موسم جني الأرباح من كارثة

موسم جني الأرباح من كارثة

11 مايو 2020

(Getty)

+ الخط -
يشي تبادل الاتهامات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وأيضاً دول الاتحاد الأوروبي، حيال تحديد المتسبب في وقوع كارثة جائحة كورونا، بأن آلية ضبط الضغط السياسي والعسكري التي تكفّل المنتصرون في الحرب العالمية الثانية بإنشائها تحت اسم مجلس الأمن (الدولي) باتت تحتاج لتجديد شبه كامل، فصيغة "الأمن" التقليدية لم تتضمن، بحكم عدم وجود مثل هذه الأخطار في وقت صياغتها، مسائل كالأمن السيبراني، والأمن الفضائي، والأمن البيئي، وبالطبع الأمن الصحي، من نموذج قيام دولة ما بإنتاج فيروس خطير يستهدف البشر، أو لنقل، وعلى وجه الدقة، احتمال وقوع خطأ ما في مختبر إحدى الدول، تنتج عنه كارثة عالمية مثل التي يعيشها العالم حالياً!
تحتاجُ الأزمات المحتملة غير المنصوص عليها في قواعد عمل مجلس الأمن إلى مؤتمرات خاصة، غير أن أحداً لم يدع إلى مؤتمرِ حيال فيروس كورونا. ربما كان الوقت مبكراً بسبب الإجراءات المتبعة، ومنها إيقاف اللقاءات الجماعية على المستوى الدولي، على الرغم من أن هذه الآلية لم تمنع الدول من الاجتماع في لقاءات عبر تقنيات قنوات البث المباشر المغلقة!
ولكن اتهام دولة عضو في مجلس الأمن، واتهام منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع هذه الدولة، ليس أمراً بسيطاً يمكن المرور عليه مرور الكرام، والعالم يعيش غمار الأزمة، فبناءً على الأدلة التي تحدّث عنها الرئيس الأميركي، ترامب، ووزير خارجيته، بومبيو، تم إيقاف الدعم عن المنظمة الأممية ذات الفعالية الأخطر في أيامنا هذه، من دون أن يطلب أحد من أصحاب الاتهامات أن يقدّموا أدلتهم ضد المتهمين الذين نفوا، كلٌ بدوره، ما خرجت به الإدارة الأميركية من ادعاءات!
وهنا سيسأل أحد الفضوليين؛ إلى من، يمكن للولايات المتحدة أن تقدّم أدلتها؟ لتبني قوام القضية التي سينتج عنها تحميل الصين المسؤولية؟ لقد حمل وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كولن 
باول، في العام 2003، حقيبة مليئة بتسجيلات صوتية وصور مأخوذة عبر الأقمار الاصطناعية، ليعرضها على أعضاء مجلس الأمن، كي يدفعهم إلى الموافقة على اجتياح جيش بلاده العراق. ثم عاد بعد سنوات طويلة ليعترف بأن أدلته لم تكن كافية لاتخاذ هذا القرار الذي كلف العالم كله، وليس العراقيين والولايات المتحدة فقط، أحمالاً وتبعات، لم تنته تداعياتها بعد. وكان الغزو الكارثي للعراق واحداً من تجارب "العلاج بالصدمة"، خاضتها زمرة المستفيدين من الكوارث، كما تقول نعومي كلاين في كتابها "عقيدة الصدمة"، حيث يتم استباحة البلد المستهدف وتدمير مقوماته من الاقتصاد إلى الثقافة، بحجة تغيير النظام السياسي.
إدارة ترامب، بوصفها امتدادا للمحافظين الجدد، وكذلك قيادة الحزب الشيوعي الصيني، كانتا وما زالتا ضمن عديد القيادات العالمية التي استفادت من فعالية الصدم التي ينتج عنها مناخ استثماري هائل، يتم فيه إعادة تنشيط السوق الرأسمالي، وشحذ نهم الشركات للعمل والربح، بالترافق مع انهيار مؤسسات الدولة المستهدفة، وتسليمها لذئاب الأسواق الجوالين بين القارات!
ولم تُظهر خطوات كلتا القيادتين في خضم معالجة تداعيات الأزمة أي خوف أو شعور بالفجيعة حيال موت آلاف من البشر، فالمدن المنكوبة في الصين أغلقت فترة ثم أعيد فتحها لتدور مصانعها مجدداً، بينما ذهب ترامب ليفاوض على شراء حقوق العلاج المحتمل للمرض، فيما ستقوم إدارته بضخ تريليوني دولار كجرعات تنشيط ومساعدات للأميركيين، ستحوز الشركات جزءا كبيرا منها، سيما في قطاعات رئيسة، كالأدوية والمستشفيات التي تحتاج إعادة تأهيل! بينما يبقى قطاع التأمين الصحي على حاله بعد إلغاء قانون "أوباما كير" الذي سمح لملايين الأميركيين بالحصول على تأمين صحي، بحجة مخالفته للدستور!
إذا كانت إدارة ترامب والقيادة الصينية مستفيدتين من تداعيات الكارثة، هل ستحتاجان إلى التقاضي أمام أحد؟ وهل ستتسع جلسات مجلس الأمن لعرض قضيةٍ لا يمكن لأحد طرفيها أن يفرض على الآخر قراره بحكم تمتع كليهما بحق النقض (فيتو)؟ يقول السيناريو المحتمل إن الأميركيين سيذهبون إلى فرض العقوبات على الصينيين عبر رفع الرسوم الجمركية على بضائعهم، بينما سيرد هؤلاء بتهديد الاقتصاد الأميركي من خلال التخلص مما يمتلكون من سندات الخزينة الأميركية (تقدر قيمتها بـ1.13 تريليون دولار) ما سيؤدي إلى انهيارات جديدة في الاقتصاد الأميركي.
ولكن هل يمكن للطرفين أن يفعلا ما ذُكر أعلاه في ظل الوضع الاقتصادي البائس الذي وصل إليه الاقتصاد العالمي بسبب الإغلاق الذي فرضته الجائحة؟ واقع الحال لا يؤدي إلى هذا السيناريو، بل إنه يدفع إلى احتمال أن الجعجعة الراهنة بين الطرفين بلا طحن، وأنهما سيلتفتان إلى جني الأرباح قبل أن يذهبا إلى المواجهة، فآخر الهم لديهما الآن خوض صراع بيني، بسبب موت عشرات آلاف البشر، ضاع دمهم بين الإهمال والتكتم الصيني وضعف الإجراءات الصحية وغياب التأمين الذي يكفل لهم العلاج.