مصر تستعد لتعثر مصرفي ومصير غامض للديون الحكومية

مصر تستعد لتعثر مصرفي ومصير غامض للديون الحكومية

13 ابريل 2020
الوباء يضع البنوك في مأزق مع المقترضين (Getty)
+ الخط -
تستعد الحكومة المصرية لاحتمال حدوث تعثر مصرفي، في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من تسبب فيروس كورونا الجديد في ضرب موارد الدولة التي طالما اعتمدت، منذ نحو ست سنوات، على الاقتراض والأموال الساخنة للمستثمرين الأجانب في توفير مصادر تمويل للإنفاق على مشروعات ضخمة من دون جدوى اقتصادية.

ويجري مجلس النواب (البرلمان) تعديلاً على مشروع قانون البنوك الجديد بما يسمح باستحداث صندوقين، أحدهما "لتسوية أوضاع البنوك المتعثرة"، والآخر "لدعم وتطوير الجهاز المصرفي".

وينتظر أن يناقش المجلس هذه التعديلات في 29 إبريل/ نيسان الجاري لإقرارها بشكل رسمي، وذلك ضمن تعديلات أخرى على مشروع القانون، وفق مصادر برلمانية.

ولم يشهد النظام المصرفي المصري من قبل إنشاء صندوق لتسوية أوضاع البنوك المتعثرة، رغم مرور البلاد بأزمات حادة، منها ما يعرف بـ"نواب القروض" في تسعينيات القرن الماضي، والأزمة المالية العالمية في 2008 و2009.

ونواب القروض هم أعضاء في مجلس الشعب، استغلوا حصانتهم البرلمانية ومناصبهم في الحصول على قروض مالية بمئات ملايين الدولارات من دون ضمانات بنكية، ما أدى إلى تعثر بعض البنوك واستدعى تدخل البنك المركزي لإنقاذها.

وترى اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب أن صندوق تسوية البنوك المتعثرة، الذي استحدثت مادة قانونية بشأنه، يمثل حجر الزاوية في النظام المصرفي الجديد.

ويضم الصندوق في عضويته جميع البنوك، على أن تأتي موارده من مساهمة كل بنك بنحو 0.5 في المائة من قيمة الودائع لديه، يتم تحصيلها على مدى 10 سنوات.

واستطاعت مصر، بصعوبة بالغة، تجاوز أزمة التعثر المصرفي خلال تسعينيات القرن الماضي، كما تمكنت من تفادي الأضرار الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، بفضل الإجراءات التي اتبعها البنك المركزي لإصلاح القطاع المصرفي بعد أزمة نواب القروض، واستمرت الإجراءات التحوطية في الإقراض سواء للحكومة أو القطاع الخاص حتى نهاية 2013.

لكن مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم، منتصف عام 2014، فتحت البنوك خزائنها لإقراض الحكومة بشكل غير مسبوق، كما كثفت الدولة الاستدانة من الخارج لتصل إلى مستويات قياسية في سنوات معدودة، لتتجاوز القروض التي حصلت عليها الدولة خلال ست سنوات من حكم السيسي، ما حصل عليه ستة رؤساء تعاقبوا على حكم البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي.

ووفقاً لبيانات البنك المركزي الأخيرة، وصل الدين الداخلي، بنهاية الربع الأول من العام المالي الحالي 2019ـ 2020 (نهاية سبتمبر/أيلول)، إلى 4.18 تريليونات جنيه (270 مليار دولار)، بينما وصل الدين الخارجي إلى 109.36 مليارات دولار.

وتأتي أغلب القروض الداخلية التي تحصل عليها الحكومة من خمسة بنوك عاملة في السوق المحلية، على رأسها "الأهلي المصري" و"مصر" الحكوميان، اللذان يستقطبان أكبر ودائع المصريين.

وبجانب ضخامة الدين الحكومي، فإن إجمالي القروض التي حصل عليها القطاع الخاص من البنوك يصل إلى 1.2 تريليون جنيه حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وفق بيانات البنك المركزي.

ودأبت الحكومة طيلة السنوات الماضية على استبدال الديون بديون جديدة، معتمدة على السيولة المالية المرتفعة لدى البنوك والمتحصلة من ودائع المصريين، لكن أزمة كورونا التي يتخوف من امتداد تداعياتها ربما تضع البنوك في مأزق كبير، وفق محللين مصرفيين، خاصة أن موراد الحكومة من قطاعات رئيسية، مثل الضرائب والسياحة وقناة السويس، باتت مهددة.

كما أن القطاع الخاص أضحى محاصراً في ظل الشلل الذي تسبب فيه الوباء واسع الانتشار محلياً ودولياً، ما ينذر بتعثر الكثير من الشركات عن سداد أقساط ديونها للبنوك، بينما لن تجدي فترة التسهيلات، التي منحها البنك المركزي والمحددة بستة أشهر، نفعا، وفق المصرفيين.

ولم يخف محافظ البنك المركزي طارق عامر، في تصريحات لفضائية "صدى البلد" المحلية المقربة من السلطة، مخاوفه من عمليات سحب كبيرة للأموال من البنوك مع اندلاع أزمة كورونا.

وكشف عامر في الحوار، الذي جرى نهاية مارس/آذار الماضي، أن المصريين سحبوا 30 مليار جنيه (1.9 مليار دولار) من البنوك على مدى ثلاثة أسابيع، معلنا عن قيود لسحب الأموال ضمن تدابير قال إنها تهدف إلى "حماية بنوك الدولة".

وبالتزامن مع عمليات نزوح الأموال من البنوك، لجأ بنكا "مصر" و"الأهلي المصري" الحكوميان، وهما أكبر بنكين في البلد، إلى رفع أسعار الفائدة بنسبة كبيرة على شهادات الادخار وصلت إلى 15 في المائة، رغم خفض البنك المركزي للفائدة بنحو كبير.

واعتبر محللون، في تقرير نشره "العربي الجديد" في 23 مارس/آذار، أن إجراءات البنكين الحكوميين تأتي في إطار محاولات جذب أموال المواطنين، وخشية التعرض لأزمة سيولة مع عمليات سحب الأموال من قبل بعض المودعين، الذين يسيطر عليهم الهلع من اتساع نطاق أضرار كورونا.

وبالفعل، أعلن المصرفان قبل يومين أن حصيلة ما جمعاه من شهادة الاستثمار الجديدة تجاوز 70 مليار جنيه، منذ طرحها في 22 مارس/آذار الماضي.

لكن محللين يقولون إن هذه الأموال لن تصمد طويلا في حال تعثر القطاع الخاص عن سداد ديونه، بينما هناك رعب بالأساس من إمكانية تعرض الحكومة لأزمة مالية إذا ما طال أمد الأضرار التي يخلفها فيروس كورونا.

وفي وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري، قال وزير المالية محمد معيط، في تصريحات إعلامية، إن الحزم التحفيزية لمواجهة كورونا قد تتجاوز 100 مليار جنيه التي أعلنتها رئاسة الجمهورية الشهر الماضي، وفقا لحجم الأزمة ومداها الزمني، مشيرا إلى أن الدولة أنفقت حتى الآن 30 مليار جنيه من هذه الحزمة.

وكشف معيط عن انخفاض استثمارات الأجانب بأدوات الدين المصرية، منذ منتصف مارس/آذار، لنحو النصف، لتصل إلى 13.5 مليار دولار. وشهدت الأسواق الناشئة خروج تدفقات بنحو 100 مليار دولار الشهر الماضي، وسط موجة بيعية حادة بسبب الخوف من تضرر هذه الأسواق من كورونا.

وفي مقابل مخاوف الكثير من الخبراء من اندلاع شرارة تعثر مصرفي، يرى مسؤولون مصرفيون أن القطاع مستعد لمواجهة تداعيات كورونا، مستفيدا من الإصلاحات التنظيمية التي جرى تطويرها بعد الأزمة المالية العالمية فى عام 2008.

وتخطت رؤوس أموال البنوك فى أول أشهر العام الحالي 155.6 مليار جنيه واحتياطياتها 251.7 مليار جنيه، وفق بيانات رسمية.

وخلال السنوات الماضية، عكفت البنوك على تنقية محافظها من القروض الرديئة عبر إعدام الديون وإبرام التسويات، لتسجل نحو 4.5 في المائة من جملة محفظة الائتمان.

لكن هذه القروض في الغالب للقطاع الخاص، بينما القروض الحكومية تحصل على ضمانة من وزارة المالية، حيث تحتسب البنوك القروض المضمونة من جهات سيادية (وزارة المالية) بوزن مخاطر صفر في المائة، فى ظل تعهد تلك الجهات بالسداد حال تخلف المقترضين عن السداد.

وذكرت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني العالمية، في تقرير حديث، أن البنوك المصرية كان متوقعا لها أن تبدأ في التوسع في منح القروض خلال 2020 و2021، قبل أن يضرب فيروس كورونا الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن الوضع اختلف الآن والبنوك يمكن أن تقع تحت ضغوط نتيجة ضعف بيئة التشغيل وتباطؤ النمو الاقتصادي.

ووجه فيروس كورونا ضربة قاسية للعديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، لا سيما القطاع الخاص، الذي يستوعب أكثر من 70 في المائة من العمالة، حيث أظهرت مؤشرات اقتصادية سيطرة الانكماش على القطاع، للشهر الثامن على التوالي، في مارس /آذار، ما يزيد مخاطر دخول البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية.

وقبل أيام، حذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني العالمية من تعرض الاقتصاد المصري لأضرار بالغة وتآكل احتياطي النقد الأجنبي. كما قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن مصر ستعاني من ارتفاع كلفة وشروط الاقتراض، الناجم عن تأثيرات كورونا.

وبخلاف الديون الداخلية، على مصر جدول ديون خارجية صعب مستحق السداد خلال العام الجاري. ووفقا لبيانات البنك المركزي، فإن الأقساط والفوائد المستحقة في النصف الأول من العام الجاري تبلغ 9.24 مليارات دولار، بينما تبلغ الأقساط والفوائد المستحقة في النصف الثاني 9.35 مليارات دولار.

وفي ظل المشروعات الضخمة، التي أقدم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي على تنفيذها، في مقدمتها العاصمة الإدارية الجديدة، شرق القاهرة، تواجه الحكومة ضغوطاً متزايدة في تدبير الموارد المالية، ما يزيد التوقعات بأن يقدم البنك المركزي على طباعة المزيد من النقود من دون غطاء حقيقي للإنتاج.

وأظهرت أحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي، أن إجمالي النقد المصدر وصل إلى 544.7 مليار جنيه في ديسمبر/كانون الأول 2019، مقابل 480.1 مليار جنيه في الشهر نفسه من العام السابق عليه، ما يكشف عن طباعة قرابة 64.6 مليار جنيه خلال هذه الفترة لتدبير الاحتياجات المالية.

كما تظهر البيانات التي رصدها "العربي الجديد" أن قيمة ما تمت طباعته من نقود، منذ وصول السيسي إلى الحكم بلغت نحو 254.9 مليار جنيه.

المساهمون