من هنا يبدأ حل أزمة مصر الاقتصادية

من هنا يبدأ حل أزمة مصر الاقتصادية

28 فبراير 2019
مدخل الحل المصري سلطة تحترم الدستور (فرانس برس)
+ الخط -
هل باتت أزمة مصر الاقتصادية مستعصية على الحل، وبالتالي سيظل المواطن يعاني من ارتفاعات قياسية في الأسعار، وتآكل في مدخراته التي أكلها التضخم وضعف قيمة الجنيه مقابل الدولار في سنوات سابقة، وهل سيظل المواطن على موعد مستمر مع أزمات البطالة والفقر والتضخم والفساد وضعف الخدمات التعليمية والصحية؟

بالطبع لا، فالأزمة ليست مستعصية على الحل، وهناك حلول كثيرة يمكن أن تنقذ البلاد من أزمتها الاقتصادية والمالية التي باتت تنعكس على المواطن في صورة زيادة ضرائب ورسوم حكومية وخفض الدعم الحكومي المقدم للسلع الرئيسية كالوقود والكهرباء والمياه والسلع التموينية وغيرها.

ولنا في تجارب البلدان الأخرى عبرة، فهناك بلدان خرجت من أزماتها الطاحنة في غضون سنوات، خذ مثلا تجارب الصين والهند وتركيا ودول جنوب شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وغيرها، كما خرجت بلدان من حروب أهلية طاحنة قضت على الأخضر واليابس إلى آفاق التنمية الاقتصادية الرحبة، وأحدث هذه الدول رواندا، كما أن نماذج النمور الآسيوية لا تزال شاخصة في الأذهان.

عجز الموازنة

قد يرى البعض أن أزمة مصر الاقتصادية تكمن في عجز الموازنة العامة، وزيادة الدين العام الذي ارتفع بمعدلات قياسية خلال السنوات الأخيرة، ولذا فإن الحل من وجهة نظرهم يجب أن يبدأ من نقطة الإصلاح المالي والتوقف عن الاقتراض الخارجي، ووضع جدول لسداد الديون المستحقة على الدولة مع ترشيد الإنفاق العام، والتوقف عن الهدر المالي، وحسن استغلال موارد الدولة، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي.
نقص الموارد الدولارية

وقد يرى البعض أن أزمة مصر الأساسية تكمن في نقص الموارد بالنقد الأجنبي، وهو ما ينعكس سلبا على سوق الصرف ويؤدي لحدوث اضطرابات شديدة في قيمة العملة المحلية، كما حدث في الفترة من 2013 - 2016، وهو ما ينعكس سريعا على الأسعار، خاصة المواد الغذائية والأدوية، والحل عند هؤلاء يكمن في تنشيط القطاعات المدرة للنقد الأجنبي، مثل الصادرات والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإقناع المصريين العاملين في الخارج بتحويل المزيد من النقد الأجنبي للداخل.

ثروات طائلة

وقد يرى البعض أن الأزمة تكمن في عدم استغلال الموارد المتاحة لدى الدولة، فالدولة تمتلك ثروات هائلة ما بين بشرية وصناعية وخدمية وبترولية وتعدينية وسياحية وأثرية وزراعية وشاطئية وغيرها، فمصر مثلا تمتلك سواحل طويلة على البحرين المتوسط والأحمر وتمتلك أهمم ممر مائي في العالم هو قناة السويس، ولديها أكبر حقل لإنتاج النفط في منطقة شرق البحر المتوسط هو حقل ظهر، ومصر تعتبر معبرا للقارة الأفريقية، وبالتالي فإن حصيلة كل هذه الثروات كافية لتغطية احتياجات البلاد التمويلية ومصروفاتها، بما فيها سداد الرواتب وأعباء القروض ودعم السلع الرئيسية وإقامة مشروعات خدمية.

الأموال الهاربة

وقد يرى البعض أنه في حال إعادة الأموال الهاربة في الخارج، فإنه يمكن حل كل مشاكل مصر الاقتصادية، فهناك عشرات المليارات من الدولارات تم تهريبها للخارج، وقد كشفت ثورة 25 يناير حجم الأموال المنهوبة والتي فشلت الحكومة في إعادتها حتى الآن.

الفساد

وقد يرى البعض أن الفساد والرشى والجرائم المالية مثل غسل الأموال وتجارة الاثار والبيروقراطية وسوء توزيع الثروة هي أساس حل أزمة مصر، وأنه في حال التغلب على هذه المشاكل فإن البلاد ستعوم على أموال طائلة، وسيتحول كل مواطن فقير ومتوسط الدخل إلى رجل أعمال يمتلك أسطولا من السيارات وحسابات في بنوك سويسرا.

الأزمة السكانية

وقد يرى البعض أن حل أزمة مصر يبدأ من حل الأزمة السكانية التي تشكل عائقا أمام أي تنمية حقيقية، فزيادة عدد المواليد سنويا والذي يفوق 1.7 مليون نسمة، يبتلع أي مجهود حكومي، ونسي هؤلاء أن زيادة عدد السكان تعد ثروة للدول وليس نكبة، فالصين ورغم أن عدد سكانها اقترب من 1.5 مليار نسمة، استطاعت أن تحقق معدلات نمو زادت عن 10% سنويا على مدى سنوات طويلة، وأن تقترب من القضاء على الفقر، وأن تكون صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، وكذا الحال بالنسبة للهند التي سيتجاوز عدد سكانها عدد سكان الصين في العام 2022، وأوروبا تبحث عن عمالة بسبب نقص المواليد لديها، والمجر أعفت الأم التي تلد أربعة أطفال من الضرائب مدى الحياة.
نقص الإنتاج

كل تلك الحلول المطروحة لمواجهة أزمة مصر الاقتصادية صحيحة، لكن تظل مجرد جزئيات من حل شامل، فمشكلة مصر الرئيسية تكمن في نقص الإنتاج، ولتغطية هذا النقص يتم فتح الباب على مصراعيه لاستيراد كل شئ، وإغراق البلاد بسلع مستوردة تتجاوز قيمتها 65 مليار دولار سنوياً وربما 80 مليار دولار كما جرى في بعض السنوات، وفتح الباب كذلك أمام نفايات منتجات العالم وفي مقدمتها الصين التي تغرق الأسواق المصرية بسلع رديئة قليلة الجودة وغير صحية.

ومع نقص الإنتاج يتم أيضا فتح الباب أمام قراصنة الصفقات وأصحاب الأموال الساخنة لاغتراف مليارات الدولارات من مصر وتحويلها للخارج دون توفير فرصة عمل واحدة أو إضافة قيمة مضافة للاقتصاد أو تأسيس مصنع جديد.

الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة

مصر بحاجة شديدة إلى توفير سلع رئيسية، هي الغذاء والدواء والسلاح، باعتبارها الأكثر استهلاكا للنقد الأجنبي، فمصر أكبر دولة في العالم استيرادا للقمح، ومن أكبر الدول استيرادا للذرة والزيوت والسلع الغذائية، وباتت أخيرا في مقدمة الدول الأكثر إنفاقا على استيراد السلاح.

وبالتالي فإن زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي كفيلة بحل الجزء الأكبر من أزمة مصر الاقتصادية، فزيادة الإنتاج تحد من الواردات الخارجية، وتقلل من الطلب على النقد الأجنبي، خاصة الموجه لفاتورة استيراد الغذاء والوقود، كما أن زيادة الإنتاج تزيد الصادرات الزراعية، وهو ما يزيد من التدفقات النقدية الدولارية، اضافة إلى أن زيادة الإنتاج توفر فرص عمل لملايين الشباب وتحد من البطالة وتجذب استثمارات خارجية وتشجع الاستثمارات المحلية.

المصانع المغلقة

ومن هنا، فإن على الحكومة أن تبدأ فوراً في إعادة تشغيل آلاف المصانع المغلقة منذ سنوات لأسباب عدة، منها التعثر المالي والخلافات مع البنوك والأجهزة الرسمية، وفي مقدمتها الضرائب والتأمينات الاجتماعية، وتشجع كذلك على تأسيس المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تستوعب أيد عاملة كثيفة، وأن تقلل من الضرائب المفروضة على المزارعين والمستثمرين والمصدرين، وتعمل كذلك على خفض كلفة الإنتاج، خاصة فاتورة الطاقة والرسوم الحكومية والفساد الإداري، وتمنح مزايا للصناعات التي توفر بديلا للواردات.

الانتاج والانقسامات المجتمعية

لكن السؤال: هل يمكن زيادة الإنتاج في ظل وطن يشهد انقسامات مجتمعية وخلافات سياسية حادة منذ سنوات؟ كما يشهد خللا في أولويات الحكومة التي تفضل إقامة مشروعات كبرى لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد على حساب مشروعات الخدمات الضرورية للمواطن؟

مفتاح أي تنمية اقتصادية حقيقية يبدأ من سلطة تحترم الدستور والقانون والحريات العامة، خاصة حرية الرأي والتعبير، وتحترم الملكية الخاصة التي كفلها الدستور، وتنظر لمصادرات أصول وشركات وأموال المواطن على أنها جريمة.
سلطة تعيد النظر في الأولويات، خاصة المتعلقة بالإنفاق العام، بحيث يكون المواطن هو الأولوية الأولى في المشروعات الحكومية المنفذة، وأن تسبق مشروعات تأسيس مدارس ومستشفيات وتوفير السلع في الأسواق بأسعار مناسية أي مشروعات وأولويات أخرى.

العدالة الاجتماعية

سلطة تؤمن بالعدالة الاجتماعية وبأحقية المواطن في ثروات بلاده، وكذا بأهمية القطاع الخاص المحلي قبل الأجنبي في التنمية الاقتصادية، ولذا تشجعه ولا تحاربه أو تدخل ضده في منافسة غير عادلة، سلطة تضع رفاهية المواطن في المقدمة، ولذا توفر له الأولويات، ومنها سلع بأسعار مناسبة وسكن آدمي يتلاءم مع دخله وخدمات صحية وتعليمية، وقبل ذلك سلطة تؤمن بضرورة اجراء مصالحة مجتمعية شاملة بين كل الفرقاء السياسيين حتى يتم خفض منسوب المخاطر داخل المجتمع، ويعمل جميع أفراد المجتمع وبلا استثناء على زيادة الإنتاج في كل المواقع .

المواطن يزيد إنتاجه ويبذل أقصى ما يملك عندما يشعر بالانتماء، وأنه يحصل على حقوقه كاملة بما فيها حقه في ثروات بلده، وأنه عنصر منتج في المجتمع مفيد لاقتصاد بلده وليس "عالة" عليه، كما تقول الحكومة دوما.

المساهمون