نجيب نصّار وفيالق الحمقى

نجيب نصّار وفيالق الحمقى

31 مايو 2016
نجيب نصار (Getty)
+ الخط -
في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وتحديدًا عام 1873، ولد نجيب نصار في قرية صغيرة في جبل لبنان. الزمن زمن الإمبراطورية العثمانية وولاياتها، وهو أيضًا زمن نهاية فترة الإصلاح أو ما يعرف بـ "التنظيمات العثمانية". لم تكن الأمور توحي بالتفاؤل، فالولايات ستتفلت من الإمبراطورية، وفي الظنّ أنها ستلتئم في دولة عربية. ما حصل نعرفه؛ أربع دول مشرقية: سورية، لبنان، الأردن وفلسطين التي خبّأت لها الأيام، محوًا شبه كامل؛ ابتلعها الوحش، اغتصبها الصهاينة.

لعّل ثمة حكمة ما، في ولادة نصّار في ذاك الوقت، فمن الجبل اللبناني إلى حيفا الفلسطينية، انتقل. ما كان ثمة حدود، وما كان ممكنًا لاتفاق سايكس بيكو الشهير، أن يمنع أحد روّاد الصحافة العربية، من الدراسة في بيروت، ثم العمل في طبرية، ثم الإقامة في القدس، وصولًا إليها، تلك المدينة الواقعة بين الجبل والبحر؛ حيفا التي لا يمكن إلا الوقوع في غرامها.
موقع المدينة جذب إليها "المال والأعمال"، وغدت ميناءً عربيًا مهمًا، حد أن خط النفط الشهير ؛ خط كركوك، كان يصل إليها. ومن بعد النكبة 1948، لن تعود تلك المدينة عربية، سيلتهمها الوحش.
لعلّ حسن حظ نصّار أن الباري استفقده قبل النكبة بشهرين، فلم يرَ رأي العين ما كان يحذّر منه على الدوام، فهو صاحب الدورية الأسبوعية؛ "جريدة الكرمل"، التي أسسها عام 1908، وعمّدها باسم ذلك الجبل الجميل؛ جبل الكرمل.
وفي "جريدة الكرمل" راح نصّار يدبّج المقالات واحدًا تلو الآخر، ليفضح ما ترمي إليه الحركة الصهيونية من سرقات لأرض فلسطين عن طريق الخداع، وعن طريق "تزيين" بيع الأراضي كعمل "اقتصادي" لا رائحة سياسية تشوبه.

في بدايات القرن العشرين إذن، راح "القرّاء" يجدون في كلام نصّار شيئًا أدنى إلى الخرافة، فذاك التحذير من بيع الأراضي رنّ في البال كنكتة على ما يبدو. ولم يعدم نصّار أيضًا خصومًا من الصحافة مثل "جراب الكردي"، و"النفير العثماني" و"جويش كرونيكل" على ما يذكر صقر أبو فخر.
لم يجد "خصوم" نصار أفضل من السخرية جوابًا على تحذيراته. هم في ذلك يشبهون حقّا "فيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، من دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء"، والكلام للروائي والناقد أمبرتو إيكو، في وصف سكّان تويتر وفيسبوك. كلامٌ ولا ريب ينطبق على كلّ من نطق بكلمة ضدّ نصّار في تحذيره المحق. وكيف لا؟ وفيالق الحمقى في أوّل القرن وصفوا الصحافي الوطني الرائد بـ "مجنون الصهيونية".

المساهمون