موسم "الصيد" الإماراتي

موسم "الصيد" الإماراتي

04 اغسطس 2019
+ الخط -
قبل ست سنوات، وتحديداً بعد انقلاب الثالث من يوليو/ تموز في مصر، برز دور الإمارات زعيمةً لمحور الثورات المضادة في العالم العربي. دور كانت تمهد له قبل ذلك بسنوات من خلف الكواليس، مع الحرص، في الوقت نفسه، على إظهار نفسها في مقام الدولة المحايدة التي لا تتدخل في شؤون المنطقة، وأن وظيفتها خدماتية اقتصادية بالدرجة الأولى. إلا أن الذي كشف بعد ذلك معاكس تماماً لما كانت الإمارات تحاول ترويجه، إذ كشرت عن أنياب عدائية توسعية، سياسياً وميدانياً، في عديد من دول الأزمات في المنطقة، محاولة تصدير السعودية قائدةً لما سمّي "التحالف العربي"، والذي تجاوز دوره في الحرب على اليمن إلى ما هو أبعد بكثير. 
خلال المرحلة اللاحقة لحصار قطر، والذي قادته الإمارات ضمن المحور الرباعي، برز أن نفوذ أبوظبي السياسي يتجاوز بكثير ذلك المفترض أن يكون للسعودية، باعتبارها الدولة الكبرى في المحور، إذ لم تكتف أبوظبي بالمشاركة في حرب اليمن، بل زرعت أذرعاً عسكرية لها في اليمن، وهو ما لم تقم به السعودية. كان واضحا أن الإمارات تحاول السير على الخط الإيراني في تأسيس فصائل محلية تدين لها بالولاء، تماما كحال الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان. وهي وجدت ضالتها في الانفصاليين الجنوبيين الذين لا يدينون بالولاء للسلطة الشرعية في اليمن. الأمر نفسه ظهر في ليبيا، فالدعم الإماراتي لمليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر فاق بكثير ذلك الذي تقدّمه السعودية، ومعلومات كثيرة أشارت إلى دور مباشر لطيران إماراتي في شن غارات على طرابلس خلال حملة حفتر الأخيرة عليها. وبعد الثورة السودانية، انتقلت الإمارات في محاولة التأثير السياسي إلى الخرطوم، عبر دعم المجلس العسكري بوجه المعارضين المدنيين، ومدّت المجلس بالسند السياسي الإقليمي والدولي لإبقائه، والوقوف في وجه تمدّد الاحتجاجات الشعبية في دول أخرى في المنطقة.
غير أن الأمور اليوم تبدو مختلفة بالنسبة للإمارات، ليس لجهة وقف دعم الثورات المضادة، بل في ما يتعلق بالاصطفاف في المحور الذي كان يروج خلال السنوات الماضية، لأن إيران هي الشر المطلق في المنطقة، وهو محور أدت فيه أبوظبي دوراً قيادياً حتى وقت غير بعيد، عندما اندلعت أزمة الملاحة في مضيق هرمز، واتضح أن كل الرهانات التي كانت موضوعة على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لمواجهة إيران سقطت في الامتحان الأول، والذي سجلت طهران فيه نقاطاً بالجملة ضد الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الخليجية المتحالفة في هذا المحور. لم تنتظر أبوظبي طويلاً للقفز من المركب الغارق، أو المتعطل في وسط الأمواج المتلاطمة، فسارعت إلى نقل البندقية عبر وفد أمني زار طهران على عجل، وعقد معها اتفاقاتٍ حدوديةً واقتصاديةً مصرفية. التبرير الإماراتي للزيارة كان أنها خاصة بـ"تنظيم الصيد" في الخليج، وأن الاجتماع هو جزء من اللقاءات الدورية التي يعقدها المسؤولون الإماراتيون مع نظرائهم الإيرانيين، على الرغم من أننا لم نسمع أو نقرأ عن هذه الاجتماعات خلال السنوات الست الماضية على الأقل.
وعلى الرغم من أن الإيرانيين سارعوا إلى تكذيب المسؤولين الإماراتيين، وكشفوا عن الاتفاقات التي تمت خلالها، ولكن يمكن التصديق أن "الصيد" هو أساس الزيارة الإماراتية، لكن بالتأكيد ليس نفسه ذلك الخاص بالأسماك، بل المتعلق بالمصالح السياسية والاقتصادية للإمارات تحديداً، والتي تضعها فوق كل اعتبار، وهي مستعدّة لتبديل الولاءات من أجلها، فالرياح التي كانت تنشدها سفن الإمارات من المواجهة مع إيران لم تأت كما تشتهي، وكان لا بد من التفافةٍ تتماشى مع توجهات الرياح الجديدة، فكان اللقاء في طهران وكان الانسحاب من اليمن، ومن غير المعلوم بعد ما قد يحمله موسم "الصيد" الإماراتي.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".