مصر تتجرع "كبسولات أدوية مزيفة" بـ524 مليون دولار

مصر تتجرع "كبسولات أدوية مزيفة" بـ524 مليون دولار

27 يونيو 2015
الأدوية المغشوشة في الأصناف التي تعالج الأمراض المزمنة(فرانس برس)
+ الخط -
"من حكمدار العاصمة إلى أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس لا تشرب الدواء.. الدواء فيه سم قاتل"... مقولة من أشهر المقولات في السينما المصرية جاءت في فيلم "حياة أو موت" قبل 61 عاماً، والذي يصدح في رسالة للمجتمع بأن الدواء الخطأ قد يقتل المريض. لكن المؤشرات الصادرة عن القائمين على صناعة الدواء وخدمات الصحة الآن، تكشف عن أن ملايين المصريين يتجرعون يومياً دواء مغشوشاً ومنتهي الصلاحية، يصل سوقه سنوياً إلى 4 مليارات جنيه (524 مليون دولار).
وتتركز الأدوية المغشوشة في الأصناف التي تعالج الأمراض المزمنة، بخاصة المتعلقة بالأورام السرطانية والسكري والقلب والتهاب الكبد الوبائي. ولم تعد "الكبسولات المزيفة" قاصرة على ما ينتج محلياً، وإنما تحولت السوق المصرية، لتجارة ترانزيت في المنطقة للأدوية المغشوشة والآتية من الخارج، وباتت تمثل قاعدة انطلاق إلى دول أخرى محيطة، وفق مسؤولين في تجمعات لصناعة الدواء في مصر.
وقال عضو شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية، عِوَض فكري، إن هناك تقديرات بأن تجارة الدواء المغشوش تصل إلى 20% من سوق الدواء في مصر. وأضاف فكري لـ"العربي الجديد" أن مصر أصبحت مصب تجارة الترانزيت للأدوية المغشوشة في المنطقة، حيث يصب فيها نحو 7% من الأدوية المغشوشة عالمياً على الأقل، بالإضافة إلى أن نحو 20% من الأدوية المتداولة محلياً منتهية الصلاحية، مما يمثل خطراً كبيراً على صحة المواطنين.
ويبدو أن نداء "لا تشرب الدواء.. الدواء فيه سم قاتل" لن يجدي نفعا في ظل اتساع سوق الأدوية المغشوشة بهذا الحجم وكذلك تضخم أعداد المرضى بشكل كبير في بلد يقطنه أكثر من 87 مليون شخص.
وتظهر البيانات الرسمية أن مصر تعاني من تفاقم أعداد المصابين بالأمراض المزمنة فقط مثل فيروس "سي"، والسكري والسرطانات وأمراض القلب، ليسجلوا نحو 30 مليون شخص، بما يعادل 38.4% من سكان هذا البلد، مشيرة إلى أن هذه الأمراض تتسبب في وفاة 47% من المرضى المصريين.
وقال عضو شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية إن حجم سوق الأدوية المغشوشة يصل إلى 4 مليارات جنيه (524 مليون دولار)، لذا لا بد من تغليظ العقوبات على المهربين وما وصفها بـ"مصانع بئر السلم" المجهولة الهوية، والتفتيش الدوري على الصيدليات وإلزامها بعدم شراء أدوية مجهولة المصدر، وتفعيل حقوق الملكية الفكرية. وأشار إلى أنه سبق أن طرحت وزارة الصحة مبادرة قبل عامين لمنع الغش، من خلال وضع أرقام متسلسلة للأدوية، غير أنها لم تطبق حتى الآن.
وقال عضو غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، محيي حافظ، لـ"العربي الجديد"، إن الدواء المغشوش يتسبب في خسائر فادحة للشركات لأنه يستقطع من حصصها السوقية.

وبحسب شركة "IMS "الإنجليزية لأبحاث مبيعات الأدوية حول العالم، فإن مبيعات الأدوية في مصر خلال العام الماضي بلغت 27.6 مليار جنيه (3.6 مليارات دولار). وتبلغ الاستثمارات فى قطاع الأدوية بمصر 40 مليار جنيه (5.2 مليارات دولار)، تمثل شركات قطاع الاعمال المملوكة للحكومة من 4 إلى 5% من إجمالي الاستثمارات.
وأشار حافظ إلى أنه على الصيدليات عدم شراء الأدوية إلا من الشركات الرسمية، لافتا إلى ضرورة تغليظ العقوبة على الذي يتم ضبطه بالغش، حيث يعامل غش الدواء في مصر معاملة الغش التجاري، وعقوبته عبارة عن غرامة مالية قدرها 10 آلاف جنيه أو ستة أشهر سجن، وفي الغالب يحكم بالغرامة المالية.
وأوضح أن غش الدواء يكون الخاسر الأكبر فيه المستهلك، والغش نوعان، الأول هو عدم وجود مواد فعالة، أي أن الدواء لا يضر ولا ينفع، وهذا يسبب ضرراً للمريض حيث يحرمه من الدواء الذي كان سيشفيه، والثاني أن يحتوي الدواء على مواد ضارة وهو أخطر حيث قد يسبب الوفاة للمرضى.
ويبلغ إجمالي الإنفاق على الصحة في مشروع موازنة العام المالي المقبل، التي تبدأ مطلع يوليو/تموز 64 مليار جنيه (8.4 مليارات دولار)، بزيادة 11.3 مليار جنيه (1.48 مليار دولار) عن المالي الجاري 2014/2015.
ويعاني الاقتصاد المصري تردياً ازدادت حدته خلال العامين الأخيرين، ويتفاقم عجز االموازنة العامة التي يتوقع تخطيها 280 مليار جنبه (36.7 مليار دولار) خلال العام المالي الحالي المشرف على الانتهاء.

اقرأ أيضا: أدوية الرصيف..تجارة رائجة في العراق تنافس المخدرات

ويؤكد متعاملون في سوق الدواء أن غياب الرقابة على الأسواق يضر بالاقتصاد بشكل كبير. وقال عضو مجلس نقابة الصيادلة، الدكتور هيثم عبد العزيز، إن 7% من الأدوية المغشوشة عالميا يتم تداولها في السوق المصرية، بجانب الأدوية المنتهية الصلاحية بالأساس.
وأشار عبد العزيز، في تصريح خاص، إلى أن بعض الشركات الرسمية تغش الدواء، والبعض الآخر ينتج في "مصانع بئر السلم".

وكان وزير الصحة المصري، عادل عدوي، قال في تصريحات صحافية أخيراً، إنه تم الانتهاء من خطة للتصدي للأدوية المغشوشة.
وبحسب مسؤول في وزارة الصحة، طلب عدم ذكر اسمه، فإن الوزارة تعمل على تعديل نظم التفتيش على المصانع والصيدليات والمواد الخام للقضاء على السوق العشوائية. وقال لـ"العربي الجديد"، إن مصانع الأدوية تعد مسؤولة عن جانب من المنتجات المغشوشة، حيث يتم بيع خطوط الإنتاج القديمة دون تكهينها إلى مصانع عشوائية، لا تخضع لرقابة وزارة الصحة، مضيفاً "المصانع العشوائية، تنتشر فى محافظات الدلتا (شمال مصر) بخاصة بمدينة المنصورة".
لكن عاملين في صناعة الدواء ينتقدون السياسة الحكومية، التي تضع قيوداً على رفع الشركات أسعار بعض أصناف الدواء، معتبرين أن هذه السياسة ساهمت في انتشار الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلاحية في السنوات الأخيرة.
وقال نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية في اتحاد الصناعات، محمد البهي، إن عدم تحريك سعر الأدوية يحرم المواطن المصري من الحصول على أدوية حديثة جراء عدم قدرة الشركات على الاستثمار في هذه النوعية جراء الخسائر التي تتكبدها.
وتواجه شركات الأدوية اتهامات بحجب أصناف من العقاقير، تقول إنها غير قادرة على تصنيعها لارتفاع تكاليفها مقارنة بأسعارها.
وقال رئيس المركز المصري للحق في الدواء، محمود كامل، إن تفاقم أزمة الأدوية الناقصة، والتي تصل إلى 600 صنف، سيضاعف من سوق العقاقير المغشوشة، بما يوجب على الدولة تدخلاً سريعاً. وأضاف "الظاهرة تنتشر بشدة في الفترة الأخيرة"، بما يستوجب تشديد الرقابة على المنافذ الجمركية، مؤكدا أن مصر تحتاج إلى سياسة جديدة لصناعة الأدوية بداية من المصنع وحتى الصيدليات. وبحسب بيانات نقابة الصيادلة، فإن هناك نحو 50 ألف صيدلية مرخص لها، بالإضافة إلى نحو 3 آلاف مخزن، فيما يقول المسؤول في وزارة الصحة إن هذه الكيانات تحتاج إلى عدد أكبر من مفتشي الصيادلة لمراقبتهم ومتابعتهم.

ويعترف نقيب الصيادلة المصريين، محيي الدين عبيد، بارتفاع نسبة الأدوية المغشوشة في مصر خلال الفترة الأخيرة، إلا أنه رأى أن النسبة الموجودة في مصر طبيعية مثل كل دول العالم".
ويقول صيادلة إن شركات الأدوية العاملة في مصر، هي من تسببت بأزمة الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلاحية بالأساس، حيث ترفض الشركات استرجاع الأدوية المنتهية، وهو ما كان مطبقاً من قبل سنوات.
وكان قد تم التوصل قبل عامين إلى اتفاق بين نقابة الصيادلة وغرفة صناعة الدواء، يقضي بقبول الشركات المنتجة مرتجعاً من الصيدليات بنسبة تصل إلى 4% ، بهدف تنظيف السوق من الأدوية المنتهية الصلاحية فيما يعرف بـ"غسل السوق"، إلا أن بعض الشركات التزمت بالاتفاق بينما لم تطبقة الكثير منها وفق صيادلة.
ونتيجة لذلك اشتعلت معركة "المرتجعات" بين نقابة الصيادلة وشركات الدواء والتي ما تزال مستمرة، حيث ترفض الشركات استلام الأدوية المنتهية الصلاحية وتعويض الصيدليات عنها بأصناف جديدة، فيما يهدد الصيادلة بالتصعيد ومقاضاة الشركات.
ويقول عاملون في قطاع الصيدلة، إن عدم استرجاع الشركات الأدوية المنتهية الصلاحية تسبب في ظهور "مافيا" لتجارة الأدوية المنتهية، تقوم بشرائها من الصيدليات بـ 75% من قيمتها وترويجها في الأقاليم والعشوائيات، مما دفع غرفة صناعة الدواء ونقابة الصيادلة للاتفاق على تشكيل لجنة عاجلة لبحث الأزمة خلال الفترة الأخيرة.
وكانت شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، قد ذكرت مطلع يونيو/حزيران الجاري، أن غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات تتفق مع نقابة الصيادلة لتحديد موعد لغسيل السوق من الأدوية المنتهية الصلاحية، وتوقعت أن يتم ذلك منتصف الشهر الذي قارب على الانتهاء، بغرض سحب أدوية تصل قيمتها إلى 600 مليون جنيه (78.6 مليون دولار)، تعادل 2.1% من قيمة الأدوية المتداولة بالسوق.

اقرأ أيضا: الفقر يحرم ملايين المصريين من العلاج

المساهمون