مصر: "ولاية سيناء" يفرض سطوته في الصحراء

مصر: "ولاية سيناء" يفرض سطوته في الصحراء

30 ديسمبر 2014
يلاقي "ولاية سيناء" احتضاناً شعبياً (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتمكن قوات الجيش المصري من حسم المعركة داخل سيناء ضد الجماعات المسلحة، وتحديداً ضد "ولاية سيناء" (أنصار بيت المقدس)، أكبر التنظيمات الجهادية في مصر. وكانت جماعة "أنصار بيت المقدس"، أعلنت مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، قبل نحو شهرين تقريباً، وغيّرت اسمها إلى "ولاية سيناء"، بناء على طلب زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.

وعلى الرغم من تأكيدات الجيش المستمرة من حسم المعركة في سيناء لصالحه، إلا أن "ولاية سيناء"، ما زال يعمل في المنطقة، وهو ما ظهر أثناء المواجهات غير المباشرة بين الطرفين، بعد خفوت المواجهات المباشرة خلال الشهرين الماضيين.

واعتمدت "ولاية سيناء" على عنصر المفاجأة في عملياتها ضد قوات الجيش أو الشرطة. وكان هجوم حاجز كرم القواديس (24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، آخر عملية كبيرة للتنظيم، وراح ضحيته 30 عسكرياً، وعدد مماثل من المصابين. وهو ما حقق لهذه الجماعة غلبة على القوات الموجودة في الحاجز الأمني. وكان التنظيم اختار العصر، وقتاً للهجوم، في صورة غير متوقعة، كون أغلب عمليات الجماعة تتمّ ليلاً، وتكون الحواجز العسكرية فيها متشددة أمنياً وعلى درجة كبيرة من الحذر، عكس النهار.

ويعتمد تنظيم "ولاية سيناء"، في تأهيل عناصره، على تدريبات شاقّة، أقرب إلى نظام وحدات الصاعقة في الجيوش. وأظهرت مقاطع فيديو بثتها الجماعة قبل بضعة أشهر، كيفية تدريب عناصرها في مناطق صحراوية غير معروفة. وتشمل التدريبات مهاجمة المباني والسيارات، واقتحام الحواجز الأمنية.

وتعتبر عمليات تدريب الجماعات الجهادية، أحد أهم عناصر قوّتها، نظراً لأن أعداد الجماعات صغيرة، مقارنة بالجيوش النظامية، التي تتلقّى تدريبات محددة طوال فترة التجنيد الإلزامي. ويرتبط اختيار الكوادر المؤهلة لاجتياز التدريبات، بعمليات التدريب. فيعمد التنظيم بالتالي إلى اختيار عناصره بشكل دقيق، بينما يتمّ اختيار أفراد وقوات الجيش بحسب الحاجة العددية، لا القدرة البدنية والكفاءات القتالية. كما أن التدريب الذي يحصل عليه الجيش، خصوصاً، من يؤدون الخدمة العسكرية، بسيط، مقارنة مع تدريبات "ولاية سيناء".

كما يصعب على أي جماعة جهادية، أن تكون موجودة في بيئة أو مجتمع ما، في غياب الحاضنة الشعبية، نظراً لأنها تواجه قوات الجيوش النظامية والشرطة، وعادة يكون ذلك فعلاً مستهجناً، إلا في حالة وجود رفض لهذه القوات.
ويتمتع تنظيم "ولاية سيناء"، بوجود حاضنة شعبية نسبياً في سيناء، خصوصاً في المناطق المنكوبة، التي تضررت بشكل كبير ضمن عمليات الجيش المصري، تحديداً في المدن والقرى القريبة من الشريط الحدودي، باعتبارها نقطة نشاط الجماعات المسلحة.

فهدم المنازل والاعتقالات العشوائية، والتضييق الأمني الشديد على كمائن الجيش والشرطة، أسهم في خلق حالة من الضيق تجاههما، وبالتالي الميل تدريجياً إلى تنظيم "ولاية سيناء". ويسوّق التنظيم نفسه باعتباره حامي أهالي سيناء والمنتقم لهم من انتهاكات وجرائم قوات الجيش والشرطة.

ومن مزايا التنظيم، أن معظم عناصره من سيناء، وهم أكثر دراية ومعرفة بالطرق والدروب داخل الصحراء، مقارنة بقوات الجيش، التي تأتي أغلبها من خارج المنطقة. ويتحرك عناصر التنظيم بحرية، نسبياً، في الطرق المعروفة، بينما تواجه قوات الجيش صعوبة في التحرك في دروب الصحراء لملاحقة العناصر المسلحة، بخلاف التحرك الطبيعي على الطرق الممتدة بين العريش والشيخ زويد ورفح.
ولجأت قوات الجيش إلى الاعتماد على عدد من البدو لمعرفة دروب الصحراء، للتعامل مع العناصر المسلحة، ومهاجمة بعض المناطق التي تمثّل مقرّاً لها. وظهر توجه قوات الجيش للاعتماد على البدو، عقب نصب عناصر "ولاية سيناء" كميناً للجيش، أدّى إلى مقتل جنديين، وسحل جثة أحدهما.

ويعتمد التنظيم بشكل أساسي، في تجنيد العناصر، على أبناء القبائل والعائلات الكبيرة في سيناء، وهو ما بدا ظاهراً من خلال إعلان أسماء عناصر التنظيم، الذين قُتلوا في مواجهات مع قوات الجيش والشرطة. وما يصعّب من حسم الجيش الوضع في سيناء لصالحه، هو عدم التجاوب الكبير من شيوخ القبائل والعائلات، للإبلاغ عن تحرّكات عناصر التنظيم، نظراً لأن أغلبهم من أبناء تلك القبائل والعائلات. حتى إن بعض أبناء العائلات قام بقتل من يقوم بالإبلاغ عن تحركات عناصر التنظيم، والتعاون مع قوات الجيش.

كما لم يصطدم التنظيم مع النظام والعرف القبلي في سيناء، وهو أمر له طبيعة خاصة في المجتمع السيناوي، ما يسهم في طول بقاءه. وتعمد أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية إلى اختراق هذه الجماعات كأسلوب فاعال في التعامل مع الجماعات الجهادية، التي تتسم بالسرية الشديدة في أسماء عناصرها وقياداتها وتحركاتها وهيكلها التنظيمي.

ويتمثل الاختراق في الدفع ببعض العناصر الموالية للأجهزة الأمنية، وسط هذه الجماعات في محاولة لمعرفة العناصر والعمليات المتوقعة. وباتت قاعدة اختراق الجماعات هي السبيل لتفكيكها، وتصفية أبرز عناصرها وقادتها.

ومع استمرار عمليات الجماعة في سيناء وإلحاق أضرار كبيرة بقوات الجيش، لا يوجد ما ينبئ نجاح أجهزة الاستبخارات في اختراق بنية التنظيم، حتى إن الحديث عن اختراق أجهزة الأمن للتنظيم، من خلال العلاقة بين منفذ عملية مديرية أمن الدقهلية والأمن، لم يثبت صحته. وهو ما يكرّس تقدّم التنظيم على الجيش والقوى الأمنية، حتى الآن.

ويظهر التفوق النوعي في الأسلحة التي يستخدمها عناصر تنظيم "ولاية سيناء"، وأهم هذه الأسلحة "المفخخّات". وفي أغلب عمليات التنظيم الكبيرة يكون الاعتماد على تفخيخ سيارة، بكميات كبيرة من المتفجرات المصنّعة محلياً، من مواد عضوية، يتفجّر بعضها عن بعد، ولا بدّ من اختيار شخص آخر يقود السيارة ليفجرها في الهدف المحدد.

فعملية استهداف موكب وزير الداخلية (سبتمبر/أيلول 2013) واستهداف حافلتين لقوات الجيش في سيناء (العام الحالي)، تمّت بتفجير السيارات المفخخة عن بعد، أما عمليات مديريات أمن القاهرة والدقهلية وجنوب سيناء، فتمت بوجود شخص يفجّر السيارة أمام الهدف. وتحقق المفخخات خسائر كبيرة على المستوى البشري والمادي في الأهداف المستهدفة، ولا يمكن الوقاية منها مسبقاً، إلا من خلال رصد التحركات ومنع السيارة من الوصول إلى الهدف. 

اعلامياً، ينظر تنظيم "ولاية سيناء" للجانب الإعلامي بشكل مختلف، تحديداً عقب مبايعته لـ"داعش"، الذي يرتكز كأحد أدواته الجانب الإعلامي. ويعمد التنظيم إلى إصدار مقاطع فيديو بأغلب عملياته المهمة، وأصدر سلسلة من الفيديوهات توثق عمليات الجيش ضد أهالي سيناء، وأطلق عليها "توثيق جرائم الجيش المصري ضد أهالي سيناء". وبات التنظيم يهتم بشكل أكبر بإعلان مسؤوليته عن العمليات التي يقوم بها بشكل أسرع من ذي قبل.

ويركّز التنظيم في مقاطع الفيديو الخاصة به، على "إظهار الدمار والخراب وعمليات القتل التي تقوم بها قوات الجيش بحق أهالي سيناء"، بحسب قوله، وهو ما يمكن أن يثبت أركان التنظيم على الأقل في سيناء باعتباره "المنقذ".

وزادت مبايعة "ولاية سيناء"، لـ"داعش"، من قدرته على مواجهة الجيش داخل سيناء، من جهة، ولكسب دعم "داعش" من جهة أخرى. إذ يُمكن لـ"داعش"، أن يقدم دعماً مادياً ولوجستياً، فضلاً عن إرسال خبراء عسكريين وقادة ميدانيين. بالنسبة إلى البغدادي وأنصاره، فإن "ولاية سيناء" جزء من "دولة الخلافة"، وطريق نحو البحر وشمال افريقيا.