مصاعب تعرقل انتعاش اقتصاد السودان منذ إطاحة البشير

مصاعب تعرقل انتعاش اقتصاد السودان منذ إطاحة البشير

13 مارس 2020
إذلال الناس في طوابير طويلة أمام المخابز (فرانس برس)
+ الخط -
توقع السودانيّون تحسّن وضع اقتصادهم بعد سقوط نظام عمر البشير الذي حكم البلاد 30 عاماً وأطاحه الجيش في إبريل/ نيسان الماضي، لكنّ الأوضاع تدهورت بعد مضيّ نحو عام، ما يشكّل تهديداً للسلم الاجتماعي في بلد يشهد انتقالاً للسلطة.

ويقع العبء الأكبر على عامّة الشعب، إذ ينتظر الناس في العاصمة الخرطوم ستّ ساعات في طابور لتعبئة سيّاراتهم بالوقود، وثلاث ساعات للحصول على رغيف خبز لعائلاتهم. وفيما تنقطع التغذية بالتيّار الكهربائي عن المنازل نحو ستّ ساعات يوميّاً، يبقى غاز الطبخ نادراً.

أمّا مستخدمو وسائل النقل العامّ فيبقون ساعات طويلة تحت أشعّة الشمس الحارّة ووسط الغبار، في انتظار حافلة تأتي أو قد لا تأتي.

وقال حسن إبراهيم، وهو سائق حافلة مواصلات، بلهجة غاضبة "منذ الصباح الباكر أقِف، ولا أثر للديزل". (وقتها كانت الساعة الحادية عشرة صباحاً بالتوقيت المحلي؛ التاسعة بتوقيت غرينتش). وأضاف "خرج الناس في المظاهرات لتحسين الوضع، فإذا كان الذين يَحكمون لا يستطيعون ذلك، عليهم أن يذهبوا".

وتفجّر الغضب للمرّة الأولى بعد إطاحة البشير خلال تظاهرة نظّمها مئات الأشخاص في 20 فبراير/ شباط الماضي، احتجاجاً على إقالة ضبّاط من الجيش ناصروا الاحتجاجات ضدّ حكم البشير.


لكنّ رقعة الاحتجاجات لم تتّسع، إذ إنّ رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يحظى بشعبيّة كبيرة، خصوصاً بعد محاولة اغتياله الإثنين الماضي.

طوابير الانتظار

وقال أحمد، وهو في الأربعينيات من عمره، ويعمل على سيّارة نقل، أثناء وقوفه مع آخرين في طابور خارج محطّة وقود بالخرطوم "نُعاني في الحصول على كلّ أنواع الوقود. منذ مساء الأمس أقف للحصول على الديزل لسيّارتي، والآن المحطة ليس بها وقود".

وكانت وزارة الطاقة والتعدين قد أعلنت الأربعاء أنّ مصفاة الخرطوم لتكرير النفط تعمل بطاقتها القصوى وتُنتج 70% من حاجة البلاد للبنزين و45% من الديزل و65% من غاز الطبخ.

ويتعيّن على فرد من كلّ عائلة الوقوف يوميّاً في طابور، للحصول على رغيف خبز. وقال الشابّ العشريني محمد عمر أثناء وقوفه مع آخرين في طابور أمام أحد المخابز في العاصمة "منذ 4 أشهر ونحن نقف يومياً لساعات في طابور للحصول على رغيف الخبز. الحكومة كانت قد وعدت بحلّ الأزمة خلال شهر، لكن لم يحدث شيء".

ومنذ انفصال جنوب السودان عام 2011، يعاني اقتصاد البلاد من ارتفاع معدّلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه السوداني، إثر فقدان عائدات 470 ألف برميل يوميّاً.

وتسعى الحكومة إلى القيام بإصلاحات برئاسة حمدوك الذي عمل لسنوات في الأمم المتحدة وتمّ تعيينه في أغسطس/ آب الماضي بعد اتّفاق سياسي بين العسكريين والمدنيّين ليرأس حكومة لفترة انتقاليّة تمتدّ ثلاث سنوات وتنتهي بإجراء انتخابات عامّة.

ويُعقَد مؤتمر أصدقاء السودان الذي يضمّ دولاً غربيّة، على رأسها الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي وبريطانيا وبلدان عربيّة، في يونيو/ حزيران المقبل في الخرطوم.

وضع صعب وخزينة "مفلسة"

ويُتوقّع أن تعقد حكومة حمدوك نهاية الشهر الحالي مؤتمراً اقتصاديّاً يشارك فيه متخصّصون، في محاولة لحلّ الأزمة الاقتصاديّة في البلاد. لكنّ الحكومة تشكو من أنّها ورثت وضعاً صعباً وخزينة "مفلسة".

وقال فيصل محمد صالح وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة لوكالة فرانس برس "ورثنا وضعاً مفلساً". وأضاف أنّ "هناك تباطؤاً من المجتمع الدولي والإقليمي لا نملك له تفسيراً. لعلّهم لا يُدركون اللحظة الحرجة التي نحن فيها. نحن لا نريد صدقات من العالم، وبلادنا لديها موارد طبيعيّة لم تُستَغلّ، ولكنها تحتاج إلى التمويل للبدء" باستغلالها.

وعلى سبيل المثال، أشار الوزير إلى أنّ موسم حصاد القمح "مبشّر جدّاً"، لكنّه يُعاني نقصاً في آليّات الحصاد.

ويُعاني الاقتصاد السوداني جرّاء إدراج السودان على اللائحة الأميركيّة "للدول الراعية للإرهاب" منذ عام 1993 بعد اتّهام وُجّه آنذاك إلى حكومة البشير بإقامة علاقات مع تنظيمات إسلاميّة "متطرّفة" مثل تنظيم القاعدة الذي أقام مؤسّسه وزعيمه السابق أسامة بن لادن في السودان بين عامي 1992 و1996.


وتُحاول حكومة حمدوك الحصول على استثمارات غربية مباشرة عبرَ رفع اسم البلاد عن تلك اللائحة الأميركية.

ووصفت مؤسّسات اقتصاديّة دوليّة الوضع في السودان بأنّه "يُنذر بالخطر". وقال صندوق النقد الدولي في تقرير الأربعاء إنّه "مع غياب التوازنات الكبرى (...) فإنّ الآفاق الاقتصاديّة للسودان تُنذر بالخطر".

وأضاف التقرير الواقع في 78 صفحة أن "نسبة الانكماش الاقتصادي هي كالتالي: 2018: 2.2%- (انكماش) 2019: 2.6%- (انكماش) 2020: 1.5%- (انكماش) 2024: 1.4% (نموّ)".

وأوصى التقرير حكومة حمدوك بإجراء إصلاحات اقتصاديّة، على رأسها رفع الدعم عن المحروقات. وأشار إلى أنّ الدين الخارجي يبلغ نحو 55 مليار دولار إضافة إلى 3 مليارات متأخّرات واجبة السداد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تعوق حصول البلاد على تمويل خارجي.

لكن جوناس هورنار، المحلّل في مجموعة الأزمات الدوليّة للشؤون السودانية، أكّد أنّ الإصلاحات الاقتصاديّة تُجابه بمعارضة من الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك، إذ إنّ قوى "الحرّية والتغيير ترفض رفع الدعم".

وأضاف أنّ على "الحكومة الانتقاليّة والمجتمع الدولي التحرّك سريعاً لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار الذي سيؤدّي إلى إفشال الفترة الانتقاليّة".

وشدّد على أنّ "الحكومة تحتاج إلى مساعدات من أجل إنعاش الاقتصاد، وهو الأمر الذي يتطلّب إصلاحات جريئة وتشريعات في الجانب المالي. لكنّ الخرطوم لا يمكنها القيام بذلك منفردة".

(فرانس برس)

المساهمون