من سيحسم معركة الموصل؟

من سيحسم معركة الموصل؟

11 ديسمبر 2014

مقاتل من البيشمركة قرب الموصل (8 أكتوبر/2014/Getty)

+ الخط -

بدأ الحديث في أروقة القرار السياسي العراقي عن تكثيف حجم التحضيرات العسكرية والنفسية لبدء الحملة العسكرية للقوات الحكومية وميليشيا الحشد الشعبي، وكذلك قوات البشمركة الكردية، من أجل "تحرير" مدينة الموصل، حاضرة محافظة نينوى، والتي تعد ثاني أكبر مدن العراق بعدد سكانها البالغ حوالي الـثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية. وفي سابقة فريدة من نوعها منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 0032، كلّف الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، نائبه أسامة النجيفي بالإشراف على العملية، بعد توافق وتنسيق بين الرئاسات الثلاث. وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد تعهد بتقديم كل وسائل الدعم والتسهيلات، وتوزيع الصلاحيات العسكرية والأمنية على المسؤولين العراقيين وعدم حصرها بيده لضمان نجاح العملية العسكرية، التي يبدو حتى الآن أنها بالغة الصعوبة. 
أثيل النجيفي، محافظ نينوى، إبان سقوطها بيد تنظيم الدولة الإسلامية، يهيئ، من جهته، وبالتنسيق مع شقيقه أسامة، كل المستلزمات الممكنة لكسب المعركة؛ فقد زار الولايات المتحدة الأميركية، وحصل على وعود بدعم وتسليح القوات التي يجري تدريبها حاليا لهذا الغرض، كما نشط في عملية التنسيق مع قيادات إقليم كردستان وأجهزة أستخباراتهم، من خلال كم كبير من العيون الموجودة داخل الموصل، والتي تدين بالولاء للمحافظ السابق، وتنكر على المدينة وأهلها أن تكون تحت رحمة تنظيم الدولة الإسلامية، ولأن أثيل النجيفي يمتلك، الآن، من مصادر القوة والقدرة على لملمة شتات القيادات المختلفة، بدعم أميركي وغربي بشكل أساس، فإنه، ومن هذا المنطلق، يدعو إلى الاعتماد على الجهود الذاتية، باعتبارها صاحبة المصلحة الأولى في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، قبل أحداث العاشر من يونيو/حزيران الماضي، والجهود الذاتية المقصودة هنا إلى حد بعيد، هو موضوع تسليح العشائر السنيّة العربية في نينوى والأنبار للتضييق على تنظيم الدولة الإسلامية، ثم للمشاركة في حربه وطرده من الأماكن التي قام باحتلالها.

هناك، في كردستان العراق، خلايا عمل مستمر، قوامها، قيادات من وزارة الدفاع العراقية، وقادة عسكريون وأمنيون أكراد، بالإضافة إلى مستشارين عسكريين واستراتيجيين أميركيين، وهناك لجنة تنسيق عسكرية عليا ترتبط برئاسات بغداد وأربيل، تجتمع دورياً من أجل وضع التصورات النهائية لخطط إستعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية. وتقول مصادر كردية إن أية خطة لن تكون قطعية، بسبب حجم الموصل الكبير، وحجم سكانها، ما يتطلب التعامل مع خطط التحرير بشيء كبير من المرونة، وتقبلها التغيير في أي ساعة من ساعات المعركة. إلى ذلك، تستمر شحنات الأسلحة والأعتدة بالوصول إلى إقليم كردستان، فيما يجري تأهيل أعداد من عناصر القوى الأمنية والبشمركة الكردية في مناطق عديدة، بعضها داخل العراق (بعشيقة)، وأخرى خارج العراق (دول غربية وعربية).

لا توجد معلومات مؤكدة عن أسلوب معركة تحرير الموصل، لكن التخمينات تقول إن الأكراد سيهجمون على الموصل، من شمالها وشرقها، فيما يهاجم الجيش العراقي من الجنوب، يواكب ذلك قصف جوي كثيف من طائرات التحالف، كما يخمن المراقبون أن يكون توقيت الهجوم الكاسح على المدينة، في ربيع العام المقبل 2015، بعد تهيئة جميع متطلبات نجاحه.

هذا الموقف العام بالنسبة للقوى التي تريد إعادة مدينة الموصل إلى حاضنة الدولة العراقية، فما بال القوة التي تسيطر عليها، الآن، وتتحكم بكل شؤون إدارتها؟ تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يراقب عن كثب كل تحركات الحكومة المركزية في بغداد، ويتابع ما يجري من تحركات للقطعات العسكرية قرب محافظة نينوى، ويعلم بما يدور في ساحات تدريب المقاتلين الأكراد في بعشيقة، ومن يحضر لاجتماعات أربيل العسكرية والأمنية، التنظيم الذي استطاع أن يتكيف مع الضربات الجوية المكثفة لقوات التحالف بالشكل الذي قلص الكثير من فاعليتها على مكاسبه فوق الأرض.

بداية، استطاعت قوات تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل أن تتغلغل في كل حي وحارة وشارع في المدينة، ليس كقوة عسكرية أو مفارز للتفتيش، بل إن قيادة التنظيم أسكنت مقاتليها مع عوائلهم داخل هذه الأحياء، ليكونوا جزءا من نسيج المدينة، وبالتالي على المهاجم أن يحتسب لقتال من شارع إلى شارع، ومن حي إلى آخر، فإن كانت معارك كوباني (عين العرب) لم تحسم منذ أشهر، على الرغم من تحشيد كل القوى من أجلها، فما بالك بمدينة يقترب عدد سكانها فعلياً من المليوني نسمة، كما أن لدى تنظيم الدولة قوة ضاربة، تمثل بحسب تصريحات ناطقه الرسمي، صفوة مقاتليه، أضيفت إليهم دفعات تخرجت حديثا من دورات قتالية، أقيمت في منطقة الغابات في المدينة.
وتقول الأخبار الجديدة الواردة من نينوى والأنبار إن تنظيم الدولة أقدم على تفخيخ خمسة حقول نفطية يسيطر عليها في مناطق شمال العراق وغربه، سيفجرها حال بدء الهجوم الشامل على مدينة الموصل، وقد قيل إن حجم القدرة التدميرية لهذا التفجير يكفي لتدمير مدينتين كبيرتين بحجم بغداد، كما يحاول التنظيم أن يسابق الزمن في موضوع السيطرة على مناطق استراتيجية مهمة، تجبر قوات الجيش العراقي وطائرات التحالف على تغيير خططها، وأماكن تحشدها، وهذا الجهد واضح في محافظة الأنبار، ومركزها مدينة الرمادي، كما يبدو، واضحاً، من محاولات تنظيم الدولة السيطرة على مطار دير الزور، وهو الأقرب للحدود العراقية. محور آخر يلعب عليه تنظيم الدولة ذاك هو احتلال مدن أكثر أهمية بالنسبة للحكومة المركزية، وبالنسبة لإيران أيضا، مثل مدن الضلوعية وعامرية الفلوجة ومركز الرمادي وأبوغريب وغيرها، حيث إن سقوط هذه المدن بيد تنظيم الدولة يجعل من بغداد، العاصمة، على مرمى حجر، وما يعنيه ذلك من تأثيرات مباشرة على المشروع الإيراني في العراق، وهو ما سيوقف أي خطط للهجوم على الموصل.

إن مجريات الأمور، وتعدد مصالح المهاجمين المفترضين على مدينة الموصل، قد يجعل من معركة "تحرير" الموصل من أصعب المعارك في التاريخ الحديث للمنطقة، ذاك أن أي خلل في هذه المصالح يعني فقدان القدرة على تحقيق النصر الحاسم، كما أن الهجوم على المدينة، بما تحتويه من كثافة سكانية، سيمثل تفجير (قنبلة نووية) فيها؛ قد تفضي إلى الآف القتلى وتدمير كل البنى التحتية والعمرانية في المدينة، يضاف إلى ذلك الخيط الرفيع جداً الذي يفصل بين القتال العقائدي والقتال الوطني، فمع وجود مليشيات الحشد الشعبي، ودور إيران المخفي والمعلن، في استهداف قوى تنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك ولاءات الجيش العراقي غير المحسومة وطنيا، مع علامات استفهام كبيرة وكثيرة بمآلات وأهداف توسع النفوذ الكردي في المنطقة. كل تلك الأمور، وربما غيرها، قد تجعل من حسم معركة الموصل الموعودة بشكل حاسم ضربا من خيال، وستؤول بنتائجها إلى تقسيمات جديدة لهذا الجزء من العراق معلومة للمراقب، وستضيف حجماً ونوعاً جديدا من المآسي للعراقيين، يزيد من عمق ابتعادهم عن نقطة العودة إلى عراق ما قبل 2003.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن