مناورات الحرس الثوري الإيراني: تعزيز الردع مقابل الدبلوماسية

مناورات الحرس الثوري الإيراني: تعزيز الردع مقابل الدبلوماسية

27 فبراير 2015
المناورات لإظهار جهوزية إيران العسكرية (فرانس برس)
+ الخط -

ما أن انتهت المفاوضات النووية بين الوفدين الإيراني والأميركي على مستوى وزراء خارجية البلدين في جنيف، حتى فاجأ الحرس الثوري الإيراني الكل بمناورات بحرية بدأت، صباح الأربعاء، في مضيق هرمز الواقع جنوب البلاد، حيث اختبرت القوات البحرية التابعة للحرس جهوزيتها على مرحلتين، في هذه المنطقة التي تعتبرها إيران ضمن معادلة أمنها القومي الحساسة، وانضمت لهذه التدريبات القوات البرية التابعة للحرس، أيضاً، في اليوم التالي، وهو ما زاد من أهميتها.

المناورات التي شملت اختبارات التأكد من جهوزية الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى الإيرانية، تضمنت كذلك عمليات واسعة لرصد ومراقبة الطائرات من دون طيار الافتراضية، فقامت القوات بإجراء تمرينات على إسقاطها وتحطيمها، إذ إن الحرس الثوري الإيراني يدرك أن أجواء البلاد غير آمنة، وكانت المرة الأخيرة التي اخترقت فيها الأجواء الإيرانية عندما رصدت رادارات الحرس طائرة إسرائيلية من طراز هرمس وهي تقترب من مفاعل نطنز النووي القريب من أصفهان وسط البلاد.

لكن ما أعطى هذه المناورات أهمية خاصة، هو إجراء تمرين من نوع جديد، إذ أعلن قائد القوات البحرية التابعة للحرس، علي فدوي، في وقت سابق، عن تصميم حاملة طائرات، مطابقة لحاملات الطائرات الأميركية الموجودة في المياه الخليجية وبالأبعاد ذاتها، وتم استخدامها في هذه المناورات لإجراء تدريب إيراني من نوع جديد. فوُجّهت الصواريخ الإيرانية نحو نموذج حاملة الطائرات هذه وتم تدميره بالكامل.
وقال فدوي، عن هذه العملية، إن بلاده تريد أن توصل للولايات المتحدة الأميركية رسالة مفادها بأن تجهيزاتها العسكرية الموجودة في المياه الخليجية ترصدها القوات الإيرانية بشكل دائم. قائلاً، إنه من الممكن تحطيم أي حاملة طائرات أميركية خلال خمسين ثانية فقط.

حضور بعض المسؤولين والقادة العسكريين الإيرانيين هذه المناورات في منطقة بندر عباس جنوب إيران، زاد من حجم الرسائل التي أرادت إيران توجيهها للولايات المتحدة الأميركية أولاً، ولدول الجوار ثانياً.

وكان قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، واضحاً في هذا الصدد، إذ قال: إن الهدف من هذه المناورات هو تحقيق قوة ردع إيرانية إزاء التهديدات المختلفة المحدقة بالبلاد، فضلاً عن التأكد من جهوزية القوات العسكرية المختلفة، معتبراً أن قوات الحرس الثوري قادرة على تحقيق أمن واستقرار منطقة المياه الخليجية.

أضاف جعفري: على أعداء إيران ألا يفكروا في تهديد هذه المنطقة، وعلى أصدقاء البلاد أن يدركوا أن طهران لا تُشكّل تهديداً لهم، بل تريد مد اليد للدول الخليجية الجارة لتحقيق أمن واستقرار المنطقة.

اقرأ أيضاً: مفاوضات إيران النووية: "تقدم طفيف" وتأجيل إلى الاثنين المقبل

المشكلة بالنسبة للإيرانيين، هي وجود قوات أجنبية في المنطقة، فهذا يُعدّ تهديداً لإيران النووية بالدرجة الأولى، وهذا ما عبّر عنه رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، الذي تواجد في منطقة المناورات، إذ اعتبر أن تكثيف التواجد الأجنبي العسكري في المياه الخليجية، وزيادة عدد حاملات الطائرات الأميركية، لن يستطيع تغيير الظروف أو موازين القوى الإقليمية، داعياً الكل في المنطقة إلى أخذ القوة الإيرانية بعين الاعتبار، معتبراً التقارب بين إيران والدول الخليجية يغني عن وجود القواعد العسكرية في هذه المنطقة.

وعلى الرغم من أن طهران أصرّت، خلال الأيام الماضية، على استمرار الخطاب الدبلوماسي مع الغرب عموماً ومع الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، لحلحلة أزمة النووي الإيراني التي تقلق جيران إيران من دول مجلس التعاون الخليجي، كما تقلق الدول الغربية، وهو ما يبرز في تصريحات مسؤوليهم، لكن تواجد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في مدينة قم تزامناً مع انطلاق المناورات في بندر عباس ساهم في إعطاء الخطاب الدبلوماسي بُعداً آخر.

روحاني كان متشدداً في تصريحاته من قم، إذ ندد بسياسة التهديد والوعيد والعقوبات، قائلاً، إن بلاده لن ترضخ لهذه السياسات على الرغم من جلوسها إلى طاولة الحوار النووي مع الدول الست الكبرى.

وفي الوقت الذي تتحمّل فيه الحكومة الإيرانية المعتدلة مسؤولية المفاوضات النووية مع الغرب، ويحاول الوفد المفاوض برئاسة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عقد اجتماعات ثنائية مكثفة مع الولايات المتحدة، لا يستغني العسكر عن سياسة استعراض العضلات الإيرانية، فهي ما تُحقق للجمهورية الإسلامية التوازن.

فطهران، من جهة، تدرك أن حلحلة ملفاتها مع واشنطن بشكل ثنائي سينعكس إيجاباً على طاولة الحوار النووي مع كل الدول الست الكبرى، ولكن الملفات العالقة بين طهران وواشنطن ليست نووية وحسب، وبهذه الحالة تحتاج إيران إلى تحقيق توازن في سياستها الخارجية التي تبرز في الخطابات المختلفة للمسؤولين والقادة العسكريين الإيرانيين، ومن هنا يجب أن تحافظ طهران على توزيع الأدوار بين صنّاع القرار.

فبالنسبة لإيران، بناء قوة ردع أمر ضروري ولا تستطيع طهران الاستغناء عنه حتى وإن تبنت خطاباً دبلوماسياً معتدلاً نحو الغرب، فطهران ليست واثقة من توقيع اتفاق نووي، ومن جهة أخرى ازدادت التهديدات التي تحدق بهذا البلد، وعلى رأسها تقدُّم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المنطقة.

وتبدو طهران بحاجة إلى إرسال رسائل متعددة بلغة القوة للولايات المتحدة التي تحيط قواعدها العسكرية بإيران من جهة الجنوب، كما تريد أن تقنع الدول الخليجية بأنها قادرة على حفظ أمن واستقرار المياه الخليجية، في محاولة لتقليل التوتر بين إيران وهذه الأطراف والذي زاد مع تفاقم أزمة البحرين واليمن بالذات. وفي الوقت نفسه، تجهّز إيران حدودها الشرقية التي تتعرض لهجمات مسلّحة متكررة من الشريط الحدودي مع باكستان، كما يركز الحرس الثوري على الحدود الغربية مع العراق والتي تقع عليها عين "داعش"، وكل هذا يجعل التحديات أمام إيران كثيرة، ولا يستطيع الخطاب الدبلوماسي للحكومة حلحلتها جميعاً، فطهران لن تستغني عن لعب دور في الملفات الإقليمية المتزاحمة، كما يقول مراقبو الساحة الإيرانية.