة بين قيادات إخوانية ونظيراتها في حركة حماس خلال ثورة يناير، حاول من خلالها إثبات أن حماس هي من قتلت المتظاهرين، وليس جهاز الشرطة الذي يتظاهر حاليا بمعارضة سياساته ضد المواطنين الأبرياء، ويتباكى على الحريات والحقوق المهدورة للإنسان المصري.

حدث الأمر نفسه مع حبوب الشجاعة المفاجئة التي تناولها بعض الإعلاميين، وتحميلهم السيسي المسؤولية عن تردي الأوضاع في البلاد، حتى ظهر خالد أبوبكر، صاحب المقولة الخالدة إن الأقباط المصريين نطقوا الشهادة قبل ذبحهم، ليفضح نفسه ويفضح زملاءه كعادته دائما، ويؤكد أن الهجوم على السيسي كان بطلب من الأخير شخصيا، وأنهم، حتى في الهجوم عليه، مازالوا يؤدون دور الأذرع وباتفاق مسبق.

من الواضح، إذن، أن الشجاعة التي انتابت الإعلام المصري ليست نابعة من حرصه على كرامة المواطنين، خصوصاً أنه تفنن في التغطية على المذابح والاعتقالات، وبررها وحرض على معظمها، لكن الشخص الذي يمسك بسماعة التليفون لإلقاء الأوامر والتوجيهات قام بتلقينها بقلة احترافية كالعادة، فلم يقتصر التغيير على وسيلة إعلامية واحدة، أو عدة وسائل، بل شمل الجميع فجأة، حتى جريدة الأهرام الحكومية، التي نشرت تحقيقا احتل صفحة كاملة، يتناول التعذيب في أقسام الشرطة، والأحوال المزرية التي يعيش فيها السجناء، الأمر الذي يعزز من نظرية "الأذرع الإعلامية" ولا ينفيها.

لو كنت مكان "آبائنا الممسكين بسماعة التليفون"، لم أكن لأقوم بهذا الأمر بهذه الطريقة، بل كان لا بد من قصر التناول على وسائل إعلامية محددة، وبتمهيد مناسب، حتى لا يفتضح الأمر، مثلما يحدث كل مرة. وما مانشيتات "مصر تستيقظ الآن" منا ببعيد.

نقطة أخرى لم ينتبه إليها كثيرون، متعلقة بموقف السيسي من عاصفة الحزم، إذ أزعم أن سلوك الإعلام المصري هو أوضح وأصدق مؤشر على حقيقة موقف نظام السيسي من العملية، والتي يمكن وصفه بالضبابية في أحسن الأحوال. فبينما يضطر السيسي إلى إعلان تأييده للعملية، تجنبا لغضب المملكة العربية السعودية، وطمعا في مليارات موعودة في المؤتمر الاقتصادي الأخير، كان أحمد حسون، مفتي نظام بشار الأسد، ضيفا دائما في مداخلات تليفونية، في برامج تلفزيونية مسائية، يقدمها مذيعون يدينون بالولاء الكامل للسيسي. وقد ظهر حسون في برنامج "السادة المحترمون" مع يوسف الحسيني، قبل شهرين، وفي برنامج المذيعة المطرودة من قناة "أون تي في"، أماني الخياط، على قناة "القاهرة والناس" قبل أسبوع، للحديث عما سمتها المذيعة "السياسة المعادية للإنسانية من رئيس تركيا رجب طيب أردوغان في سورية"، وتركت لـ"سماحته"، بتعبيرها، فرصة الشرح والبكاء تأثرا بـ"جرائم أردوغان"، ولم يكن ينقص مفتي بشار إلا اتهام الرئيس التركي بإلقاء البراميل المتفجرة على السوريين.

حتى جريدة الأهرام الحكومية، والتي تعتبر الصحيفة المعبرة عن الدولة المصرية، حمل مقال رئيس تحريرها، محمد عبدالهادي، قبل أيام، تعاطفا واضحا مع نظام بشار الأسد، بدعوى أن هذه مصلحة الأمن القومي المصري التي يجب أن تعلو فوق كل شيء.

يبتدع نظام السيسي طريقة جديدة لتفسير سلوكه وانحيازاته، فما عليك سوى متابعة الإعلام المصري، الحكومي أو الخاص، لا فرق، لتعرف بوصلته، وإلى أين يتجه.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.