نخبة مغربية بعيون أميركية

نخبة مغربية بعيون أميركية

03 يوليو 2015
+ الخط -
تناول عشاءه الأخير، رفقة زوجته، وربما ساورته مشاعر الشك والحيرة، وهو يجمع حقائب العودة إلى بلاده. هل كان الباحث الأميركي، واتر بوري، محقاً، عندما وصف النخبة السياسية المغربية، غداة الاستقلال وحتى حدود سنوات الستينات، بأنها "عصير فواكه فاسد، لا يصلح لشيء"؟ وهل كان زميله الأميركي الآخر، بول بولز، الذي قضى في المغرب أكثر من أربعين سنة، حيث هو الأخر مخطئاً، حين وصف الحقل الاجتماعي والتاريخي في المغرب بالبنية العتيقة المغلقة التي تدور في حلقة مفرغة، على الرغم من تعاقب السنوات، وتغير الآليات والبناء المؤسساتي وابتداع خطابات سياسية وثقافية مغايرة. لكن روح البنية يظل هو نفسه بشكل أقرب إلى الأسطورة، 
فبعض التقليديين "الإصلاحيين" يعرضون بضاعتهم المتلاشية الرخيصة التي عفا عنها الزمن، والتي لا تخلو من مخاطر على المجتمع وأجياله وأشباه الحداثيين الذين يروجون "مشروعهم" الملتبس والمفكك والفاقد صلة قوية ومتماسكة بالتربة العميقة للمجتمع.
إنهم يتحدثون جميعا اللغة الخشبية المتآكلة عن ضرورة بناء مجتمع جديد وتقنين السلطة، وتوزيع الثروة الوطنية، بشكل عادل ومنصف، على كل الفئات، بما فيها الفئات المقهورة المنسية الموجودة أسفل الهرم الاجتماعي، والتي تجاهلتها أغلب السياسات و"مخططات التنمية" العقيمة التي يجري إعدادها في المكاتب المكيفة والصالونات المخملية المغلقة، بينما الحقيقة أن المجتمع الذي يخطب وده كل اللاعبين في مربع السياسة صامت سياسياً، بل ويغرق، يوماً بعد يوم، في الظلم والعنف المتزايد في المدن واللامساواة وندرة فرصة الترقي الاجتماعي.
وأمام هذا الواقع المتشظي أصبح الجميع يركض، بشكل هستيري، نحو الامتيازات والمنافع والتقرب مما تجود به موائد النافذين بشتى السبل الماكرة والمؤلمة والحاطة من الكرامة البشرية في حالات كثيرة. أذكر هنا ما صرح به أحد قادة اليسار، عشية الإعلان عن النتائج النهائية، قبل تشكيل حكومة "التناوب الرمادي"، مفاده بأن الجميع يتحمل تلك المهزلة السياسية، والخريطة السياسية السريالية، بما فيه دوائر الحكم والأحزاب السياسية والمثقفين والمجتمع الذي قبل أن يكون الضحية والجلاد، في الوقت نفسه، ذلك أنه المستفيد الأول من الرشوة والفساد والتساهل والتواطؤات الخفية والمعلنة، وهو الضحية في نهاية المطاف، عندما يدرك، بالفطرة، في لحظة صفاء الضمير، أنه رهن أحلامه للمضاربة السياسية، وبالتالي، بات لا يملك أدنى فكرة، أو تصور، حول مستقبله.




avata
avata
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)