نساء في حياتي

نساء في حياتي

13 مايو 2020
طبق ورق العنب (Getty)
+ الخط -
جدّتي التي نادراً ما أزورها، لا تلومني على تقصيرٍ عاطفي أتحمّل مسؤوليّته رغم كل الانشغالات. حصّتي من "ورق العنب" بالزيت الذي تُعدّه تبقى محفوظة. أتناول تلك الأوراق الملفوفة بسرعة، وكأنني أهرب من أي ذكريات ترتبط بطفولة أو مراهقة ما، حتى الجميلة منها. لا وقت الآن للماضي. هنا، على الطاولة الصغيرة البيضاء حيث أجلس، أرغب في "العودة" إلى المستقبل.. الكائن الذي أريد أن أكونه. جدّتي لا تعرف كل هذه التفاصيل. تُحبّني فقط، وإن كانت حياتي لا تشبه مبادئها. وتكاد تخبرني كما تخبر الجدة حفيدها في قصة: "جدتي لا تسمعني": "أحبك أكثر من كل الشوكولاتة في العالم".

وأمّي التي صارت جدّة أيضاً، تحبّ حفيدها، إلى درجة أتوق لأن أصير جدّة لأكتشف سرّ هذا الحبّ. مكوناته؟ الطاقة المتجددة التي يحصلن عليها من خلال أحفادهن؟ كأنّ هذه العلاقة تكفير عن "ذنوب" لا ذنب لهن فيها، لتصير علاقتهن مع الأحفاد علاقة حبّ خالص بلا أي إضافات.

***

سيّدة أخرى اختارت أن تكون أمّاً ــ جدة للكثير من الأطفال. تُحبّهم هكذا، بلا مقابل. تضعهم في حجرها الواحد تلو الآخر. تؤمن أن أكثر ما يحتاجه الأطفال، وقبل كل العناوين المتعلقة بالتربية الحديثة، هو الحبّ. بل إن هذا ما تنصح به الأمهات. تعرف أن اليوم الذي سيغادر فيه الأطفال سرير أمهاتهم سيأتي، فلا بأس من الكثير من العناق والقبل قبل أن يحين الموعد.

***

أخريات أحدثن فرقاً في حياتي. أراقبهنّ. أنظر إلى تفاصيلهنّ وأتأثر، ذلك التأثير الإيجابي الذي تحدثه مجرّد ابتسامة. أولئك اللواتي أمسكن وجهي، نظرن في عيني وقلن: "بلى أنت قوية"، في أكثر لحظات حياتي ضعفاً. هنّ اللواتي لا يُحمّلنني أيّاً من تبعات الماضي. تلك العلاقات الخالية من الشوائب، حتى لو اجتمعت المشاعر مع المصالح.

***

وأخريات ظننتُ، ولفترة طويلة جداً، أنهنّ جزء من حياتي، وقد كُنّ. ثمّ صرتُ ألوم الحياة لأنّ الصورة لم تكن صحيحة تماماً. وهنّ، في فترة الانتظار، حين نحار بين وجوب طردهن من حياتنا وتفكيرنا، وبين احتمال أن نكون قد أخطأنا بحقهن، لا يُثبتن العكس، بل يحولنك إلى الشخص الذي تجب محاربته، لأنهن معصومات عن الخطأ. أي فكرة، أي تصرف، وأي كلمة لها ما يبرّرها، وانتهى.



جميعهن في بالي، منذ اللحظة التي قرّرت فيها المضي قدماً، ولو كان الأمر يستدعي خسارة جميع الناس. والحبل مقطوع بين الشخصية الأولى والشخصيات الأخيرة، لأن الأولى اكتفت بالحب، والثانية أحبّت انطلاقاً من مفاهيمها للأمور والحياة، وكان الأذى في النهاية مبرراً أو دفاعاً عن النفس. هذه المرة، سأتناول ورق العنب على مهل. سأعود للحب لأتابع طريقي كما أحب أن أكون.

المساهمون