مصطفى حسين.. رحيل رسام الثورة المضادة

مصطفى حسين.. رحيل رسام الثورة المضادة

16 اغسطس 2014
+ الخط -

لا يمكن إنكار مكانة مصطفى حسين في فن الكاريكاتير المصري. لكن، لا يمكن الادعاء بأن الرجل، الذي رحل اليوم السبت عن 79 عاماً بعد صراع مع مرض السرطان، "ثوري" أو أنه حارب برسوماته الفساد أو قال كلمة حق في وجه طاغية. على العكس، كان حسين مع فكرة بقاء النظام الديكتاتوري الفاسد.

تخرج حسين عام 1959 في قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة، بعد أن كان بدأ تجربته المهنية عام 1952 في تصميم أغلفة "دار الهلال". انتقل، في 1956، للعمل في صحيفة "المساء"، وشارك عام 1964 في تأسيس مجلة "الكروان"، قبل أن يلتحق بصحيفة "الأخبار" عام 1974، ليبدأ رحلته الأهم، مع الكاتب أحمد رجب، في إصدارها الأسبوعي، "أخبار اليوم"، في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي.

لمع نجمهما في تلك الفترة: الرسام بريشته، والكاتب بأفكاره وكلام الشخصيات الذي كان يضعه. هكذا، باتت "أخبار اليوم"، كل سبت، حدثاً منتظراً مع شخصياته التي ابتكرها حسين ورجب، والتي باتت لها شعبية، مثل عزيز بيه الأليط، وقاسم السماوي، والشهير كمبورة، والأكثر شهرة فلاح كفر الهنادوة.

كان حسين، بصحبة أحمد رجب، "يتسلّى" بالوزراء ورؤساء الحكومات بالقسوة حيناً وبالنكتة أحياناً أخرى؛ نكتة اجتماعية كان رجب أحد المعلّمين في ابتكارها. غير أن سقف الكاريكاتير الذي اعتادا تقديمه كان واطئاً، حاله كحال سقف "أخبار اليوم"، الذي لم يصل يوماً إلى رئيس الدولة إلا بالمدح والنفاق.

وكان حسين، مثل كثيرين غيره، يردد نغمة "مبارك المنقذ والمخلص"، ويرى أن المشكلة والعطب في الحكومات التي لا تنفذ أمر السلطان ذي الحكم الرشيد.

في عام 2005، وقع الانفصال بين الرسام والكاتب، وعاش حسين فترة من التخبط، الواضح لمن تابع مسيرته. لكنه رجع بقوة بعد ذلك ليستعيد تألقه مرة أخرى. بعض المتابعين قال حينها إنه رتب أفكاره ودرب نفسه على اختيار الموضوعات التي يرسمها بنفسه من دون مساعدة أحد، في حين رأى خبثاء أنه عثر مجدداً على من يضع له أفكاراً يرسمها، مستشهدين بإصرار ممتاز القط، رئيس تحرير "أخبار اليوم" السابق، في إحدى المرات، على كتابة أن الكاريكاتير "فكرته" وأن مصطفى حسين رسام ينفّذ، لا أكثر.

ربما يمكن إيجاد عذر لمصطفى حسين في توانيه عن نقد الحاكم، نظراً إلى السقف الواطئ الذي كان مسموحاً به، خصوصاً في صحيفة حكومية لا يقود تجاوز خطوطها الحمراء إلا إلى النهاية. غير أنه لا بد من التوقف أمام حالته وعدم تجاوزه أطر السلطة مع كل اسم يخطر على البال من أسماء زملائه الذين "غامروا" في سبيل قول كلمة حق رغم بطش الديكتاتورية.

وعلى أية حال، كان الرجل مقرباً من السلطة، وكانت معارضه الشخصية "تتوج" بحضور وزراء وبتغطية إعلامية رسمية واسعة. وقد اختير نقيباً للتشكيليين بالتزكية، مرتين، مع العلم أن مناصب النقباء في مصر لا يجري البت فيها بعيداً عن قرارات السلطة و"رؤيتها". وعلاوة على كل هذا، سمّي مصطفى حسين، عام 2007، رئيساً لمهرجان سينمائي هزيل مخصص لأفلام البيئة أطلق عليه اسم "مهرجان النيل السينمائي الدولي"، رغم أن لا علاقة بين رسام الكاريكاتير الراحل والسينما.

وردّاً على تساؤلات خبيثة دارت حينها حول إسناد المهمة إلى حسين، قال أحد المسؤولين في المهرجان إن "الهانم هي التي رتبت للأستاذ مصطفى موقعه في المهرجان لأنها تحب رسوماته التي كانت تضحكها"، والهانم، حينها، لم تكن إلا سوزان مبارك.

خلال أيام ثورة يناير الأولى، وتحديداً بعد خطاب حسني مبارك الشهير، الذي بات معروفاً اليوم بـ"لم أكن أنتوي"، رسم حسين كاريكاتيراً أظهر فيه البيان المباركي بأنه شمس كبيرة أضاءت البلاد كلها، في حين احتلت إحدى زاويا الكاريكاتير مجموعة من الخفافيش السوداء كان يقصد بهم المناوئين لحكم "الريّس" من الثوار المعتصمين في ميدان التحرير.

في يوم تال، رسم مجدداً تحت عنوان "بعد بيان مبارك، انصراف عدد كبير من متظاهري التغيير". وفي هذا الكاريكاتير نقع على "أب وأم يستقبلان ابنهما الشاب العائد من التحرير بابتسامة واسعة تؤكد أنه حقق جميع مطالبه".

تنحى مبارك إذاً، وتحقق مطلب الثورة الأول، لتظهر قوائم سوداء يبدو أنها أغضبت مصطفى حسين، ربما لأنه يرفضها، أو ربما لأنه لم يجد اسمه فيها. في هذا الوقت، كان رسام الكاريكاتير البرازيلي كارلوس لطوف، برسومه، أكثر اتساقاً ودراية بالواقع المصري، كما بدا، رغم المسافات التي تفصله عن القاهرة التي كان حسين قابعاً في منزله بها يستقي أفكاره من المحطات التليفزيونية والصحف التي ضللت الرأي العام أو ربما من تعليمات مباشرة "من فوق".

أول رسم كاريكاتيري لحسين عقب تنحي مبارك لم يكن أقل من نفاق صريح حول الثورة والثوار، حيث نرى أباً عجوزاً يقول لابنه الشاب الثائر: "بابا مين دا انت اللي بابا".

وظل حسين، بعد رحيل مبارك، يلعب بالطريقة القديمة ذاتها، وكأن موجات الثورة لم تصله. كان الرجل يحمل تدهور الأوضاع حينها لعصام شرف، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، متجاهلاً أن في مصر جهة مسؤولة أعلى من شرف هي المجلس العسكري ورئيسه المشير محمد حسين طنطاوي.

مع بدء الانتقادات للمجلس العسكري وحكومة أحمد شفيق، كانت النغمة السائدة تدفع باتجاه إظهار مَن يشككون في الحكومة الجديدة بوصفهم "يكرهون مصر ويسعون لتدميرها". هكذا، انساق مصطفى حسين، كالعادة، مع الموجة، وظهر رسم جديد له على شاشة التليفزيون المصري يتحدث فيها بلسان قارئ النشرة أو المحلل السياسي عما وصفه بـ"انفلونزا الشكوك".

وبعد انتخاب محمد مرسي مباشرة، نشر حسين رسماً اشتُهر حينها، تظهر فيه الكثير من الملفات على مكتب الرئيس، بينما الرسام يدعو لمرسي بالتوفيق. غير أن الدعاء بالتوفيق لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما عاد رسام الكاريكاتير ليسير مع موجة الأجهزة الأمنية، بادئاً صب اللعنات على مرسي وعلى جماعة "الإخوان المسلمين"، حاله كحال كثيرين. هذا إلى جانب مهاجمته الأحزاب التي ظهرت على الساحة السياسية بعد الثورة.

هذا الموقف، الذي طالما عرف به الرسام منذ أيام حكم مبارك وصولاً إلى السيسي، يعبّر عن نموذج فنان السلطة الذي شكله مصطفى حسين طيلة مسيرته المهنية.

المساهمون