مع ماكرون أم مالبرونو؟

مع ماكرون أم مالبرونو؟

08 سبتمبر 2020

ماكرون ومالبرونو

+ الخط -

أوقعنا الرئيس الفرنسي، ماكرون (43 عاما)، نحن الصحافيين، في حيص بيص، بشأن السبب الذي أغضبه من مواطنه الصحافي، جورج مالبرونو (58 عاما)، كما بدا في التوبيخ الحادّ الذي رمى به الأخير، أمام حشد من الحضور، في قصر الصنوبر في بيروت (مقر السفير الفرنسي)، لمّا نعت ما كتبه الزميل في صحيفته (لوفيغارو) بأنه تافه (أو خسيس أو وضيع، بحسب اجتهادات في الترجمة). سمع الجميع ماكرون يقرّع مالبرونو: "ما فعلتَه غير مسؤول .. خطير من ناحية أخلاقية". وكان مالبرونو قد نشر في 30 الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، في تقرير عنوانه "ماكرون يعود إلى لبنان في مواجهة زعماء القبائل"، أن الرئيس الفرنسي لوّح، في زيارته بيروت، غداة الانفجار في المرفأ، بعقوباتٍ على مسؤولين وزعامات لبنانية، إذا عارضوا البدء بإصلاحاتٍ ملحّةٍ في بلدهم. وقد حدّد الصحافي أسماء هؤلاء (لم يكتب أن ماكرون قال أسماء معيّنة). وفي اليوم التالي، نشر تقريرا آخر عنوانه "رقصة ماكرون مع حزب الله"، أورد فيه أن الرئيس انفرد دقائق، في زيارته تلك، مع رئيس كتلة حزب الله في مجلس النواب اللبناني، محمد رعد، وأخبره (نقلا عن مصدر فرنسي في بيروت، بحسب التقرير) بأنه يريد أن يعمل مع حزب الله لتغيير لبنان، "ولكن أثبتوا لي أنكم لبنانيون، عودوا إلى الوطن، اتركوا سورية واليمن، وقوموا بمهمة بناء الدولة، لأن هذه الدولة الجديدة ستفيد عائلاتكم أيضا". والحيص بيص أننا لم نحسِم أيا من الحكايتين أزعجت الرئيس، العقوبات الملوّح بها أم التعاون المشروط الذي تعد به فرنسا حزب الله، أم أن ماكرون أغضبته الحكايتان.
لم يهدّد رئيس فرنسا مواطنه الصحافي بشيء، لم يتوعّده بعقوبة، لم يوعز بمحاكمته. وفي الأصل، ليس في وسعه أن يفعل أيا من هذا. واكتفى مالبرونو بنشر تغريداتٍ ساندته، في رد غير صريح على الرئيس. وكان قد سمع توبيخه، بين حشد الحضور في المناسبة البيروتية، من دون أن يعقّب أو يوضح أو يرد. طأطأ رأسه ثم انصرف. ولم تُشهر "لوفيغارو" موقفا من الرئيس، ولم تُبادر إلى الدفاع عن صحافي بارز فيها. وفي البال أن وسائط إعلام يحدُث أن تمتنع عن نشر أخبار أنشطة وزير أو مسؤول إذا ما أقدم على سلوك غير حسن مع صحافيين فيها، إلى حين اعتذاره. ويتذكّر صاحب هذه الكلمات أن ياسر عرفات انفعل بتوتر شديدٍ على زميل في صحيفة الرأي الأردنية، قبل أزيد من ثلاثة عقود، فانتقدته الصحيفة في اليوم التالي في صفحتها الأولى في تعليق منها، ما زال عنوانُه في الذاكرة "نحبّ عرفات لكننا نحب فلسطين أكثر". 
تُرانا، سننحاز إلى مالبرونو أم إلى ماكرون؟ أليس من حقّ الصحافي أن يكتُب وينشر ما يراه، وإذا جانب صوابا وحقيقةً، فللمعنيين أن يعقّبوا ويوضحوا ويردّوا؟ أليس من حق الرئيس أو المسؤول أن يعبّر عن رأيه فيما يقرأ أو يسمع، ولو بكيفيةٍ منفعلةٍ إذا ما أغضبه شيء؟ لماذا الصحافي بالضرورة على حق، وله أن يشرّق ويغرّب كما يشاء، بدعوى حرّيته، فيما على المسؤول أن يتّصف، في كل الأحوال، بالأناة وكظم الغيظ؟ حدث قبل أكثر من عام أن رئيس وزراء الأردن، عمر الرزاز، انفعل إلى حد ظاهر (طفيفٍ للحق) على صحافية في قناة تلفزيونية، بادرته بسؤالٍ انطوى على شيءٍ من الاتهام لشخصه. وهذا هو رئيس فرنسا، دولة القانون والمؤسسات والحرّيات، ينفعل إلى حدِّ ظاهر (غير طفيف للحق) على صحافي، يرافقه في رحلته اللبنانية، كتب ما هو غير موثّق، وما يمسّ "مصلحة فرنسا"، بحسب تقدير الرئيس؟ 
أسئلةٌ لا تتطوّع هذه المقالة للإجابة عنها. وإنْ يلزم دائما أن نكون مع حرية الصحافة، ومع الحق في التقاضي والرد. ولمّا كتب مالبرونو ما كتب عقّبت عليه الرئاسة الفرنسية بإيضاحاتٍ لا تتفق معه. ونفى محمد رعد، بشكل قاطع، أن يكون سمع من ماكرون ما نشره الزميل، وقال مكتبه إن "المجالس أمانات". وإلى هذا كله وكثير غيره، جورج مالبرونو صحافي عتيد، وخبير، له أكثر من كتابٍ عن العراق ولبنان وفلسطين، تابع أحداثا عربية ساخنة، وكتبت "التايمز" (والله أعلم) أن الدولة الفرنسية دفعت لـ "الجيش الإسلامي في العراق" 15 مليون دولار للإفراج عنه (وزميل له)، وقد اختطفهما ذلك التنظيم المسلح أزيد من أربعة أشهر هناك في العام 2004. ويشتمل كتابه المشترك مع الزميل نفسه "أوراق قطر" على سقطات مهنية كثيرة مريعة. ويردّد صحافيون لبنانيون عارفون أن الرجل لم يصدُق في كثيرٍ مما كتب عن بلدهم... الأدعى إذن، ربما، أن لا نكون مع ماكرون ولا مع مالبرونو.

358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".