من يناوئ الدولة في سيناء؟

من يناوئ الدولة في سيناء؟

28 يوليو 2015
+ الخط -
عرض المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية، في يوم 7 يوليو/تموز 2015، صورة لأحد المسلحين الذين قبضت قوات الجيش عليهم في منطقة العمليات شمال سيناء. وبدت الصورة منطقية تماما في تفاصيلها لشخص جهادي في منطقة نفوذ ولاية سيناء، كان في مهمة ما، وقبض عليه، لكن الغريب في الصورة طبيعة الكتب الثلاثة التي كان يحملها الرجل؛ لم يكلفني الأمر كثيرا من الجهد للبحث في الشبكة العنكبوتية عنها، حتى كانت المفاجأة!
الكتب الثلاثة تهاجم تنظيم داعش، أحدها (هذه شهادتي) لمؤلفه أبو أسامة الجزراوي، يعرض شهادات لتجاوزات تنظيم الدولة في سورية، والآخران (اللطافة في توضيح معاني الخلافة)، و(إذا قلتم فاعدلوا)، تدور أفكارهما حول نقض فكرة قيام الخلافة التي دعا لها البغدادي. وكل الكتب هي لرجال عاشوا فترة ولادة تنظيم الدولة قبل انفصالها عن تنظيم القاعدة وبعده.
ماذا يفعل هذا الشخص بهذه الكتب في أحد معاقل تنظيم الدولة، وفرعه الأول في مصر في سيناء؟ هل حقاً حدثت انشقاقات في تنظيم أنصار بيت المقدس، بسبب خلافات بينهم حول فكرة بيعة البغدادي في 3 نوفمبر/تشرين ثاني 2014؟ ما أثر هذا التنوع، إن وجد، على فكرة العمل المسلح في مصر وانتشاره؟
ظلت فكرة الخلاف داخل تنظيم أنصار بيت المقدس حول بيعة البغدادي ظنية، ومنبعها كان الأخبار التي تأتي من مصادرنا المقربة من التنظيم، حتى حسمها الفيديو الذي ذاع يوم 22 يوليو/تموز الجاري، إن صح، من ضابط الصاعقة المصري السابق، المقدم هشام عشماوي، الذي ظهر صوتيّا في الفيديو ملقبا بأبي عمر المهاجر، زعيم تنظيم المرابطين. وكانت الدوائر الرسمية المصرية تصفه بقائد عمليات أنصار بيت المقدس في مصر، ونسبت إليه اتهامات بأنه شارك في مذبحة كمين الفرافرة، في 19 يوليو/تموز 2014، وهي العملية التي قتل فيها 22 مجندا، ومذبحة العريش الثالثة في فبراير/شباط 2015 التي استهدفت الكتيبة 101، وقتل فيها 29 عنصرا من القوات المسلحة، كما اتهمته أيضا بالضلوع في اغتيال النائب العام.
وجاء التسجيل المرئي في بدايته بكلمة لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، وهذا يدل على تبعية هذا التنظيم الوليد فكرياً على الأقل حتى هذه اللحظة لتنظيم القاعدة https://www.youtube.com/watch?v=2z1VqdO1400؛ وهذه المرة الأولى التي يظهر فيها هذا الخلاف حول بيعة البغدادي للعلن. وفي هذا الإطار، يمكننا تفسير صورة المسلح المتحدث عنه في بداية المقال، والذي كان يتجول وحيداً في شمال سيناء، حاملا كتباً لتنظيم القاعدة.

لم يكن هذا الخلاف الذي حدث داخل تنظيم أنصار بيت المقدس سابقاً بسبب فكرة البدء في استهداف أفراد الجيش والشرطة المصرية، بعد أن كان جهدهم منصبّا على استهداف المصالح الصهيونية، فهذا التحول حدث قبل بيعة البغدادي بعدة شهور، كما أن الواضح من كلام عشماوي الموالي للقاعدة في تسجيله الصوتي أنه سائر على الدرب نفسه، ويدعو الأنصار إلى الجهاد ضد عبد الفتاح السيسي. ولكن، في ظني أن الخلاف كان مرتكزا على بعدين:
الفكري الذي توضحه طبيعة الكتب التي ظهرت في الصور أعلاه، بما تحمله من علامات استفهام حول أداء داعش في الساحات الجهادية المختلفة، وخصوصاً الساحة السورية. وبعد المصالح والمفاسد التي قد تحملها هذه الخطوة، حيث كان عشماوي ورفاقه يحرصون على بقاء التنظيم محلياً إلى حد ما، على الرغم من ارتباطه فكرياً بتنظيم القاعدة الذي يعمل بشكل لا مركزي، يترك فيه للتنظيمات التابعة إدارة ملفاتها بما تراه موافقا لمصلحتها، طالما ظلت منضبطة بفكر القاعدة وأدبياتها، وكان هم هذا الفريق الحفاظ على تعاطف الحاضنة الشعبية التي تكونت لهذا التنظيم، من خلال استهدافه خطوط نقل الغاز للكيان الصهيوني، ونتيجة الممارسات البشعة غير المسبوقة للقوات المسلحة في سيناء، وضد المعارضين السياسيين السلميين في ربوع مصر، وكان هذا الفريق يراهن على كسب شريحة من قطاع معارضي الانقلاب، غير المنتمين تنظيميا لجماعة الإخوان المسلمين، بعد كفرهم بالأدوات السلمية في التغيير، وإيمانهم بانعدام وجود رؤية واضحة لدى "الإخوان" لإسقاط هذا الانقلاب، بينما كان الفريق الآخر المؤيد لبيعة البغدادي، وتزعمه أبو أسامة الأنصاري وكمال علام، حريصا على جذب أكبر عدد من الأنصار المتعاطفين مع تنظيم الدولة في مصر، واستجلاب بعض القادة من التنظيم في العراق وسورية للاستفادة من خبراتهم، وربما الحصول على دعم مادي كبير يساعدهم على الاستمرار في المعركة الصفرية التي بدأت مع الجيش المصري، وساعد في ترجيح كفة هذا الفريق بعض الشباب السينائي العائد من ساحات القتال في سورية، تحت راية داعش.
هنا في مصر، بلد التسعين مليونا، أصبح لدينا حالياً بفضل آلة القمع الوحشية كوكتيل جماعات جهادية، تستوعب كل فاقدي الأمل في فكرة التغيير وتداول السلطة بشكل سلمي، بعد دهسها تحت دبابات العسكر، أصبح لدينا جيش من أصحاب الثأر والمظالم سيجدون متنفسا لتفريغ شحنات الغضب المكتوم في صدورهم. لم يعد هناك جدوى من سفر الشباب المتعاطف مع داعش أو جبهة النصرة إلى سورية أو العراق؛ فقد أحضرتهما دبابات السيسي إلى قلب القاهرة، بينما يستمر النظام العسكري في قمعه، لتسويق نفسه للغرب عضواً مخلصاً في نادي الحرب على الإرهاب.
والسؤال هنا للعقلاء في مصر: أيهما أخطر على الوطن؛ إرهاب الأفراد أم إرهاب الدولة؟ أليس التهميش إرهابا؟ أليس الإقصاء إرهاباً؟ أليس قصف البيوت عشوائيا بالطائرات إرهابا؟ أليس قمع الرأي الآخر إرهابا؟ أليست التصفية الميدانية للمواطنين إرهاباً؟ أليست إزالة مدينة رفح من الوجود إرهابا؟ أليست العنصرية ضد أكثر من نصف مليون إنسان في سيناء إرهاباً؟ أليس حصار المواطنين في الشيخ زويد ورفح وقطع الماء والكهرباء إرهابا؟ أليس سجن الأطفال والصبية وتعذيبهم إرهاباً؟ أليس موت المعتقلين السياسيين في السجون والمعتقلات إرهاباً؟ حين تمارس الدولة الإرهاب، هل يصبح هناك من الأصل دولة؟
فانتبهوا وابدأوا البحث عن أسباب تمرد البشر، ولا تنسوا أنه لا سلام بدون عدالة.

8D126150-7877-4757-A75A-29399F4B91BB
8D126150-7877-4757-A75A-29399F4B91BB
أحمد سالم

كاتب متخصص في الشأن السيناوي

أحمد سالم