من هنا يبدأ تجفيف منابع تمويل الإرهاب

من هنا يبدأ تجفيف منابع تمويل الإرهاب

25 مايو 2020
فاتف تغضّ بصرها تماماً عن الدول الغربية وإسرائيل(Getty)
+ الخط -
تعلو الأصوات المنادية بقطع الشرايين المالية المغذية لسرطان الإرهاب الذي انتشر في المنطقة العربية وبات يتربَّص بكل روح بريئة وبيت ومجتمع وبلد. وتتوالى الخسائر البشرية والاقتصادية في ظلّ عجز الدول العربية عن تطويق واحتواء ذيول الجماعات الإرهابية التي تحرص دوماً على إيجاد أساليب جديدة في البحث عن مصادر لتمويل هجماتها.

فعلى سبيل المثال يعتمد تنظيم "القاعدة" على المنح المُقدمة بهدف رعاية وتسهيل النشاط الإرهابي والتبرُّعات، بينما يعتمد تنظيم "داعش" على ممارسة الأنشطة التي تدرّ دخلاً مالياً معتبراً كالخطف، الابتزاز، تهريب السلع والآثار، تجارة الذهب والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة وكذا المخدرات، وسرقة وبيع النفط، حيث تجاوزت الإيرادات المالية لتنظيم "داعش" من هذه الأنشطة 2.4 مليار دولار سنة 2015، وفقاً لتقرير مجموعة العمل المالي فاتف "FATF" المسؤولة عن مكافحة الجرائم المالية في منطقة الشرق الأوسط والصادر في 21 يونيو/حزيران 2019.

كما فتحت العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثريوم والريبل وغيرها الباب على مصراعيه لتوفير التمويل اللازم للجماعات الإرهابية، فقد أصبحت هذه العملات جزءًا من ترسانتها السيبرانية لكونها الوسيلة الأنجع في إخفاء هوية مستخدميها والإفلات من الملاحقة والرقابة المركزية، حيث أفاد تقرير لمعهد بحوث إعلام الشرق الأوسط "MEMRI" صادر في 21 أغسطس/آب 2019 باتِّساع نطاق استخدام العملات الرقمية من قبل المنظمات الإرهابية ومؤيِّديها من أجل جمع الأموال لتمويل الهجمات وشراء المعدات ودعم المقاتلين وعائلاتهم، فقد مكَّنت البيتكوين مثلاً من وصول تبرُّعات تُقدَّر بملايين الدولارات لتنظيمي داعش والقاعدة خلال السنوات الخمس الماضية.

ويكمن الخطر المحدق بالعالم العربي في الخلايا الإرهابية الصغيرة التي تتطلَّب تمويلاً صغيراً لتنفيذ عملياتها غير المكلفة لكونها غير مسؤولة عن السيطرة على أراض شاسعة أو تجنيد عدد كبير من الإرهابيين، فكل ما تحتاجه تلك الجماعات الصغيرة أو "الذئاب المنفردة"، كما يطلق عليها عادة، هو الحصول على مبالغ مالية صغيرة تكفي لتوفير معدات الهجوم الصغير الذي تخطِّط للقيام به بإحكام، وغالباً ما تعتمد على التحويلات المالية القادمة من الخارج التي لا تثير الشبهات نظراً لصغر حجمها لاسيَّما في ظلّ غياب التنسيق لتبادل المعلومات المالية بين الدول، وكذا انعدام التعاون بين وحدات الاستخبارات المالية وأجهزة الشرطة.

لقد أصدرت مجموعة العمل المالي "FATF" تقريراً مفصلاً عن تمويل تنظيم "داعش" الإرهابي في فبراير/شباط 2015 وأشارت فيه إلى أنّ هذا التنظيم تمكَّن من إحكام قبضته على نصف مليار دولار من خلال سيطرته على فروع البنوك المملوكة للدولة الموجودة في عدد من محافظات العراق خلال النصف الأخير من عام 2014، علاوة على سيطرته على فروع 20 مصرفاً عاملاً في سورية.
كما سلَّط التقرير الضوء على الابتزاز الكبير الذي مارسه التنظيم من خلال فرضه لضريبة بنسبة 5 في المائة على جميع عمليات السحب النقدي للعملاء لضمان استمرارية أعماله وتعزيز اكتفائه الذاتي، وأكَّد تقرير "فاتف" كذلك على حصول التنظيم على مبالغ طائلة من بيع النفط المسروق للوسطاء في العراق وسورية بمعدل 50000 برميل يومياً مقابل سعر غير رسمي يتراوح بين 20 و35 دولارا للبرميل في الوقت الذي كان فيه النفط يباع في الأسواق العالمية بأسعار تتراوح بين 50 و80 دولارا للبرميل.

كما فرض تنظيم "داعش" الارهابي رسوماً على حركة البضائع في الأراضي الخاضعة لسيطرته مثل ضريبة الطريق بقيمة 200 دولار في شمال العراق وضريبة جمارك بقيمة 800 دولار على الشاحنات التي تدخل العراق على طول الحدود السورية والأردنية.
كما سيطر التنظيم في سنوات سابقة على أكثر من 40 في المائة من أراضي زراعة القمح في العراق، وحصل على عائدات كبيرة من بيع المحاصيل، وهذا إضافة إلى عشرات الملايين من الدولارات التي حصل عليها "داعش" من بيع الآثار المسروقة نتيجة سيطرته قبل سنوات قليلة على ما يفوق 4500 موقع أثري في سورية والعراق.

وأفاد التقرير كذلك بحصول التنظيم على مبلغ يتراوح بين 20 و45 مليون دولار من عمليات الخطف خلال عام 2014، وأكَّد التقرير على استحالة تقديم أرقام نهائية وحقيقية لمقدار الإيرادات التي يحقِّقها "داعش" بسبب تنوُّع المصادر التمويلية السابقة الذكر وكذا حصوله على أرباحه نقداً، وهذا ما يصعُب تعقُّبه من قبل أي جهة سواءً كانت داخلية أو خارجية.
ولكن أهمّ ما جاء به هذا التقرير هو صغر حجم التبرُّعات الخارجية التي حصل عليها داعش من الجهات المانحة الإقليمية مقارنة بمصادر الإيرادات الأخرى التي تمَّ ذكرها، ففي 24 سبتمبر/أيلول 2014، أفادت وزارة الخزانة الأميركية بحصول تنظيم "داعش" على تبرُّع بقيمة 2 مليون دولار من الخليج.
وبالتالي ما يُعاب على مجموعة العمل المالي "FATF" أنّها تستمرّ في توجيه أصابع الاتهام العلنية للعديد من دول الخليج لمساهمتها غير المباشرة في تمويل الجماعات الإرهابية، ولكنها تغضّ بصرها تماماً عن الدول الغربية وإسرائيل التي تعدّ المسؤول الأول والأخير عن زرع بذور الإرهاب في العالم العربي في إطار الخطة الغربية الأزلية لزعزعة استقراره، فإن كان لأيّ جهة عربية يد في دعم الإرهاب، فللغرب ألف يد في غرسه وتمويله واحتضانه وضمان استمراريته في الوطن العربي الكبير.
خلاصة القول إنّ الإرهاب في العالم العربي ما هو إلا أحد مخلَّفات التحالف الشيطاني بين الغرب وإسرائيل، وهو يجد أرضه الخصبة في البيئة غير المستقرّة التي تنهشها الصراعات والنزاعات لأسباب تتعلَّق في كثير من الأحيان بالحكام الذين بلغوا من الكبر عتيا وأظهروا في أوطانهم الفساد وجثموا على صدور العباد.

لذلك فإنّ توصيات مجموعة العمل المالي وغيرها من المنظمات الدولية لمكافحة الفساد لا تعدو كونها مجرَّد أطروحات عقيمة في ظلّ الشلل العربي أمام دواﻣﺔ اﻟﻔﻮﺿﻰ وﻋﺪم اﻻﺳﺘﻘﺮار.
و‪نجاح الإجراءات الرامية إلى حرمان الإرهاب من موارده المالية منوط بشكل أساسي بإحلال الاستقرار في المنطقة العربية ومحاصرة الفساد وإغلاق منافذه، لأنّ الاستقرار هو اللبنة الأساسية والجذرية لبتر الأذرع المالية للإرهاب، وهو الشرط الضروري لجني ثمار السياسات المُتَّخذة من قبل الحكومات العربية كرفع فعالية نشاط وحدات التحريات المالية المسؤولة عن التحقيق حول تمويل الإرهاب وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل المعلومات المالية والأمنية المرتبطة بتمويل الجماعات الإرهابية.