معوّقون يطرقون باب النجاح

معوّقون يطرقون باب النجاح

12 اغسطس 2015
لا تحتاج مساعدة من أحد (العربي الجديد)
+ الخط -
تصل خديجة إلى دكانها الصغير في منطقة بر الياس البقاعية، شرق لبنان، متأخرة بعض الشيء. تنهي للتوّ موعدها في مقر "اتحاد المقعدين اللبنانيين" القريب، وتعود على عجل. تستخدم عصا صغيرة لفتح الشبّاك المرتفع "حتى لا تعبق الروائح ويهرب الزبائن". تستعين الشابة بأدوات بسيطة متعددة، للاحتيال على الشلل الدماغي ومرض السرطان لديها. هي تدير الدكان وحدها، ولا تحتاج مساعدة من أحد فيه.

ترتفع رفوف قليلة على الجدران المطلية حديثاً باللون الأبيض، تحمل أصنافاً متعددة من زينة المنزل. تتوزع المصنوعات الزجاجية على الرفوف المنخفضة. أما الصناديق وصواني التهاني التي تزينها خديجة بنفسها، فتحتل الرفوف الأعلى. يستغرق تحضير الصينية الخشبية الواحدة بين ساعة وساعتين، تمضيهما خديجة في لصق أدوات الزينة عليها، قبل توزيع الأشكال على السطح الملون. وفي ركن صغير تخصص خديجة مكاناً لبيع الحلوى وبعض المواد الاستهلاكية "لجذب المزيد من الزبائن".

مضى شهر ونصف فقط على افتتاح الدكان. هو تاريخ إتمام خديجة دورات إدارة المشاريع التي نظمها اتحاد المقعدين (من أبرز جمعيات الأشخاص المعوقين في لبنان). وبعد تفوقها مُنحت مبلغا قدره 1500 دولار أميركي، لتبدأ مشروعها الخاص.

يؤكد مدير مكتب الاتحاد، حسين جبر، لـ"العربي الجديد" أنّ المبلغ "قد يكون محدوداً بعض الشيء، لكنّ إرادة الشباب التي يملكها أعضاء الاتحاد كفيلة بإحداث كل الفرق".

اختارت خديجة افتتاح الدكان قرب المنزل "بسبب محدودية الميزانية، وعدم قدرتي على استئجار محل على الطريق العام، حيث الحركة التجارية أكبر" كما تقول. إلاّ أنّ خطط التطوير التي تلقتها خلال الدورات حاضرة في ذهنها: "لن يبقى المحل هنا، بل سأنتقل إلى الطريق العام.. أعمل على جمع الأموال اللازمة لذلك من ربحي الحالي". تحرص خديجة على وضع أسعار مدروسة لمصنوعاتها اليدوية، فلا يتجاوز سعر صينية التهاني المُزينة 20 دولاراً أميركياً "وهو مبلغ مقبول ضمن الحي المتواضع"، تفيد صاحبة المشروع.

على الباب، تجلس والدة خديجة لمراقبتها والاطمئنان عليها. لا تبدو فكرة إدارتها دكانا والجلوس فيه لساعات طويلة محببة لديها. لكنّ إصرار خديجة كان كفيلاً بافتتاح الدكان الصغير وإدارته، بالرغم من إعاقتها ومرضها.

قد يكون إصرار خديجة على إنجاح مشروعها الشخصي حالة مميزة، لكنها بالتأكيد ليست فريدة بين أعضاء الاتحاد. فقد تمكن محمد (21 عاماً) من إتمام دورات محو الأمية، واللغتين العربية والإنجليزية، وتصليح أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة، وإدارة المشاريع، خلال أعوامٍ قليلة. يقول: "قبل ذلك كنت لا أستطيع التمييز بين الألف وكوز الذرة، أما اليوم فأنا صاحب مشروع متواضع أسعى إلى تطويره قدر الإمكان".

يستعين الشاب بعكازين لصعود الدرجات الإسمنتية التي صبّها له والده، ليتمكن من الوصول إلى الغرفة القريبة من المنزل بشكل أسهل. هناك افتتح محمد مشروعه "محل لألعاب الكمبيوتر وصيانة الأجهزة". وقد شكل المشروع نقلة نوعية في حياته "على الصعيد الشخصي، بعد تقليص وقت الفراغ في اليوم، وعلى صعيد علاقتي بمحيطي". فقد تغيرت نظرة أطفال الحي وكباره إلى محمد، وأصبح ذلك الشخص الذي يجتمع عنده الجميع بعد أن كان معزولاً.

تزيّن لوحة بسيطة مكتب محمد الصغير. هي رسمة قدمتها له عضوة في الاتحاد لديها إعاقة سمعية. وقد زود محمد أجهزة الكمبيوتر بنظام إلكتروني، لتحديد موعد بدء "ساعة اللعب" وانتهائها "حتى لا أظلم الأطفال". ولأنّ الميزانية محدودة لم يتمكن محمد من شراء ثلاجة للمرطبات بعد، فوضع براد الرحلات النقال في أرض الدُكان، ليزيد الربح ولو قليلاً. كما يعمل محمد في صيانة أجهزة المحل وتصليح أجهزة الزبائن.

من جهتها، التزمت كريمة، التي ولدت بيد واحدة، في بلدة مجدل عنجر القريبة، العمل داخل جدران مكتب الاتحاد منذ عشر سنوات كاملة كمتطوعة، قبل أن تصبح موظفة. تقول إنّها تساهم من خلال عملها هذا "في بناء مجتمع الأشخاص المعوقين في المحيط الذي يرفض حتى اللحظة تقبل وجودنا بشكل طبيعي". اختارت كريمة اختصاص العلوم الاجتماعية ودرسته في جامعة قريبة. ومن خلال وظيفتها الجديدة بعد سنوات التطوع الطويلة، تتواصل كريمة بشكل يومي مع الأشخاص المعوقين وأهلهم، لمتابعة حالاتهم، وإعلامهم بالدورات أو التقديمات الجديدة للاتحاد. كما تحرص على زيارة المشاريع الناجحة لمتخرجي دورات الإدارة التي قدمها الاتحاد، شأن مشروعي خديجة ومحمد، والاطلاع بشكل مباشر عليها.

إقرأ أيضاً: معوّقو لبنان غير مرحّب بهم في الوزارات

المساهمون