موقع "آفاز": تعال نبكِ معًا

موقع "آفاز": تعال نبكِ معًا

16 مارس 2017
(من صفحة "آفاز" على فيسبوك)
+ الخط -

نتوصل كلّ يوم أو يومين، بدعوة للتّضامن في قضية ما، عالمية أو محلّية عبر البريد الإلكتروني أو وسائل التّواصل الاجتماعي، وللتّوقيع على عريضة التّضامن مع أشخاص أو قضية. دعوات تحمل اسم "آفاز" التي أصبحت ماركة مسجّلة للتضامن والاحتجاج ضد الظّلم بشتى طرقه، وأساليبه، كتعبير قوي عن محاولة الإنسان، ذلك الكائن الاجتماعي بطبعه، الذي أدرك الحاجة إلى التّضامن منذ القدم، وقوّة صوت الجماعة لاحقًا، في عصر غير إنساني، أن يؤنسن البيئة قدر الإمكان، ويخترع حلولًا متعددة الأبعاد؛ لمواجهة التكتّلات الكبرى للشركات العالمية والدول الكبرى، والتّحديات المحلية في كل بلد على حدة.

هناك حملات حقّقت نجاحات باهرة تصل إلى ملايين الموقّعين، وأخرى لم تتجاوز الألف. في البداية كان معظمها يؤثّر بشكل كبير، بانخراط عدد كبير من المناصرين، لكن مع مرور الزّمن، وتضاؤل الإيمان بجدواها قلّ عددهم. لكن مع ذلك ما زالت رائجة "فكرة التّضامن عبر عرائض آفاز"، إن لم تكن عن قناعة بجدوى الاحتجاج، فلاستغلالها لإحداث صدىً إعلامي، وأحيانًا فرصة للبكاء على ما ضاع للأبد.


سيارة إطفاء
آفاز تعني "صوت" بعدة لغات، أطلقت عام 2007  لجمع الأصوات من كل مكان في العالم، لردم الهوّة بين العالم الذي نعيشه اليوم، والعالم الذي يريده أغلب الناس في كل مكان، وفق ما تعلن عنه المنظّمة، تمامًا مثل سيارة إسعاف.

منذ ذلك الحين، تمكنت آفاز بمشاركة الملايين حول العالم، من اتخاذ إجراءات حول قضايا عالمية ووطنية ومحلية، من الفساد إلى الفقر، إلى النّزاعات، وتغير المناخ، عبر نموذج تنظيمي عبر الانترنت يمكّن آلاف الجهود الفردية، من أن تتوحّد وتصبح قوة جماعية مؤثرة.

تقوم آفاز بإطلاق حملاتها عبر الإجراء المناسب -من توقيع العرائض وتمويل الحملات الإعلامية، والإجراءات المباشرة، وإرسال الرّسائل الإلكترونية، لحشد المواقف أمام الحكومات وتنظيم المظاهرات والفعاليات- بفريق موحّد ومفوّض. وكل عام، تحدد أولوياتها من خلال استفتاء أعضائها، كما تقوم أسبوعياً بإرسال أفكار الحملات لعيّنة عشوائية من 10 آلاف عضو، ويتم اعتماد الحملات التي تلقى تجاوبًا قويًا فقط.


بضع دقائق للحشد
لتزويد القارئ بالمعلومات الهامة التي يحتاجها ليقرّر بشأن مشاركته في القضية أو لا، تكون الدقائق الأولى حاسمة، حيث إن حملاتها تقف على جعل هذا الوقت البسيط، قادرًا على خلق تغيير حقيقي في موضوع مهم، وفي حال اختار أعضاء آفاز المضي قدمًا، تُنفّذ الحملة من خلال تسليم العرائض في رسائل للأعضاء، أو ترتيب حملات إعلانية مموّلة من قبلهم.

وضمن دورة حياة أي قضية، تبرز لحظة ما حيث يتحتم اتخاذ قرار. عندها، من الممكن لصرخة احتجاج جماعية مدوية أن تحدث تغييرًا بالغ الأهمية. والوصول إلى تلك الإمكانية يتطلب سنوات من العمل المضني خلف الكواليس، بواسطة أشخاص متفرغين لهذه المهمة.

لكن عندما تحين هذه اللحظة أخيرًا، وتُسلّط الأضواء على القضية، يعتمد منحى القرار الذي يتخذه القادة على تصوّرهم للعواقب السياسية لكل خيار. ومن خلال تلك النّافذة الضيقة للمشكلة وفرص الحل، يبرز دور مجتمع آفاز في التّأثير واستغلال هذه اللّحظة، كما يشير موقع المنظّمة.

تتضمّن حملات آفاز مجموعة من المبادئ والقيم؛ منها، القناعة بأننا جميعًا بشر أولًا، لنا مسؤوليات تجاه بعضنا البعض، وتجاه أجيال المستقبل وتجاه كوكبنا أيضًا، تتمثل في القضايا التي تعمل عليها. وفي تمكين الآلاف من بدء حملاتهم الخاصة والانتصار بها، على جميع المستويات، حيث وصل عدد أعضاء آفاز إلى أكثر من 44 ألف عضو في جميع أنحاء العالم، وبلغت الإجراءات المتخذة 325 ألف إجراء.


جعجعة بطحين
إذن هل تؤثّر حملات آفاز، أم تخلق وهم الإنجاز فقط؟ في موقع المنظمة نماذج لأكثر حملاتها نجاحًا، نورد بعضها:

-التغير المناخي وبداية نهاية الوقود الأحفوري: كان لآفاز دور ريادي في حشد تأييد الرأي العام العالمي، من أجل الضغط على القادة للتوصّل إلى اتفاقية باريس. إذ قادت مظاهرات المناخ عامي 2014 و2015، التي كان لها أثر كبير، وشكّلت الحشد الشعبي الأكبر بشأن المناخ في التاريخ (أكثر من مليون ونصف المليون مشارك في هذه المظاهرات).

- مقاومة التحكم في شبكة الإنترنت: عام 2012، ساهمت عريضة آفاز التي جمعت ثلاثة ملايين توقيع في تعزيز الجهود الوطنية لإسقاط مشروعي قانونين، تم اقتراحهما ليتم التصويت عليهما في الكونغرس الأميركي، يسمحان للحكومة بإغلاق أي موقع إلكتروني بما فيها موقع آفاز. بعد ذلك بأسبوع فقط، كان البرلمان الأوروبي بصدد المصادقة على قانون ACTA، وهي معاهدة تسمح للشركات بفرض الرقابة على المواقع الإلكترونية.

وقع ما يقارب ثلاثة ملايين عضو من أعضاء مجتمع آفاز على عريضة تعارض هذه الاتفاقية، إلى أن أجبروا البرلمان الأوروبي بإعادة النّظر في المشروع باعتباره اعتداء على الديمقراطية. وعام 2016، شنّت شركات الاتصالات العملاقة في أوروبا هجومًا على مبدأ حيادية الإنترنت، لكن آفاز من خلال تسليم عريضة ضخمة ترفع شعار الإنترنت للجميع، عملت على ضمان اعتماد معيار عالمي لحماية الإنترنت، بعريضة جمعت مليونين وثمانمائة ألف توقيع.

-الثورة ضد الفساد في البرازيل: شكل الملايين من أعضاء آفاز البرازيليين قوّة دافعة في مواجهة الفساد في بلادهم. لدرجة وصفت فيها صحيفة لوموند النتائج "بالثّورة السياسية". البداية كانت في عام 2010 مع قانون الصّفحة البيضاء، الذي كان مقترحًا لمنع السياسيين المدانين بارتكاب جرائم من الترشّح للمناصب العامة. فأطلقت عريضة من المجتمع المدني على الأرض، وقعها نصف مليون شخص. بعد عدة أشهر من المواجهات السياسية الحامية، تمت الموافقة على قانون الصّفحة البيضاء.

-التغلب على مافيا روبرت مردوخ : يعد روبرت مردوخ أكثر أباطرة الإعلام نفوذًا وخطورة في العالم، حيث يعمد إلى إساءة استغلال إمبراطوريته الإعلامية من أجل السّيطرة على السياسيين، وللترويج لسياسات الكراهية والتفرقة. لذا، لعبت آفاز دورًا محوريًا في عرقلة أكبر صفقات مردوخ على الإطلاق. صفقة لو تمّت لتمكن من توسيع إمبراطوريته بشكل دراماتيكي. لذا تدخلت آفاز لمنع الحكومة البريطانية، من إعطاء الضوء الأخضر لمردوخ للاستيلاء على الشبكة البريطانية العملاقة للإذاعة Bsky. بالعمل المكثف الذي امتد على مدار 9 أشهر تخلّلها أكثر من مليون إجراء على الإنترنت، وتوكيل محامين لمواجهة الصفقة قانونياً، بالإضافة إلى تنظيم العديد من التّحركات خارج مبنى الحكومة. خاصة بعد فضيحة مؤسسات مردوخ الإخبارية (حيث عمدت إلى اختراق البريد الصوتي لملايين المواطنين البريطانيين بطريقة غير قانونية).

استطاعت آفاز تأجيل اتخاذ القرار لأشهر، إلى أن تم الإعلان عن فضيحة تجسّس، بقيام صحيفة تابعة لمردوخ بقرصنة الهاتف المحمول الخاص بمايلي داولر، وهي فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا وقعت ضحية لجريمة قتل. أدى الغضب الشعبي الذي أجّجته عريضة لآفاز جمعت توقيع أكثر من 140 ألف بريطاني خلال يومين، إلى إقناع النواب بالتّصويت ضد صفقة مردوخ في مجلس العموم. وحين تم الكشف عن المراسلات الداخلية لذلك التحقيق، تبيّن أن حملة آفاز كانت العائق الأكبر أمام إنجاز الصفقة.


الحدود بين الإنساني والسياسي
إلى جانب حملات الاحتجاج والتّضامن، تقوم آفاز بجمع ملايين الدولارات للمساعدات، وتسليمها بشكل سريع عند حدوث الكوارث الطبيعية. لكن مع ذلك ليس هناك ضمانة واحدة لعدم استعمال حملات التّضامن في آفاز لأغراض سياسية، من طرف مجتمع آفاز نفسه. حيث بإمكان أيّ كان أن ينشئ حملته الخاصة، وحين يتبنّاها عدد كبير من الأشخاص يتبناها الموقع، وتصبح ضمن حملاته الرسمية. وبالتالي فبإمكان أي كان، سواء في خصومة سياسية، أو في مسألة تصفية حسابات سياسية، أن يدخل لإنشاء حملة ضدّ خصمه، بدعاوى إنسانية في الظّاهر، وأجندة سياسية في الباطن. كذلك لن تعرف إن كانت الحملة التي تشارك فيها حقيقية، أو تجريبية.

ولإنشاء عريضة خاصة بك، تنصحك آفاز أنّه لكي تشجع الناس على توقيع عريضتك، صف المشكلة والحل، والجهة القادرة على تحقيقه، ووضّح كيف سيساعد الإجراء المقترح في الدفع باتجاه هذا الحق، مع دعم حجتك بإيجاز. ابدأ مباشرة بذكر الشّيء الذي تود تغييره، ووضح أهمّية العريضة في تحقيق الحل، ولا تنس جهتك المستهدفة وتأثير الضّغط الشعبي على قرارها. ثم تأكد من دعوة القارئ لاتخاذ إجرائك المقترح، مع دعمه أي معلومات أخرى تود إيصالها إلى مؤيديك، كتاريخ الموضوع أو انتقادات شائعة حوله. وركّز على عامل الوقت، لماذا الآن؟ ما هو السبب الذي يجعل هذه العريضة طارئة؟ وتذكّر أنه ربما تزور الجهة المستهدفة هذه الصفحة (خاصة إذا نجحتَ في خلق ضغط كبير).

المساهمون